أصدر المجمع العلمي المصري، بيانًا حول الأحداث الأخيرة التي تعرض لها جراء الحريق الهائل الذي نشب فيه وأتى على معظم محتوياته ومقتنياته النادرة من الكتب والوثائق والخرائط والدوريات العلمية، على خلفية الاشتباكات التي اندلعت بين متظاهرين ومحتجين وقوات من الشرطة العسكرية، أمام مجلس الوزراء بشارع قصر العيني، جاء فيه: «إن علماء المجمع العلمي المصري، وقد أصابتهم هذه الفاجعة، يربأون بأبناء مصر البررة والشرفاء، أن يكونوا هم الأداة والمعول الذي حطم هذا الصرح، ويرون أن الأيادي الجهولة الخبيثة والعقول المريضة التي لم ترعَ ديناً ولا تاريخاً ولا علماً، ومن هم وراء تحطيم سمعة هذا البلد العظيم، إنما هي الأيادي الشيطانية التي فعلت ما فعلت جهلاً وجهالة وحقداً على مصر والمصريين، ونقول لهم لقد حرقتم قلوبنا، وحرقتم كتبنا، فبأي ذنب حُرقت. أما وقد حدث ما حدث، وبعد أن خلعت الحادثة قلوب العالم، وبعد أن اهتز ضمير الأمة كلها استنكاراً واستهجاناً واحتقاراً للفاعلين ومن ورائهم، فقد كانت الطعنة لعلماء المجمع العلمي المصري هي الأقسى والأشد، فقد أصيبوا في مقتل بحق وهم يرون نار الحقد تشتعل من نوافذ مجمعهم، ورأوا حرائق الدم والدمار، ورقصات الخراب أمام مجمعهم دون حياء أو حرج في السبت الأسود الحزين». وواصل البيان: إن ما فقدته الإنسانية بهذا الحريق المدمر، سوف يعود إلى ما كان عليه بإذن الله. وعلماء المجمع وهم يرون العالم كله يحيط بهم ويواسيهم، ويشد على أيديهم بالرثاء تارة وبالتشجيع تارة أخرى، إنما يقدرون شعورهم المحب، وتقديرهم المنطقي لما حدث. وإن الأيادي البيضاء التي تمتد الآن إلينا بالخير والعطاء، لتستحق الإشادة والتقدير، وتؤكد على يقظة وجدان الأمم والشعوب التي ترى في أن ما قامت به شرذمة ضالة على أرض الوطن وليست منه، سوف يُزيدنا إصراراً على بقاء مصر شامخة بين الأمم، وهي تري هذا المجمع من جديد على أرضها أشد عوداً وأعظم قدراً. وناشد البيان كل الهيئات والمؤسسات العلمية والبحثية، والأكاديميات والمنظمات المتخصصة والجامعات، داخل مصر وخارجها، وكذلك مثقفيها وعلمائها، وكل محبي العلوم والفنون والآداب، وكافة العلوم الإنسانية والاجتماعية والتطبيقية، أن يمدوا يد العون لإعادة رصيدنا من المراجع والكتب والبحوث والمجلات العلمية الدورية والموسوعات والخرائط، كما يهيب بكافة المثقفين الغيورين على هذا الوطن، أن يساهموا معنا في بناء مجمعنا المصري من جديد، حتى نعيد له سابق مجده واعتباره. وأضاف البيان: لقد كانت مبادرة السيد المشير محمد حسين طنطاوي بإعادة تشييد هذا الصرح الكبير على أيدي أبناء مصر وفي نفس مكانه، أول ما أسكن قلوبنا وأثلجها، وأعاد إلى علماء مصر ثقتهم الكبيرة في رعاة هذا البلد، كما كان لمبادرة صاحب السمو الشيخ سلطان القاسمي حاكم إمارة الشارقة وعضو المجمع منذ سنوات، تأثيره المشجع والمطمئن، فهناك من يعرف قدر هذا المجمع من وراء الحدود، كما كان لمبادرة سموه وحديثه المباشر مع مسؤولي المجمع فور علمه بالحادث، أثره الكبير في تخفيف آثار هذه الصدمة، كذلك فقد كانت للجهات الرسمية والوطنية الأخرى بمصر، آثار طيبة في نفوسنا، ورأى علماء المجمع، أن استنكار رئيس الحكومة وكل أعضائها لما حدث، وزير الثقافة ومسؤولي وزارة الإسكان، إنما هو تقدير لمكانة المجمع والعلماء بمصر، وكذلك كان الحال من كل علماء وأساتذة التاريخ والآثار والجغرافيا والعلوم والآداب والطب والهندسة والفنون، وغيرهم ممثلين في جمعياتهم العلمية، كما كان للعالم الجليل مفتي الديار المصرية، ورئيس مكتبة الإسكندرية، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، ورئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، وأمين عام الجامعة العربية، ورؤساء الجامعات، ومؤسسة الأهرام، والأخبار، ووزارة البحث العلمي، والمصريون خارج الوطن، لكل هؤلاء وغيرهم مما لا تعيه الذاكرة في هذه اللحظات المروعة، وكذلك لوزير الثقافة الفرنسي ووزارة الخارجية الفرنسية، وكافة المجامع العلمية في شتى أنحاء العالم، ومديرة التراث المصري بمتحف اللوفر، وأكاديمية العلوم الفرنسية، والمجمع العلمي الفرنسي، والمكتبة القومية الفرنسية، وCollege de France، مديرة منظمة اليونسكو في القاهرة وممثلة المنظمة في باريس، ورئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية، وسفير دولة الكويت بمصر. إن هذا التعاطف الكبير لهذه النخبة من المسؤولين وغيرهم، إنما يعكس إلى جانب تقديرهم للمجمع العلمي المصري، تعاطفاً إنسانياً رائعاً، يشيع الأمل في نفوسنا بأن القادم خير. واختتم المجمع بيانه ب «والمجمع إذ يصدر هذا البيان الغاضب، والذي يشكر فيه تلك الأيادي البيضاء التي مُدت إليه في لحظة من أحلك لحظات التاريخ المصري، ليشيد بالبررة من أبنائه، ممن أحاطوا المجمع بدفء أجسامهم، وهم يحيطون به خلال النار والدمار الذي أصابه، في لحظة استرجاع ما يمكن أن ينجو من الحريق من كتب ومراجع استخلصوها من بين الحطام والأنقاض. إن هؤلاء الشباب بلجانهم الشعبية قد أكدوا أن الوطن بأمثالهم، لن يحثو على قدميه أبداً، وأن التراجع إلى الوراء لن يكون من شيم أبناء مصر على مر العصور بإذن الله وعونه».