كل فنان كان لديه قناعة بأنه قدم المسلسل اللي ح «يقش» ليطيح بكل المسلسلات المنافسة ولم يدرك أحد أنه يقدم المسلسل اللي ح «يكش» في مواجهة كل المسلسلات الأخري! نادية بطبعها لديها أسلوب خاص في التمثيل حيث تسبق الشخصية الدرامية.. من خلال ما يربو علي 60 فيلماً تستطيع أن تري فيها "نادية " قد رسخت صورة ذهنية مهما تعددت الشخصيات.. إن نجومية الفنانين الذين تطغي شخصيتهم علي الدور تلعب في هذه الحالة دوراً عكسياً.. وهذا هو ما دفعت ثمنه نادية الجندي بقدر ما يحمل رمضان من صعود لعدد من النجوم فإنه مؤشر هبوط لعدد آخر.. هذا العام أخفق الكثير من النجوم في رهانهم وكانت أكثرهم إخفاقاً "نادية الجندي".. كل طرف كان لديه قناعة بأنه قدم المسلسل اللي ح "يقش" ليطيح بكل المسلسلات المنافسة ولم يدرك أحد أنه يقدم اللي ح "يكش" في مواجهة كل المسلسلات الأخري؟! عوامل الجذب المبدئية كانت تستند إلي شخصية "نازلي" الغنية بالمواقف الشخصية والسياسية والنفسية.. كما أن هناك ترقبا مبدئيا ليشاهد الناس كيف تؤدي "نادية الجندي" دور الملكة ولكن ما لم يتوقعه صناع العمل الفني هو أن مواطن الضعف هي نفسها ما اعتقدوا أنها أسلحة القوة!! قبل عامين استطاع مسلسل "الملك فاروق" أن يحتل أعلي درجات المشاهدة علي كل الفضائيات العربية.. أثار المسلسل وقتها الكثير من المجادلات الفنية والأدبية والسياسية إلا أنه في نهاية الأمر امتلك وجدان الناس من خلال النص الذي كتبته "لميس جابر" والرؤية الإخراجية لحاتم علي والأداء الذي تميز به نجومه "تيم حسن" الملك و "عزت أبو عوف" أحمد حسنين باشا و"وفاء عامر" الملكة نازلي "صلاح عبد الله" النحاس باشا. والنجاح عادة يدفع الآخرين لمحاولة تكراره وكأنه في هذه الحالة أشبه بزلزال وما يأتي بعده هو توابعه.. وهكذا نري مسلسل "ملكة في المنفي" الذي ارتكن إلي شخصية محورية وهي الملكة "نازلي" وكأنه أحد توابع نجاح زلزال مسلسل "الملك فاروق" صحيح أن حياة "نازلي" تسبق "فاروق" في العمر بنحو 20 عاماً فهي أمه وزوجة والده الملك "فؤاد" وصحيح أيضاً أنها عاشت بعده نحو 20 عاماً أخري إلا أن السنوات المشتركة بينهما والتي نشب فيها الصراع بين الملك وأمه الملكة منذ عام 1936 عند اعتلائه العرش حتي عام 1952 عند قيام الثورة كانت هي ذروة الصراع الدرامي في حياة "فاروق" وأيضاً "نازلي" لهذا فإن التاريخ الذي شاهدناه قبل عامين في مسلسل "الملك فاروق" نعيد رؤيته مرة أخري فكيف نستطيع أن نفلت من المقارنة. الشاشة التي شاهدناها قبل عامين لا أتصور أنها غادرتنا لا نزال نتذكر الكثير من لمحات مسلسل "فاروق".. ولكن دعونا نوجه أنظارنا أولاً إلي مسلسل "ملكة في المنفي" الذي يعد التجربة الأولي للإعلامية "راوية راشد" في كتابة السيناريو والحوار حيث أنها تفرغت عدة أعوام لدراسة حياة الملكة "نازلي" وأصدرتها في كتاب قبل أن تحيله إلي سيناريو ولم تكن هي وحدها التي استوقفتها حياة "نازلي" فلقد أصدر الكاتب الصحفي "صلاح عيسي" كتاب "البرنسيسة والأفندي" يتناول أيضاً حياة "نازلي" وكان الصراع علي أشده حول من يقدم قبل الآخر المسلسل ورشحت "نيكول سابا" لمسلسل "البرنسيسة" والمخرج "جمال عبد الحميد" بدأ في إعداد النص الذي صاغه "مصطفي محرم" وكان من المستحيل أن نري علي الشاشات العربية مسلسلين عن نفس الشخصية ونجح منتج "ملكة في المنفي".. "إسماعيل كتكت" وهو بالمناسبة كان أيضاً منتج "الملك فاروق" نجح في أن يسوق مسلسله أولاً ولهذا توقف المشروع الآخر أو تأجل لأجل غير مسمي ليحتل "ملكة في المنفي" كل المساحات الفضائية الممكنة هذا العام!! إسناد دور "نازلي" إلي "نادية الجندي" لم يكن هو الاختيار الأول ولكن تتابعت قبله أسماء مثل "نجلاء فتحي" ، "يسرا" ، "لبلبة" حتي استقر الرأي علي "نادية الجندي" بعد اعتذار "نجلاء" و "يسرا" ورجح المنتج كفة "نادية الجندي" علي اعتبار أنها قد غابت في العام الماضي عن الشاشة الصغيرة كان الرهان علي "نادية" هو الخطأ الأول أو ربما كان هو الخطأ الاستراتيجي الذي تولدت بعده كل الأخطاء بل قل الخطايا الأخري!! "نادية" بطبعها لديها أسلوب خاص في التمثيل حيث تسبق الشخصية الدرامية.. من خلال ما يربو علي 60 فيلماً قدمتها للشاشة الكبيرة تستطيع أن تري فيها "نادية الجندي" قد رسخت صورة ذهنية من خلال هذه الأفلام مهما تعددت الشخصيات التي تؤديها سيدة أعمال أو ممرضة أو امرأة فقيرة شريفة أو امرأة ثرية منحرفة إلا أنها دائماً ما تسبق الشخصية الدرامية ومن الممكن أن نجد تنويعات علي هذا النوع من الممثلين عربياً ودولياً.. علي المستوي المحلي مثلاً "عادل إمام" و "دريد لحام" وعالمياً "سلفستر ستالوني" ، "جيم كاري" فأنت تشاهد الممثل الذي تعرفه من خلال تراكم الأعمال الفنية ولهذا فإن هؤلاء النجوم في العادة لا يقدمون شخصيات تاريخية سواء من العصور القديمة أو المعاصرة وذلك لأن فن أداء الشخصية التاريخية التي لها ظل من الواقع يفرض علي الفنان المؤدي إن يذوب تماماً في تفاصيلها وأن تصبح هي صاحبة الإرادة العليا وتخفت تماماً في هذه الحالة اللمحات الخاصة التي نعرفها عن الفنان والتي صارت تشكل له تفرده بين الآخرين!! إن نجومية الفنانين الذين تطغي شخصيتهم علي الدور تلعب في هذه الحالة دوراً عكسياً لو استعدنا للدلالة علي ذلك واحداً من أشهر الشخصيات العالمية التي قدمت في فيلم سينمائي مثل "غاندي" الذي أدي دوره النجم العالمي "بن كينجسلي" لم يكن "كينجسلي" وقتها من المشاهير عندما لعب دور الزعيم الهندي وحصد الأوسكار قبل نحو عشرين عاماً فلقد ذاب تماماً في "غاندي" ولم نر "بن كينجسلي" بل إن العكس قد صار صحيحاً وهو أن الجمهور من بعدها صار يري في الأعمال الأخري التي أداها بن كينجسلي "غاندي" أكثر من "بن كينجسلي" كلما أدي هذا الفنان المبدع دوراً في فيلم سينمائي كان الناس يبحثون عن "غاندي" أو يشاهدون شذرات منه أو علي أقل تقدير يتهيأ لهم ذلك. مثلاً "أحمد زكي" كان مؤهلاً لأداء شخصيات تاريخية مثل "عبدالناصر" و "السادات" و"حليم".. بينما "عادل إمام" مثلاً غير مؤهل لهذا النوع من فن الأداء لأنك في العادة سوف تري "عادل إمام" ولن تري الشخصية التي يؤديها.. "أحمد زكي" كان قادراً علي أن يختفي تماماً أو بنسبة كبيرة وراء الشخصية التاريخية التي يؤديها.. من الممكن أن يتكرر هذا أيضاً مع "يحيي الفخراني" وكان هو المرشح الأول لأداء دور الملك "فاروق" وهو حالياً يستعد لبطولة مسلسل "محمد علي" الذي يعرض في رمضان القادم.. "تيم حسن" الممثل السوري نجح حتي الآن في تقمص شخصيتين وهما "الملك فاروق" و "نزارقباني"!! شخصية "نازلي" ثرية درامياً ولا أوافق علي الآراء التي نشرت مؤخراً وهي تري أن "نازلي" لا تستحق لأن هناك مأخذ أعلي سلوكها الشخصي مثل علاقتها المتوترة بابنها الملك فاروق ثم علاقتها بحسنين باشا والذي انتهي به الأمر إلي طلاق زوجته "لطفية" والزواج العرفي منها ثم ما تردد بعد ذلك عن تنصرها وتنصر ابنتها في أمريكا.. قد يحكم البعض علي هذا بمنظور أخلاقي يرفض تماماً هذا السلوك ولكن قانون الدراما له أحكام أخري، هذه الشخصية التي تراها مدانة أخلاقياً تملك مقومات درامية تؤهلها لأن تصبح هي الأكثر مواءمة لتقدم في الأعمال الفنية.. مثلاً حياة أشهر قاتلتين في مصر "ريا وسكينة" أو السفاح "محمود أمين" أو المغتصبون الذين انتهكوا عرض فتاة في حي المعادي، بالتأكيد شخصيات مدانة أخلاقياً ولكنهم يرتكزون إلي قوة درامية.. وهكذا يصبح اختيار شخصية "نازلي" مهما كانت هناك تحفظات عليها عامل جذب بل إن هذه التحفظات تحديداً هي التي منحتها قوتها الدرامية إلا أن ما لم يكن في الحسبان اختيار "نازلي" في نفس الوقت طرح مقارنة بين العملين خاصة أن "فاروق" لا يزال في الأذهان ولم تكن للحقيقة "نادية الجندي" هي فقط التي وقعت تحت قيد قانون المقارنة مع "وفاء عامر" التي لعبت دور "نازلي" في مسلسل "فاروق" ولكن "أحمد حسنين باشا" وهو شخصية محورية بالتأكيد في حياة "نازلي" و "الملك فاروق" أداه بأستاذية في مسلسل "فاروق" عزت أبو عوف بينما ظهر خافتاً عندما قدمه "كمال أبو ريه" في "ملكة في المنفي".. الملك "فاروق" تيم حسن كان ملفتاً ومبهراً ولكن الممثل الجديد "حسام فارس" الذي لعب دور الملك تراجع بالتأكيد خطوات أثرت علي العمل الفني.. كما أن الحالة الفنية أقصد بها الشاشة رأيتها فقيرة مع "ملكة في المنفي" كان لدي "حاتم علي" في "الملك فاروق" قدرة علي أن يقدم تكوينا فنيا أكثر جاذبية وشريط صوت سواء من خلال الموسيقي التصويرية أو المؤثرات أكثر إمتاعاً بينما الإمكانيات المتواضعة لمحمد زهير رجب المخرج السوري تراجعت كثيراً أمام أي لمحات إبداعية من الممكن أن تعثر عليها حتي بعد أن ساعده المخرج المصري "وائل فهمي عبد الحميد".. أيضاً السيناريو الذي صاغته "لميس جابر" بحرفية عالية في "الملك فاروق" لا يقارن بسيناريو "راوية راشد" وهو أول تجاربها الدرامية.. الحوار في مسلسل "نازلي" كان له الدور الأكبر، في أحيان كثيرة كان يبدو وكأن هدفه فقط تقديم المعلومة ولكنه يفتقد الجاذبية الدرامية وبالتأكيد فإن هذه الأخطاء مسئول عنها المخرج.. إن الأحداث تصاعدت أكثر في الثلث الأخير من المسلسل بعد مقتل "أحمد حسنين باشا" عام 1946 وهجرة "نازلي" إلي أمريكا وحرصت الكاتبة علي أن تنفي تماماً اعتناقها هي أو ابنتها الديانة المسيحية حتي رحيلها عام 1978 حيث عاشت الملكة 84 عاماً لاقت في أيامها الأخيرة الكثير من المتاعب النفسية والاقتصادية والعاطفية ودفنت طبقاً لرغبتها في أمريكا في مقابر المسيحيين لأنه وقتها لم يكن هناك مقابر خاصة بالمسلمين ولكن هذا لا يعني - كما أشارت المؤلفة - أنها قد تنصرت!! اختيار مسلسل الملكة "نازلي" أراه رهاناً خاسراً من البداية وكانت الطامة الكبري عندما تمت الاستعانة بنادية الجندي بطلة باعتبارها هي طوق النجاة للمسلسل الذي سوف ينقذ العمل الفني ولكن لعبت "نادية الجندي" دوراً عكسياً لأنها كانت مشغولة بأداء دور "نادية الجندي" أقصد الشخصية الذهنية التي صدرتها لنا "نادية الجندي" طوال رحلتها السينمائية وكثيراً ما كانت تطيل النظر للكاميرا وتتحدث إليها حيث غاب تماماً دور المخرج ولهذا لم نر حتي نهاية المسلسل الملكة "نازلي".. نعم كثيرون هم الخاسرون في هذا السباق الرمضاني إلا أن "نادية الجندي" كانت هي الخاسر الأكبر!! ********** الدراما العربية تضرب رأسها في الحائط! أخطأ ولا شك رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون المهندس "أسامة الشيخ" عندما أصدر هذا القرار بمراجعة كل المسلسلات التليفزيونية علي خلفية اتهام مسلسل "العار" بالإساءة إلي المرأة المغربية!! الغريب في الأمر ليس قرار "الشيخ" المتسرع ولكن اعتذار مؤلف المسلسل "أحمد محمود أبو زيد" وأيضاً الممثلة "إيمان شاكر" ملكة جمال المغرب عام 2008 التي أدت شخصية فتاة ليل في مسلسل "العار" مؤكدة أنها لم تكن تعرف بأنها تؤدي دور فتاة ليل.. والواقع أن أكثر من جمعية نسائية في المغرب قد أعربت عن غضبها لتقديم المرأة المغربية في صورة سلبية.. ولم تكن هذه هي المرة الأولي سبق وأن ارتفع صوت الغضب بسبب فيلم "الوعد" الذي عرض قبل عام ونصف وتخلله جزء من الأحداث يجري في المغرب ويتناول "المافيا" غضبوا في المغرب واعتبروا أن الفيلم يسيء للمملكة المغربية ومع الأسف فإن الأمر ليس قاصراً فقط علي المغرب ولكن أغلب الدول العربية لديها قدر مماثل من الحساسية ولا أبرئ في هذه الحالة مصر من أعراض هذا المرض حيث أننا في العام الماضي منعنا عرض الفيلم المغربي "لولا" في افتتاح مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي بنفس الحجة وهي الإساءة لسمعة مصر ويومها غضبوا في المغرب وطالبوا بالمعاملة بالمثل ومنع عرض أي فيلم مصري في المهرجانات السينمائية المغربية!! نتعامل مع الفن وحرية التعبير بقدر من عدم إدراك خطورة ما تصدره من قرارات فما الذي يدفع مسئول كبير إلي أن يتبني قراراً بمراجعة الأعمال الفنية بحجة أنها قد تسيء لدولة عربية وماذا لو قررت كل دولة عربة ألا تقدم أي مواطن يحمل جنسيتها إلا فقط باعتباره يحمل صورة إيجابية وكأننا بصدد "كارت بوستال"؟! لو ألقينا نظرة علي مسلسل "العار" الذي أثار كل هذه الضجة سوف نكتشف أن كل الأبطال المصريون مدانون أخلاقياً ودينياً واجتماعياً وكلهم وافقوا علي الاتجار في الحرام فهل نعتبر أن هذا المسلسل يسيء إلي الشخصية المصرية ونمنع عرضه في مصر.. من البديهي أن كل الجنسيات بها شخصيات منحرفة سواء أكان مصرياً أو خليجياً أو مغاربياً الانحراف ليس قريناً بجنسية ما ولو طبقنا هذه المعايير سوف نجد أنفسنا نفكر ألف مرة قبل أن نشي بجنسية الأبطال.. إن الدلالة التي أراها هي أننا لم نعرف بعد قواعد الفن ولا الهدف من أي عمل فني لأن كل جنسية في هذه الحالة تعتبر أنها فوق مستوي الآخرين متجاوزة أي نقد.. مثلاً في مسلسل "زهرة وأزواجها الخمسة" هناك أكثر من شخصية لها جذور شامية إحدي زوجات الحاج "فرج" الذي أدي دوره "حسن يوسف" في المسلسل سورية وشقيقها الذي أدي دوره "باسم ياخور" سوري أيضاً ولعب دور "ماجد" أحد أزواج "زهرة".. ماذا لو تصورنا جدلاً أننا قدمنا في المسلسل شخصية "ماجد" كانتهازي يريد أن يستحوذ علي أموال الحاجة "زهرة".. هل تعتبرها في هذه الحالة سوريا إهانة للشخصية السورية وتطالب بمنع عرض المسلسل.. أنا أعلم بالطبع أن الأمر ليس بهذه البساطة وأن الحساسية قد تؤدي إلي إصدار قرارات عشوائية لامتصاص الغضب ولكن القادم ولا شك أسوأ حيث ستطالب كل دولة عربية بالمعاملة بالمثل.. وفي هذه الحالة فقل علي الدراما العربية السلام!!