بعد سنوات طويلة تزيد علي خمسة عشر عاماً تقدم الأسبوع الماضي كمال زاخر الناشط القبطي والمنسق العام لتيار العلمانيين الأرثوذكس داخل الكنيسة المصرية باستقالة مسببة من حزب الوفد الجديد، ثلاثة أسباب حددها زاخر في استقالته التي تقدم بها إلي الدكتور السيد البدوي رئيس الحزب يوم 16 أغسطس الجاري وهي علي الترتيب: «زيارة رئيس الوفد لمقر الإخوان المسلمين، الصمت المطبق تجاه تصريحات الدكتورة سعاد صالح، واستنكار السيد رئيس الحزب لأن يكون الحزب علمانياً». وفي ذلك يقول زاخر بأن شعارات الوفد لم تكن وحدها هي التي قادت خطاه لمقر الحزب قبل سنوات طويلة للتعرف علي كنهه والاقتراب من كوادره والانضمام لصفوفه، بل كانت قبلها سنوات النشأة ولحظات ولادته التاريخية من رحم الشارع التي صنعت وبحق ثورة 1919، وعندما بعث من جديد وجد التفافاً شعبياً رغم سنوات الغياب القصري. وتأكدت مبادئ الوفد من جديد في 2010، في انتقال السلطة داخله بشكل متحضر في تفعيل معلم من معالم الديمقراطية داخله، وسبقها عبر الفضائيات تلك المناظرة غير المسبوقة في الشارع السياسي والتي جرت بين قطبين وفديين لهما حضورهما وثقلهما عند الوفديين وفي قمة الهرم الوفدي الدكتور السيد البدوي والدكتور محمود أباظة، قدما معاً فيها حواراً راقياً اختلفا وتعارضا دون أن يلجأ أحدهما إلي مفردات «الردح السياسي» التي اقتحمت أدبيات الحوار العام وصارت واحدة من أبرز مفرداته ثم جاءت الجمعية العمومية للوفد لتعيد الاعتبار للممارسة الديمقراطية كامتداد طبيعي لموروث أكدته مسيرة الحزب التاريخية. وفي سياق أسباب استقالته يستطرد زاخر قائلاً: إن زيارة الدكتور البدوي لمقر جماعة الإخوان المسلمين في يوم 25 يوليو الماضي وبرفقته الدكتور علي السلمي والمستشار بهاء الدين أبوشقة المسشار السياسي لرئيس الحزب وفؤاد بدراوي نائب رئيس الحزب في سياق رسمي من الحزب ولم تظهر لي - بأي حال من الأحوال - بأنها جاءت في شكل شخصي وفي سياق تبريرها قيل إنها زيارة بروتوكولية تأتي رداً علي زيارة المرشد العام للجماعة للحزب مهنئاً بفوز د. البدوي، قال آخرون «إنها تحمل أبعاداً سياسية وتستهدف الضغط علي النظام لتوفير ضمانات لنزاهة الانتخابات البرلمانية المقبلة». فيما رأي أحد أقطاب الحزب الناصري أنها زيارة تؤكد حرص البدوي علي التواصل مع القوي السياسية، بينما يراها البعض تكراراً لتحالفات بين الأحزاب في الغرب رغم تناقضاتها الأيديولوجية في فترات الانتخابات لخلق كتل ضاغطة في مواجهة الحزب الحاكم، متناسين أنها تحالفات بين كيانات سياسية شرعية، وليست مع جماعات تعمل بغير غطاء قانوني. وقال البعض إنها زيارة لدعوة الجماعة للمشاركة في المؤتمر الذي ينوي الوفد عقده لمناقشة وجوبية توفر ضمانات لنزاهة العملية الانتخابية، ورغم ذلك لم تلتفت الجماعة للدعوة ولم تشارك في المؤتمر في تصرف استعلائي كان بمثابة اللطمة علي وجه الوفد. وانتقل زاخر إلي نقطة أخري في أسباب استقالته وجدها دليلاً لتغلغل وتسرب الفكر الوهابي الغبي - علي حد قوله - لحزب بني وتأسس علي الفكر الليبرالي الحر، والدليل الذي يسوقه زاخر في ذلك التصريح الذي أدليت به الدكتورة سعاد صالح أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر والتي انضمت مؤخراً لحزب الوفد بعد أن رأت الصورة الحضارية التي خرجت بها انتخابات رئاسة الحزب، ففضلت استخدام طاقتها الدعوية من خلال لجنة الشئون الدينية والمرأة في الحزب بهدف التحرك في الشارع بين الناس، معربة عن أملها في أن يصل الوفد بعد مرحلة التكوين التي يمر بها إلي أن يكون بيت الأمة بالفعل ويحقق الطموحات التي تمناها منه المواطن المصري بعد افتقادها لسنوات طويلة. من جانبه أكد منير فخري عبدالنور عضو الهيئة العامة لحزب الوفد بأن استقالة كمال زاخر موقف فردي وشخصي لا تمثل إلا نفسه ولا تعني بأي حال من الأحوال مساس سياسة الوفد للوحدة الوطنية التي هي من الدعائم الرئيسية لحزب الوفد منذ نشأته، ومع احترامي الكامل لاستقالة زاخر ودوره البارز في الحركة الوطنية والقبطية في المجتمع المصري فإن حيثيات استقالته لا تعني بأدني شك شكلاً ومضموناً روح الحزب أو سياساته المتماسكة بمرور الزمن!.