كان أول ما فعله اللواء محمود وجدي وزير الداخلية بعد نجاح الثورة هو عودة الشعار القديم للشرطة بأنها في خدمة الشعب، طالب البعض بتغيير الزي، وصرخ مذيع راقص علي الحبال يطالب بالتأهيل النفسي للشرطة، وبعد تأكد سقوط مبارك وتمكن المواطنين من ضبط الشارع عبر اللجان الشعبية خرج ضباط الشرطة في مظاهرة يطلبون العفو، ويؤكدون أنهم ظلموا وراحوا ضحية لوزيرهم السابق حبيب العادلي، لكن نظرة مدققة للأمور سنجد أن تحميل سوء العلاقة بينهم وبين الشعب لشخص الوزير السابق أمر يتسم بالسطحية، وعلاج الأزمات بتغيير الشعارات يصب في ذات الخانة. المطلوب من الشعب الآن أن يسامحهم ويصدقهم، ويبدأ معهم عصرا جديدا، لأن اللجان الشعبية لن تستمر إلي الأبد، ولا يمكن لمجتمع أن يعيش مجتمع دون امن، هذه هي الحقيقة لكن السماح والبدء من جديد لا يجب أن يكون بطريقة توزيع البونبوني وتقبيل الرأس، ليس من مصلحة أي مجتمع كسر هيبة الأمن، لكن العودة علي الأسس القديمة ستكرر التجاوزات السابقة وسيصل الجميع لطريق مسدود. أي بداية جديدة من وجهة نظري لابد أن تأخذ في طياتها اعتبارات عديدة منها: - من المستحيل أن يكون جهاز الشرطة فئة باغية أو ضالة في المجتمع فهي شريحة منه تحمل مميزاته وأمراضه، ومن هنا فإن القمع والتعذيب والتلفيق نابع في جزء كبير منه إلي لوائح داخلية فاسدة تحاسب الضابط بنظام الإحصائيات وتجازيه لو قل عدد القضايا المضبوطة أو المخالفات عن عدد معين في الشهر فيضطر إلي القفز علي القانون، والإصلاح الحقيقي يبدأ بإصلاح اللوائح. - هيكل الأجور والاختيار:اعتمد النظام السابق علي معادلة شيطانية تجعل اختيارات طلاب الشرطة قاصرة علي أصحاب النفوذ والثروات، وهو ما يربطهم ببقائه، ويضمن عدم تذمر الضباط من الأوضاع المادية المتردية، وهي أوضاع يعجز معها الضابط الشريف عن الحياة الكريمة، إضافة إلي التفرقة الحادة بين القطاعات المختلفة فما يتقاضاه أمن الدولة ومباحث الكهرباء علي سبيل المثال أضعاف ما يتقاضاه الضباط في أقسام الشرطة والكمائن، وترتفع مخصصات القيادات لتتخطي رقم نصف مليون في بعض الأحيان، في حين لا يتقاضي أمين الشرطة أكثر من خمسمائة جنيه شهريا، ولضبط الأمور يجب إقرار سياسة عادلة لتوزيع الأجور خاصة أن الوزارة تقتنص ميزانية ضخمة وسرية من الدولة تشير بعض المصادر إلي قفزها للرقم 5 مليارات في العام، وأول خطوات الإصلاح أن يكون الرقم معلنا ومعروفا، ويحاسب القائمون علي صرفه، علي الأقل لنضمن عدم صرفه في بنود سرية كشراء أدوات للتعذيب. - تضخم جهاز الشرطة عدديا إلي ما يقرب من مليون ونصف أمر لا مبرر له، فهناك قطاعات كاملة لا فائدة منها كالحرس الجامعي، وهي كاملة التسليح، كما أن هناك قطاعات أخري يجب إعادة هيكلتها "كأمن الدولة"، تخصص مثلا لقضايا الإرهاب، أو قضايا الامن القومي الداخلية كتتبع الجواسيس، وأي إصلاح قادم يجب أن يضمن ابتعاد الجهاز علي كل مؤسسات الدولة بما فيها تعيين كبار الموظفين أو أعضاء هيئة التدريس، وليتذكر الجميع أن مقراتها كانت أحد أسباب ثورة المصرين علي مبارك. - هناك إصلاحات تشريعية واجبة لتقويم جهاز الشرطة منها مثلا أن تشمل جريمة التعذيب الصامت عليها في نطاق تنفيذها، لينال العقاب كل متواطئ، فيعد شريكا في الجريمة. - إلغاء المحاكمات العسكرية، لأنها تحولت إلي قناة خلفية لحماية المجرمين من أعضاء الجهاز، فالمتورط في تعاطي مخدرات أو تعذيب يعاقب تأديبيا، بخصم أشهر من مرتبه في حين لو حاكمه القضاء العادي سيقبعون خلف القضبان لسنوات. - كيف تستقيم الأوضاع وهناك متورطون الآن في جرائم قتل أكثر من 500 شهيد لا يزالون في الخدمة، فمثلما يحاكم حبيب العادلي يجب أن يحاكم هؤلاء محاكمة عادلة، من أعطي أوامر بضرب النار، ومن نفذ، ومن استسهل القتل طالما يعرف أنه لن يحاسب، ويجب تطهير الجهاز من كل مدان في جريمة سابقة. - تفعيل آليات الرقابة المجتمعية، كلجان المجتمع المدني و السلطة القضائية، والصحافة، علي أداء الشرطة لأن ضبط أدائها يصب في مصلحتها، كي تتخلص تلقائيا من كل فاسد، وإذا كان الوزير يؤمن بجدوي تغيير الشعار فليغير أماكن الاحتجاز سيئة السمعة، ويضفي عليها سمة آدمية. - تقليل أعداد حاملي السلاح بشكل مؤثر، لا معني أن يحمل كل شرطي سلاحا ناريا، فحتي الحرس الجامعي وهو يعيش أيامه الأخيرة في مصر يحمل أعضاؤه أسلحة للترويع، ولنشاهد شرطة مكافحة الشغب في بريطانيا مثلا ما هو سلاحها، مجرد عصا خشبية لا يستخدمها أبدا، وفي بريطانيا أيضا يحمل كل شرطي ميكروفون علي صدره ليتأكد قائده من طريقة تعامله مع الناس. هي أفكار متناثرة قابلة للإضافة والتعديل أظن أنها أكثر جدوي من طريقة تقبيل الرأس وتوزيع البونبوني.