«التضامن»: حملة «هنوصلك 2» تنفذ 200 قافلة ب19 محافظة    كواليس تلقي الرئيس السادات خبر استشهاد شقيقه في حرب أكتوبر    كم سجل سعر الجنيه الإسترليني أمام الجنيه اليوم في البنوك المصرية؟    نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية التونسية تبلغ 27.7%    مفوض أممي: المدنيون في لبنان عالقون بين النزوح وعدم القدرة على الاحتماء    مولر: عمر مرموش استغل الفرص أمام بايرن ميونخ بدون مشاكل    عمر مرموش يتصدر قائمة الأكثر مساهمة في الأهداف بالبطولات الأوروبية    "سنوات من الظلم والتجميد".. أول محكمة كرة قدم نسائية في مصر تعلن اعتزالها وتكشف الأسباب    إصابة 18 شخصا في حريق داخل مطعم بالشيخ زايد    صندوق مكافحة الإدمان ينظم زيارة للمتعافين من أبناء المناطق «بديلة العشوائيات»    كيف خلدت الأفلام المصرية نصر أكتوبر؟    بعد إعلانه بيع مطعمه.. نقل صبحي كابر إلى العناية المركزة (فيديو)    رسالة نارية من نجم الزمالك السابق إلى حسام حسن بشأن إمام عاشور    تعليق مثير من محمد صديق على أزمة أحمد حجازي مع حسام حسن    جيش الاحتلال: لا صحة للإشاعات التي تتحدث عن إنقاذ بعض الأسرى في غزة    شكوك حول دخول جواسيس إسرائيليين للجزائر بجوازات مغربية    سعر بيع مطعم صبحي كابر    القبض على سائق "توك توك" تعدى على طالبة فى عين شمس    العبور الثالث إلى سيناء.. بعد 50 عاما من التوقف انطلاق أول قطار إلى سيناء من الفردان إلى محطة بئر العبد غدا الاثنين.. (صور)    بالتزامن مع بدء تركبيها.. ما أهمية مصيدة قلب المفاعل النووي؟    محافظ الإسماعيلية يستقبل رؤساء الوفود المُشاركة بمهرجان الفنون الشعبية    توقعات الأبراج حظك اليوم برج الجدي على جميع الأصعدة.. فرص جديدة    بخفة دمه المعهودة.. علاء مرسي يحتفل بزفاف ابنته بالعزف على الدرامز    أمين الفتوى: 6 أكتوبر من أيام الله الواجب الفرح بها    إحالة فريق"المبادرات" بالإدارة الصحية بطوخ للتحقيق    ديتر هالر: خريجو الجامعة الألمانية سفراء لعالم أكثر سلامة واستدامة    في الذكرى ال140 لتأسيسها.. البابا تواضروس يدشن كنيسة "العذراء" بالفجالة    أرخص 5 سيارات SUV في السوق المصري    اللواء مجدى علام: 6 أكتوبر كان اليوم المناسب لشن الحرب    أكرم القصاص: حرب أكتوبر خداع استراتيجي وملحمة غيرت موازين القوة    تداول 3200 طن بضائع عامة و418 شاحنة بميناء نويبع البحري    وكيل الأوقاف محذرًا من انتشار الشائعات: "كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع"    بالفيديو.. رمضان عبدالمعز: النصر دائما يكون بالتمسك بالكتاب والسنة    وزير الإسكان يتابع سير العمل بمحور عمرو بن العاص الحر    إطلاق دليل الحلول والممارسات الناجحة للاستثمار بمجال الطاقة المتجددة    فكري صالح يطالب بإلغاء الترتيب بين حراس منتخب مصر    المنيا تحتفل بذكرى نصر أكتوبر (صور)    الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال دمَّر 611 مسجدا كلّيًا بغزة واقتحم الأقصى 262 مرة خلال عام    إصابة سيدة وابنتها في انهيار حائط منزل ببني سويف    سوريا:غارة جوية إسرائيلية استهدفت 3 سيارات تحمل مواد طبية وإغاثية    جلسة تصوير للتونسى محمد علي بن حمودة أحدث صفقات غزل المحلة.. صور    أكاديمية البحث العلمي تعلن إنتاج أصناف جديدة من بعض الخضراوات    خبير استراتيجي: الحق لا يرجع بالتفاوض فقط.. يجب وجود القوة    أستاذ بالأزهر: يوضح حكم الصلاة بدون قراءة سورة الفاتحة    أحد أبطال حرب أكتوبر: القوات المسلحة انتهجت أسلوبا علميا في الإعداد لحرب أكتوبر المجيدة    استشاري تغذية: الأسس الغذائية للاعبي كرة القدم مفتاح الأداء الرياضي    الوادي الجديد.. تنظيم قافلة طبية لمدة يومين في قرية بولاق بمركز الخارجة    وزير الصحة: حملة 100 يوم صحة قدمت أكثر من 105 ملايين خدمة مجانية خلال 66 يوما    اتحاد الكرة يحيي ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة ويهنئ الرئيس السيسي    غرق طالبين وإنقاذ ثالث بأحد الشواطئ بالبرلس فى كفر الشيخ    الداخلية تقدم تسهيلات للحالات الإنسانية بالجوازات    دعاء الذنب المتكرر.. «اللهم عاملنا بما أنت أهله»    إدارة الموسيقات العسكرية تشارك فى إقامة حفل لأطفال مؤسسة مستشفى سرطان 57357    ضبط 3 عصابات و167 سلاحا وتنفيذ 84 ألف حكم خلال يوم    تشاهدون اليوم.. مواجهات قوية للمحترفين في الدوريات الأوروبية    رسميًا.. سعر الريال السعودي مقابل الجنيه اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024 بالتزامن مع إجازة البنوك    نص كلمة الرئيس السيسي بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة    الحياة المأساوية للنازحين من ذوي الإعاقة والأطفال في مخيم خان يونس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجماعة الإسلامية من المنصة إلى المنصة
نشر في التحرير يوم 18 - 04 - 2014


«الوش بعد الوش بعد الوش
الكل طلع مقلب ووطنى الخاسر
الكل متربى فى عش الغش
وألف رحمة عليك يا عبد الناصر»
الخال/ عبد الرحمن الأبنودى
سألنى كثيرون من زملاء المهنة ومن أصدقائى أن أكتب عن الجماعة الإسلامية، وعن أحداث التسعينيات، وعن مبادرة وقف العنف التى أطلقتها الجماعة، هل هى حقيقة أم خداع للخروج من السجن؟
وكان الطلب يزداد كلما ذكرت لهم بعضًا من هذه الذكريات، وكلما ظهر على الساحة أحد الإسلاميين يسألوننى هل تعرفه؟.. فإذا أخبرتهم عنه، وأوجزت لهم شخصيته وأفكاره، وأكدت لهم الأيام صدق رؤيتى، وصحة نظريتى، زاد إلحاحهم. وما منعنى من الكتابة هو أنى أحتسب فترة الاعتقال عند الله عز وجل، فهو من أنعم بالمحنة، وتفضل وجعلها منحة، فلله الحمد فى الأولى والآخرة. ولكن تراكمت أسباب وراء أسباب جعلتنى أكتب قصة الجماعة الإسلامية من البداية إلى النهاية.
هل دفع نظام مبارك الجماعة إلى استخدام العنف ضد الدولة؟
حنبنيها
نعود إلى محمد المحلاوى، يئس من أن يحول باقى أعضاء الجماعة إلى أدوات لتنفيذ أفكاره الإجرامية، ففكر فى أعضاء الجماعة الذين لم يشاركوا فى الأحداث، وهم طلبة الجامعة أو المتعلمون فى أن ينظم بهم العمل فى دمياط.
وكأنه غراب البين.. لا ينعق فى مكان.. إلا أذن بفراق الأحبة
اجتمع معى ومع المهندس عبد العليم فهيم ومحمد حسن بدوية المدرس، وقرر تنظيم العمل بدمياط، وأسند مسؤولية العمل بالمحافظة إلى المهندس عبد العليم الذى رفض، فهو سوف يسافر بعد أسبوع للعمل فى الإمارات، فألح عليه، غراب البين، قبل أن يتولى المسؤولية لمدة أسبوع، ثم بعدها يسافر إلى الإمارات، فكان ثمن هذه الموافقة اعتقال المهندس عبد العليم وأشقائه الثلاثة ثم أفرج عن أحدهم، واستمر اعتقال عبد العليم وأخويه ثلاث عشرة سنة.
ألم أقل إنه «غراب البين»
وكان هذا الاجتماع فى المدينة الجامعية بالقاهرة، ففيه تم توزيع المهام الإدارية على الموجودين بالاجتماع.
ثم قام المحلاوى بطلب قلم رصاص، وكتب به رسالة لأحمد الإسكندرانى يخبره فيها أنه سيقتص من قتلة عز ورفيقيه، ونسى أنه المتسبب فى قتلهم لهربه، وعدم عودته لهم، وذكر فيها أنه عرف أسماء الضباط الذين قتلوهم، وقام بتطبيق الخطاب ثم قام بوضع كيس بلاستيك عليه، وقام بلصقه بالنار، فأصبح أشبه بشىء مكعب بحجم علبة الكبريت، وأعطاه لمحمد بدوية، ليعطيه لأحمد الإسكندرانى فى السجن.
ولما اعترضنا قال: إنه كتبه بالقلم الرصاص حتى إذا عثر الأمن عليه لن يدين أحدا لأن النيابة لا تعترف بالقلم الرصاص.
كم كان ساذجا «نموذج مثالى لنظرية الطوبة».
من قال له هذا الهراء؟!
ولو افترضنا أنه عثر ولم يدن فى النيابة، هل الأمن لن يترك المجتمعين هنا.
بلاهة فى التفكير، ومعلومات مغلوطة هى النموذج الأمثل للطوبة التى تريدها الجماعة من أبنائها.
انصرف المحلاوى، وتفرق المجتمعون.
وذهب محمد بدوية مع أم أحمد لزيارته فى سجن ليمان طرة، واضعا اللفافة الورقية فى جيبه، فعثر عليها الأمن فى جيبه وهو يفتشه تفتيشا روتينيا، فقبض على محمد بدوية وساموه سوء العذاب، فاعترف على المجتمعين، فاعتقلوا جميعا لمدة أربعة عشر سنة بلا جريرة سوى أن نعق غراب البين لهم.
تسبب هذا الخطاب فى حالة رعب عند ضابط أمن الدولة عبد العزيز النحاس، خاف أن تقتله الجماعة بعزّ رفيقيه.
عندما اعتقل المهندس عبد العليم وعاد من الاعتقال، قابله النحاس.
قال له: إنت عارف بتكلم مين؟ وكان المهندس معمى العينين.
المهندس: قال نعم أنت عبد العزيز بك.
النحاس: افتح عينيك واخلع الغماية.
ففعل فقال له.
النحاس: اجلس وأمسك النحاس بمصحف وحلف عليه أنه لم يكن هناك فى البصارطة يوم مقتل عزّ ورفيقيه.
المهندس: نعلم ذلك.
وانتهى اللقاء.
لم يهدأ المحلاوى، فقد اعتقل باقى أعضاء الجماعة بدمياط، لم يتبق سوى عدد قليل من الأعضاء ما بين ستة عشر عاما، وثمانية عشر عاما لم يستطع الوصول إليهم.
إذن هم فى الأمان، لن يقبض عليهم، لن تصلهم توجهات المحلاوى القاتلة، لكن هيهات، نظرية الطوبة، فعلت بهم الأفاعيل.
فاجتمع هؤلاء الأعضاء، وإن شئت الدقة الصبية، وأرادوا أن يستمروا فى ما تعلمون من الجماعة، فكانوا يحضرون مقرأة لتلاوة القرآن على يد عضو الجماعة محمد فؤاد جوهر، الطالب بمدرسة الصنايع بدمياط، ويجتمعون على تدريب الكونج فو على يد عضو الجماعة محمد محمود شبكة، أويمجى من الخياطة، وكانوا يقومون بتغيير المنكر الذى سبق وأن تعلموا تغييره على يد أحمد الإسكندرانى، فكانوا يجتمعون بعد صلاة الفجر، ويقومون بتقطيع وإزالة أفيشات السينما من على الحوائط فى دمياط.
وذات يوم اتفقوا على أن ينقلوا نشاطهم إلى مدينة رأس البر على الضفة الغربية للنيل، فانتقلوا بعد أن صلوا فجر يوم 17/6/1992م إلى رأس البر، وحملوا معهم أكياس سوداء بها برطمانات بها بمب أطفال ومسامير، وذهبوا إلى شارع النيل، حيث توجد بها دار سينما رأس البر والجمهورية، وكان يوجد بجوار سينما الجمهورية مقر قسم شرطة رأس البر القديم، فشاهدهم أحد المخبرين، وهم يحومون فى ساعة مبكرة حول دار السينما، وعندما حاول استوقفهم للتأكد من شخصيتهم، خصوصا وبعضهم يحمل أكياسا سوداء، فروا هاربين.
وبدأت مطاردة بين المخبر، وقد استعان ببعض زملائه، وصبيبة الجماعة فى رأس البر.
انتهت المطاردة بالقبض على قائد المجموعة، وهو محمد مصطفى عصعوص «نجار، أمى»، 17 سنة، وهشام محمد عز الدين «نجار، أمى» 16سنة. واللذان اعترفا بما اتفقا عليه. فتم القبض على باقى الصبية وهم: محمود محمود البابلى وشقيقه عادل ومحمد متولى أبو عمر ومحمد شيكة ومحمد جوهر وهانى سلامة.
وأحيلوا إلى الجنايات فقضت محكمة الجنايات بالجلسة المنعقدة بها يوم 16 ديسمبر 1992 ببراءة محمد فؤاد جوهر ومحمد محمد شبكة مما نسب إليهما.
وبمعاقبة محمد متولى أبو عمر بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة، وتقدم المحامى القدير سعد حسب الله رحمه الله، بتظلم إلى مكتب نائب الحكم العسكرى، فقبل التظلم، وأعيد محاكمة محمد متولى أبو عمر، فحكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات.
فتقدم للمرة الثانية بتظلم فقبل التظلم وأقر الحكم مع النزول بالعقوبة من عشر سنوات إلى ثلاث سنوات.
وتم تغيير نماذج الحبس ليبدأ من 22/8/1992م وحتى 22/8/1995م، لكن تدخلت يد أمن الدولة فى سجن بورسعيد، ونزعت من أوراقه هذه النماذج، وأبقت على نماذج الحبس القديمة التى تبدأ من 22/8/1992م وحتى 22/8/2002م، فاستمر فى قضاء العقوبة الملغاة لمدة سبع سنوات كاملة.
وبالنسبة إلى باقى صبية الجماعة، فحكم على هشام عز الدين ومحمود عادل البابلى بالحبس لمدة ستة أشهر وبالنسبة لهانى سلامة ومحمد عصعوص بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وصدر الحكم من محكمة الأحداث.
لم يبق من أعضاء الجماعة بفضل المحلاوى وتخطيطاته ونتيجة لاستثمار أمن الدولة هذه الأخطار جيدا، خارج السجن أحد سوى المحلاوى ورفيقيه.
فى هذه الأثناء تم تجميع كل معتقلى الجماعة فى سجن بورسعيد مع المحكوم عليهم فى قضية تكسير المقاهى.
كان هدف عبد العزيز النحاس الضابط بأمن الدولة تحديد هل سيفرج عن المحكوم عليهم بعد انتهاء العقوبة فى شهر يناير 1993م أم لا، لذا أرسل مرشدا له معتقلا فى السجن اسمه نجاح من السنانية، وكانت الجماعة تعلم أنه مرشد.
واجتمع الإسكندرانى مع المهدى، وقررا استقبال هذا المرشد ليرسلا عن طريقه رسائل لأمن الدولة، لتسهم فى الإفراج عن أعضاء الجماعة المعتقلين والمحكوم عليهم بعد انتهاء عقوبتهم، وكان الضابط النحاس يحضر كل خميس لمقابلة هذا المرشد ليستلم منه، التقرير الأسبوعى:
وكانت الرسائل التى أرسلها أحمد إلى أمن الدولة عن طريق هذا المرشد، ليفرج عن المعتقلين هى:
1- أعضاء الجماعة يتدربون يوميا لمدة ثلاث ساعات على الكونج فو، ويرددون هتافات عدائية مثل «طالعلك يا عدوى طالع».
2- يوجد حديث دائم عن القصاص لعز ورفيقيه فى خطب ودروس الجماعة، خصوصا عادل الشرقاوى، الذى أقسم فى خطبته على القصاص لدم الشهداء.
3- كتب محمد المهدى بخط كبير، وهو خطاط، على جدران فناء السجن وجدران الزنازين «القصاص القصاص لدم شهدائنا».
4- عندما أفرج عن عضو الجماعة خالد بركة ونزل إلى مديرية أمن دمياط، فى أثناء التحقيق معه قال لهم: سنقتص لدم الشهداء، وبعد الضغوط عليه اعترف تفصيلا باتفاقه مع المهدى والإسكندرانى على قتل الضابط النحاس والضابط تامر وأمين الشرطة رشاد قصاصا لقتل أمن الدول لعز ورفيقيه.
فكانت الرسالة واضحة فى مضمونها، وسهلة ومباشرة فى لغتها. وأغلقت أمن الدولة ملف الإفراج عن أعضاء الجماعة بدمياط نهائيا لحين الانتهاء من ملف الجماعة على مستوى الجمهورية.
لم يكتف الإسكندرانى بأن أشعل الأحداث، وأكملها تلميذه النجيب المحلاوى، وورَّد باقى أعضاء الجماعة للسجون، إنما قفلها الإسكندرانى والمهدى وعادل الشرقاوى بالضبة والمفتاح.
الفصل السادس
المواجهة بين الجماعة والدولة
«إن العنف أصل البلاء فى ما يصيب البشر».. تولستوى
هل كان نظام حسنى مبارك هو البادئ بالمواجهة مع الجماعة؟
هل أجبرت أمن الدولة بتجاوزاتها الخطيرة الجماعة اللجوء إلى العنف؟
لكى نجيب عن هذه الأسئلة علينا أن نعود إلى بداية حكم مبارك.
أحداث أسيوط 8 من أكتوبر عام 1981م:
خلفت الجماعة نتيجة هذه العملية الإجرامية أكثر من مئة وعشرين قتيلا، غير مئات المصابين. ماذا كان رد فعل مبارك بعد تسلمه الحكم؟
أولا: لم يستخدم مبارك سلطاته بإحالة مرتكبى هذه المجزرة إلى القضاء العسكرى، إنما أحالهم إلى محكمة الجنايات أمام القاضى الطبيعى، ترى لو بدلنا الأوضاع، وكانت الجماعة هى من تحكم، وخرجت مجموعة عليها، قتلت رئيس الدولة، ثم ارتكبت مجزرة بشعة كمجزرة أسيوط، ماذا سيكون رد فعل الجماعة؟
الإجابة: معروفة سلفا، إعدام كل من شارك أو أسهم أو حرض أو عاون، والدليل الشرعى موجود، لن يعجزوا عن الإتيان بدليل فعلهم، تلك هى عادتهم التى لا تنقطع.
أما مبارك فحاكمهم محاكمة عادلة لمدة ثلاث سنوات كاملة، لم يحكم فيها بإعدام أىّ من المنفذين أو المحرضين أو المخططين لهذه المجزرة.
يقول على الشريف فى مذكرته فى جريدة الموجز: «كنت على يقين أننى سوف أحصل على حكم الإعدام شنقا».
ويقول حمدى عبد الرحمن فى حواره مع مجلة المصور: «ثقة الأفراد فى قيادتهم، وأنهم قيادات لا تحركهم الأهواء، إنما تتحرك تحركا شرعيا سليما، وأنهم تحملوا فى سبيل معتقداتهم المشاقّ والسجون، وكادت رؤوسهم تعلق فى حبل المشنقة، فقد ارتدى سبعة من الأعضاء المشاركين فى قضية 1981م بدلة الإعدام الحمراء، فالأعضاء كانوا مستعدين لتقديم أرواحهم دفاعا عما يعتقدون، كل هذا جعل الثقة من الأفراد فى قياداتهم موجودة، لأنهم يتحركون من أجل المصلحة».
ثانيا: تم علاج من أصيب منهم فى هذه المجزرة..
يقول على الشريف: «وذهبت إلى إدارة السجن وطلبت منهم الذهاب إلى مستشفى القصر العينى لعمل عملية إعادة الأمعاء إلى داخل بطنى، وإعادة فتحة الشرج الطبيعية إلى عملها، فوافقت إدارة السجن، ورحلتنى إلى مستشفى القصر العينى».
ثالثا: بل الأكثر من ذلك تم إقناع مبارك أن الأحداث السابقة يتحملها الرئيس السادات بأفعاله، وأن عليه فتح صفحة جديدة مع التيار الإسلامى ومع الأقباط، وأنه لتمرير عودة البابا شنودة لكرسيه البابوى، يجب أن يفرج عن التيار الإسلامى المشارك فى أحداث أسيوط، لكى يحدث انفراجة فى البلاد.
وكاد هذا الأمر يتم بهذا السيناريو، لولا رفض قيادات الجهاد مقابلة ضباط أمن الدولة، الذين جاؤوا لترتيب هذا الأمر معهم فى عام 1983م، وهى الفرصة التى ندمت عليها الجماعة كثيرا، وكان المفاوض هو اللواء فؤاد علام.
رابعا- حركت النيابة العامة فى بداية عهد مبارك الدعوى العمومية تجاه أربعة وأربعين ضابطا من وزارة الداخلية بتهمة تعذيب المتهمين فى أحداث 1981م، التى سميت بقضية التعذيب الكبرى.
خامسا: تم تنفيذ أحكام المحكمة فى القضية المسماة «قضية الجهاد الكبرى»، وأفرجت وزارة الداخلية عن من صدر بحقهم أحكام بالبراءة أو أحكام بثلاث سنوات.
خرجت أعداد كبيرة من أعضاء الجماعة بعد مرور ثلاث سنوات، كانوا خلالها قد أصَّل قيادات الجماعة لأحداثها الدامية، خرج هؤلاء الأعضاء يحملون فكر الجماعة الدموى، وانطلقوا إلى المساجد التى كانوا احتلوها قبل عام 1981، فعادوا واحتلوها مرة أخرى.
لقد رسخ فى ذهن قادة وأعضاء الجماعة أن الدولة قد استفرغت وسعها فى الرد على ما اقترفته أيديهم من قتل السادات وأحداث أسيوط وما تكشف من قضايا كمذبحة نجع حمادى، فالدولة قبضت عليهم وعذبتهم وحاكمتهم، وفى النهاية خرجوا بقوة القانون.
ظنوا أن القانون هو الذى سيحكم العلاقة بينهم وبين الدولة، ولن تستطيع الدولة أن تتخذ ضدهم فى حالة معاودتهم مثل أحداث 1981 إجراءات أشد مما اتخذت.
هكذا تصوروا، وهكذا رسخ فى أذهانهم، لم يستوعبوا أن الدولة وتحديدا نظام مبارك لم يحمل عداء لأحد فى بداياته.
انتشرت الجماعة الإسلامية فى صعيد مصر، وعادت إلى الجامعات الموجودة هناك، أحكمت سيطرتها عليها.
سادسا: فى عام 1986م وفى أثناء لصق أحد أعضاء الجماعة بأسيوط ويدعى شعبان راشد مصلقا يدعو الناس لصلاة العيد، وكان الوقت بعد صلاة الفجر مباشرة، اشتبه مخبران فيه، وارتاب فى وجوده فى ساعة مبكرة ومعه أشياء يحملها، فاستوقفاه، ليتحققا من شخصيته، إلا أنه غافلهم، وفر هاربا، فما كان منهم سوى أن أطلقا عليه النار، فأصيب فى مقتل، ولقى ربه رحمه الله.
ذكر لى أسامة حافظ نائب رئيس مجلس شورى الجماعة هذه القصة، وقال لى: إن نظام مبارك لم يكن يحمل لنا عداء، إنما نحن من استفززناه إلى عداوتنا.
قلت له: كيف ذلك؟
قال: لقد أمر مبارك بالتحقيق مع هذين المخبرين، وأحيلا إلى المحاكمة، فحكمت عليهما بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات.
واستقبل مبارك والدى شعبان فى القصر، وأمر بأن يسافرا عمرة على حساب الدولة.
فتعجبت!
قال: لا تعجب، لم نفهم هذا الموقف على الوجه الصحيح، إلا بعد أكثر من عشر سنوات.
كان هذا الحديث فى ليمان طرة فى 1997م بعد المبادرة، وبعد أن أمضى هذان المخبران فترة العقوبة، خرجا من محبسهما فى عام 1993م، فقتلتهما الجماعة ثأرا لشعبان راشد.
وهذا الموقف يدل على التناقض الصارخ.
ففى حوار حمدى عبد الرحمن مع مجلة «الأهرام العربى» يقول:
المجلة: فى الشرع من قتل له دية، فهل تقدمون دية لأسرة السادات؟
حمدى: فى الشرع من قتل عمدا، فولى الدم مخير بين أمور ثلاثة، وهى: القصاص أو الدية أو العفو، فإما أن يقتصوا من القاتل بقتله، وإما أن ينزل القصاص إلى الدية، وإما أن يعفو أيضا عن الدية.. ومن قتل السادات وهم خالد ورفاقه تم القصاص منهم ومنهم محمد عبدالسلام فرج باعتباره المحرض الأول على القتل، وهنا لا حقّ لأسرة السادات من الناحية الشرعية فى الدية.
المجلة: إذا كان موقف السادات قد تم حسمه، فما موقف الدكتور رفعت المحجوب الذى قتل خطأ بدلا من عبد الحليم موسى؟
حمدى: أيضا معظم الذين اشتركوا فى قتل رفعت المحجوب تم قتلهم بعد الحادثة وبعضهم سُجن.. فإن كان رأى الجماعة أن سجن أعضائها، قتلة المحجوب، قد أسقط عنهم أى عقوبة أخرى. فلماذا قتلوا هذين المخبرين بعد أن أمضيا فترة عقوبتهما؟!
لا أجد أصدق من كلمات خالد صلاح: «تفسيرات دينية حسب الطلب فى زنازين الجماعة الإسلامية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.