الانهيار المفاجئ لقوات الجيش العراقي النظامي في معاركه المختلفة علي جبهات القتال المختلفة مع عصابات داعش وانسحابها المريب من كركوك التي سيطرت عليها قوات البشمركة الكردية فتح شهية كثيراً من الساسة الأكراد للإعلان عن أنها الفرصة التاريخية السانحة ليكون للأكراد دولة انسلاخاً من العراق، يقوي قلوبهم ويدفع مطامعهم سيطرتهم علي كركوك ونفطها ، وكونهم يعتبرونها عاصمتهم التاريخية . التلويح بالانفصال الكردي يفتح عدة محاذير خطيرة .. خاصة أن دعوى الانفصال الكردي عن العراق باتت مؤكدة مع تصريحات الزعيم الكردي مسعود البارزاني الذي هدد في مقابلة له مع محطة «سي إن إن» الأميركية بإجراء استفتاء على الانفصال عن العراق، حيث قال إن الوقت حان ليحدد الشعب الكردي مصيره. والأمر نفسه نقلته وكالة أنباء «رويترز» عن عدة شخصيات كردية يقولون، إن الروابط التي تبقي العراق دولة موحدة تفسخت في الوقت الحالي. الخريطة الجديدة للعراق التى تكاد أن تري النور بإصرار الأكراد علي الانفصال دفعت وزير الخارجية الأميركي لزيارة كردستان العراق ولقاء بارزاني الذي أكد لكيري، وبحسب ما نقلته «رويترز»، أن العراقيين يواجهون حقيقة جديدة اليوم علي ارض الواقع . وباليقين فإن الأكراد يلقون باللوم على السياسات الخاطئة لنوري المالكي ويحملونه مسؤولية ما يحدث، مطالبين إياه بالاستقالة، لكن السؤال المطروح علي الساحة بالعراق ؛ هل الأكراد وحدهم المتضررون من المالكي وما فعله ويفعله في العراق؟ الإجابة الصادقة : لا .. المتضررون من المالكي اليوم، وبالأمس، هم السنة والشيعة، ومثلهم الأكراد، بل والمتضرر الأكبر والخاسر الأعظم هو العراق الماضي و الحاضر والمستقبل ، ولا سبيل للخروج من هذه الأيام النحسات التى يعيشها العراق إلا بنبذ الطائفية والإقصاء وبناء دولة حديثة تجمع ولا تفرق، وهذا الدور التاريخي الذي يمكن أن يلعبه الأكراد اليوم، وليس السعي للانفصال، الذي سيوقع الأكراد تحت المطرقة التركية والسندان العربي .. فتركيا لن تهنأ ودولة كردية تتشكل علي حدودها .. وعرب العراق سنة وشيعة مهما طال الخلاف بينهما سيأتي يوماً يحزمون أمر لم شتات العراق بكل مكوناته بما فيها مناطق الأكراد التى ينتشر فيها العرب السنة والشيعة ، وسيكون وجودهم بها سبباً لمشاحنات لا تنتهي إلا بعودة المناطق الكردية .. والتاريخ خير شاهد علي ذلك لمن يعي ويعتبر .. انفصال الأكراد عن العراق من شأنه أن يوحد الجميع ضدهم، سواء في الداخل العراقي، حيث لن يقبل العراقيون سنة وشيعة بذلك. وبالنسبة للخارج فلن تقبل تركيا ولا إيران بحدوث هذا الانفصال لأنه سيهدد أمنهما القومي بصورة مباشرة ، والأمر نفسه سيكون مرفوضا عربيا. وعليه، فإن انفصال الأكراد عن العراق سيكون إيذانا بدخول المنطقة برمتها إلى مرحلة جديدة معقدة سمتها العنف والحروب التي لا طائل منها، بينما بإمكان الأكراد الآن أن يضربوا عصافير بحجر واحد، فيكونوا، أي الأكراد، هم لاعبي دور الوسيط في الأزمة العراقية، حيث يضمنون إنزال المالكي من سدة الحكم ، ويسعون في نفس الوقت إلى تقريب السنة والشيعة في العراق، وليس استغلال ما يحدث من أجل الانفصال، فهذه هي الفرصة التاريخية التي من شأنها منح الأكراد مكانة حقيقية في المكون العراقي، وليس الانفصال. أعان الله عقلاء العراق علي الحفاظ علي بلد صنعت الحضارات وكان وستظل نعم العون والملاذ للعرب كافة ..