ساحة القتال في سوريا صارت ساحة قتال أممى .. تعج بالمقاتلين من كل حدب وصوب .. جنسيات عديدة تشارك بالقتال المستعر منذ اكثر من ثلاث سنوات ، وتظل كتائب المقاتلين العراقيين التى تشارك بالقتال الدائر هناك ذات طابع خاص . فعندما اشتدت وتيرة الإشتباكات بين قوات الجيش السوري وجبهات النصرة والجيش الحر وغيرهما في خريف عام 2012، ووصلت إلى ريف دمشقالجنوبي .. اقتربت هذه الإشتباكات من محيط مقام السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب في جنوب العاصمة .. ومع احتدام القتال طالت المقام بعض القذائف والطلقات، وظهرت بعد ذلك كتابة شعارات مذهبية على حائط مقام السيدة زينب، أبرزها : (سترحلين مع النظام) ، ثم جاءت حادثة نبش قبر الصحابي الجليل عدي بن حجر من قبل تنظيم القاعدة هناك .. علي الفور تدفق مقاتلين عراقيين قُدرت الدفعة الأولي منهم بستمائة مقاتل للزود عن المراقد المقدسة ، وفي أول إجراء اتخذه المقاتلون العراقيون اندفعوا إلى مقام السيدة زينب، وحاولوا إنشاء منطقة أمنية تعزله عن مواقع سيطرة المعارضة في الحسنية والذيابية جنوبا، وطريق المطار شمالا. وفي نفس الوقت انسحبت قوات النظام السوري من المنطقة سريعاً وتركت مهمة تأمينها لكتائب العراقيين التي أخذت في التدفق بصورة متزايدة من مقاتلين منتمين لميليشيات عراقية مثل لواء أبو الفضل العباس، وعصائب الحق.. ورويداً تولت كتائب العراقيين بالإضافة لتأمين منطقة السيدة زينب تأمين محيط مقام سكينة بنت علي في داريا، بالإضافة لفك حصار جبهة النصرة لقريتين شيعيتين بريف حلب، هما نبل والزهراء، بعد تضييق الحصار على البلدتين اللتين تضمان أكثر من أربعين ألف شيعي . وتفيد التقارير أن المقاتلين العراقيين تمكنوا من تحقيق انتصار حاسم علي كتائب الجيش الحر وجبهة النصرة في الأحياء المحيطة بالسيدة زينب، وأهمها الذيابية والحسنية ، قبل انتقالهم للقتال على محاور الاشتباكات المتواصلة حتى هذا الوقت في ببيلا، والحجر الأسود، ومخيم اليرموك، وسبينه، بالإضافة إلى تمددهم شرقا، بهدف عزل طريق المطار الأكثر توترا عن مناطق نفوذهم في السيدة زينب. كذلك كانوا رأس حربة القتال في شبعا على طريق المطار، ضد جبهة النصرة وكتائب أخرى في المنطقة. إضافة إلى ذلك تشير المصادر إلى أن العراقيين شاركوا بفعالية في الهجوم على المليحة في الغوطة الشرقية، شمال العاصمة السورية. ويعد «لواء أبو الفضل العباس» أبرز الميليشيات العراقية التي تقاتل هناك. ولهذه القوات شكل الفرقة العسكرية عالية التنظيم والتدريب، المتمتعة بتسليح حديث ونوعي على مستوى الأفراد مما يجعلها شديدة الفعالية في حرب المدن والشوارع. فضلا عن ذلك، يتمتع اللواء بهيكلية وقيادة عسكرية واضحة، ناهيك عن تنسيقه التام مع الجيش السوري النظامي. الغالبية العظمى للمقاتلين في صفوف اللواء هم من العراقيين وينتمون إلى فصائل شيعية مقاتلة في بلادهم مثل «عصائب أهل الحق» و«جيش المهدي». ومع أن هناك ألوية أخرى مثل «ذو الفقار» و«عمار بن ياسر» و«كتائب سيد الشهداء» و«أسد الله الغالب»، إلا أن «لواء أبو الفضل العباس» يظل هو الأكثر تأثيرا. من ناحية الموقف الرسمى للحكومة العراقية فقد كان دوماً التأكيد علي أن أحداث سوريا سوف تؤثر على العراق بشكل مباشر، معلنة في الوقت نفسه تمسكها بسياسة عدم التدخل في سوريا، وإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد ومع المعارضة في آن واحد وبذل الجهد الدبلوماسي للتوصل لهدنة بينهم . لكن قوى غربية عديدة اتهمت حكومة بغداد بغض الطرف عن مساعدات مؤثرة للنظام الحاكم بسوريا عن طريق السماح لمقاتلين شيعة بالسفر إلى سوريا بحرية للقتال هناك . وهو ما تنفيه بغداد وتؤكد علي عدم دعمها أو سماحها لأي طرف شيعي بدعم جهة معينة في الحرب الدائرة في سوريا منذ نحو ثلاث سنوات، وتكرر نفيها السماح بإرسال مقاتلين إلى هناك حتى تحت ذريعة الدفاع عن الأماكن الشيعية المقدسة، وفي مقدمتها مقام السيدة زينب.. لكن علي أرض الواقع في المعركة الدائرة علي التراب السوري فأن الميليشيات الشيعية تعلن عن عدم وجود مانعاً شرعياً في التوجه إلى هناك ما دامت المهمة تنحصر في الدفاع عن المراقد الشيعية . كما أن الحقائق على الأرض تشير إلى أن هناك مواطنين عراقيين يذهبون يومياً إلى سوريا سواء من تلقاء أنفسهم أو بترتيب وربما بتشجيع من جهات عراقية معينة، لكنهم حين يقضون في المعارك فإن عودتهم إلى العراق لا تكون سرية ، بل كثيرا ما تجرى لهم مراسم تشييع كبيرة يلعلع فيها الرصاص وترفع الكثير من اللافتات السوداء في شوارع المدن التي ينتمون إليها، وغالبا ما تكون من المحافظات الوسطى والجنوبية ذات الغالبية الشيعية، وكثيرا ما يشارك في مراسم التشييع مسؤولون في الحكومات المحلية أو في الأحزاب الشيعية التي تقود السلطة حاليا في العراق. وعلي ما يبدو أن ما كان يجري سراً بالسابق صار اليوم يُساق علناً علي رؤوس الأشهاد .. ففي تصريح له مؤخرا أعلن نائب رئيس كتلة المواطن البرلمانية التابعة للمجلس الأعلى الإسلامي عبد الحسين عبطان أن «قتال بعض الشباب الشيعة في سوريا ليس خروجا على قانون الدولة». وأضاف عبطان أنه «إذا كانت الدولة السورية غير قادرة على حماية مرقد السيدة زينب فإن هناك متطوعين من الشيعة للدفاع عن كل مرقد ومكان مقدس في العالم»، وأضاف عبطان أن «قتال بعض الشباب الشيعة في سوريا لا يعتبر خروجا على قانون الدولة، لأنهم لا يقاتلون أحدا»، لافتا إلى أن أولئك الشباب يحمون المراقد لأن ذلك جزء من واجبنا. في حين أعلن الناطق الرسمي باسم العصائب أحمد الكناني : أن الدفاع عن المقدسات الإسلامية واجب على كل مسلم سواء كان سنيا أم شيعيا ، مشيرا إلى أن الاعتداء على المقدسات الشيعية قد يثير فتنة طائفية خشية أن تكون هناك ردود فعل حيال ذلك مثلما حصل في العراق عام 2006 عندما جرى تدمير مرقدي الإمامين العسكريين، حيث أدى الأمر إلى صراع طائفي، ولذلك فإننا نحاول تجنيب المنطقة هذا الصراع من خلال الدفاع عن مرقد السيدة زينب حتى لا تحصل ردود فعل غير محسوبة في حال تعرض المرقد لاعتداء . ونفى الكناني أن يكون أي من مقاتلي الحركة يقاتل إلى جانب قوات النظام في سوريا، بل مهمتها تنحصر في الدفاع عن الأماكن المقدسة . وبشأن ما إذا كانت الحركة تتبنى ذلك رسميا أو تغض النظر عمن يقوم بذلك قال إن «الحركة تضم مقلدين لعدة مراجع وليست مرجعا واحدا، وبالتالي فإن هناك مراجع شيعة كبارا أفتوا بالدفاع عن المقدسات الشيعية، وهذا يعني أن مقلديهم لدينا يذهبون، وهناك مراجع لم تصدر مثل هذه الفتاوى، وبالتالي لا أحد يذهب ، معتبرا أن التكليف الشرعي للفرد وليس الموقف السياسي هو من يحدد الذهاب من عدمه. . لا يستطيع منصفاً أن ينكر الأثر الكبير الذي أحدثه وجود المقاتلين العراقيين في الدفاع عن جنوبدمشق ومنطقة المراقد المقدسة هناك .. كما لا يستطيع أن ينفي أن الصورة تزداد تعقيداً في الساحة السورية خاصة بعد أن صار القتال اليوم محتدماً بين جيش النصرة والجيش الحر من جانب وعصابات داعش من جانب أخر .. وهو ما خفف كثيراً من الأعباء الواقعة علي الجيش السوري النظامي والمقاتلين العراقيين .. لكن الحق يقال أن نهاية الأزمة لا زالت بعيدة المنال .. اللهم سلم .