حالة قلق كبيرة تبدو آثارها على وجوه المصريين مع اقتراب يوم الثلاثاء 25 يناير / كانون ثاني 2011 والذي يوافق أجازة رسمية بمناسبة عيد الشرطة، لكن هذا العام يبدو أن المناسبة مختلفة إلى حد ما. حيث انتشرت دعوات على الإنترنت وبعض وسائل الإعلام الأخرى من بينها رسائل ال "sms" لتحويل يوم الأجازة الهادئ هذا إلى يوم عاصف "مكركب" بالأحداث الساخنة، كما تولت رموز سياسية عملية "تسخين" المشاعر. حيث أعلن الدكتور محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن دعمه المظاهرة التي دعت إليها بعض القوى السياسية الثلاثاء المقبل، وقال في رسالة بثها على صفحته الشخصية بموقع "تويتر": "أؤيد بقوة دعوة الشعب للتظاهر السلمي الحاشد ضد القمع والفساد". الموت بات أقرب من السعادة كما أكدت حركة "شباب 6 أبريل"، في بيان لها، إن المظاهرة ستكون تحت عنوان "عايز أعيش"، وترفع شعار "عيش، حرية، كرامة إنسانية"، موضحة أن المظاهرة تهدف إلى المطالبة بحد أدنى للأجور، وبدل بطالة للخريجين. وكان البرادعي تعرض لانتقادات شديدة في ندوة عقدتها لجنة الحريات في نقابة الصحافيين مساء الخميس، وقال المشاركون فيها ان المعارضة أصابها الوهن، وأن حُمى برامج ال"توك شو" أصابت كل قياداتها. كما ترددت أنباء عن مشاركة قوى سياسية ووطنية أخرى في أحداث ما اصطلح على تسميته "يوم الغضب" من بينها الحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية" وجماعة الإخوان المسلمين وبعض ممثلي الأحزاب المعارضة لتلقي بدلوها في "زفة الاحتجاجات". تظاهرات أقباط مصر تراجعت بعد أحداث المغرب العربي وتأتي هذه الأحداث في أعقاب عدة متغيرات سياسية على رأسها الحراك السياسي المشتعل في منطقة المغرب العربي والذي انتهى بالإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي وأسرته، بخلاف الثورات العارمة في الجزائر والأردن واليمن وموريتانيا وغيرها من البلدان العربية التي هبت عليها رياح الغضب. ولم تكن مصر بمنأى عن هذه الأحداث حيث شهدت الأيام الماضية سلسلة من مظاهر الاحتجاجات والتظاهرات التي خرجت تطالب بتحسين مستوى المعيشة للمواطنين وإيجاد حل للأزمات المتلاحقة من فقر وبطالة واشتعال أسعار. وقد توالى اشتعال عمليات التذمر حتى شهدت مصر ثماني حوادث محاولات انتحار قام خلالها مواطنون بحرق أنفسهم لتوصيل رسالة مهمة للمسئولين مفادها أن الأوضاع لم تعد تحتمل الانتظار، وأن المسكنات لم تعد تجدي نفعا. تظاهرات الأردن.. الخبز قبل السياسة دائما الأمر المثير في هذه الأحداث هو تعويل محاولي الانتحار على نموذج التجربة التونسية الذي نجح خلاله "البوعزيزي" الذي أحرق نفسه في تغيير أمور لم تكن لتتغير في سنوات، إلا أنهم أصيبوا بخيبة أمل عندما أدركوا أن مشاكل مصر لا يمكن حلها حتى لو احترق ثلثي الشعب. وربما يرجع تفسير ذلك لعدة أمور لعل أولها الذكاء الحاد الذي يتمتع به المسئولون المصريون في إدارة الأزمات مع الشعب، حيث تسمح السلطات المصرية بوجود ما يعرف ب"منظمات البخار" التي تمنع الانفجار وذلك عبر تأمين خروج التظاهرات بل وحراستها ويتحلى مسئولو الأمن خلالها بدرجات كبيرة من ضبط النفس. وذلك في الغالب أسلوب ناجع في منع اندلاع الثورة، خصوصا وأن المسئولين في مصر ربما وصلوا إلى قناعة مهمة تؤكد أن نفس الاحتجاجات في مصر قصير جدا، وأن أعتى تظاهرة لا بد أن تنفض بحلول وقت الغداء أو على الأكثر العشاء ليكمل المتظاهرون عشاءهم بالنوم. حرق الذات يغير التاريخ أحيانا والدليل على ذلك لمن لا يصدق أين إضرابات سائقي النقل وأين تظاهرات الانتخابات وأين احتجاجات الأقباط التي وصلت لدرجة خطيرة، الواقع أن كل هذا نسيه المصريون ولم يعد هناك إلا الحديث عن لقمة العيش غير الموجودة. لذا ومن مقعدي هذا أحب أوجه رسالة طمأنة إلى جميع المسئولين لن يحدث شيء يوم الثلاثاء ولن يتعدى الأمر بعض التجمعات المحدودة التي ستقتصر على الشباب الطموحين الواهمين. ويا سلام بقى لو حكومتنا الرشيدة كلمت مسئولا في الأرصاد الجوية يطلع على الناس يوم الاثنين ليحذرهم من هطول أمطار شديدة وتكاثف الشبورة مع تحذير المواطنين من مغادرة منازلهم، وكل مظاهرة وانتم طيبون.