لم أسمع من قبل عن نبي أو رسول حاول أن يحيط نفسه بهالة وقداسة وحصانة ترد عنه أسئلة المشككين أو الراغبين في الإيمان عن اقتناع ،فالعكس هو الصحيح ،فكان الأنبياء والرسل يتقبلون بصدر رحب أي سؤال فيجيبون عليه، فيطفئون نيران الشك والتشكيك. الأمر الآن اختلف كثيراً،فكل من كرمه الله وامتلك زي رجال الدين ومن ثم ارتداه، امتلك وارتدي معه سلطة وقداسة تحصنه من أي سؤال لا يأتي علي هواه،وهي عادة أسئلة لن يستطع الرد عليها بما يقنع صاحبها. ومن الرموز الدينية التي امتلكت هذه الحصانة شخصية البابا أو البطريرك، فأصبح كل من يجلس علي الكرسي الباباوي بمثابة رسول للمسيح، وبالتالي فتوجيه نقد له قد يكون في صيغة سؤال أو استفسا) من الأمور الممنوعة والمحرمة، ومنها السؤال الذي سنطرحه اليوم وهو: لماذا لا يتزوج البابا وبهذا يصر علي مخالفة الإنجيل..؟! ولا تتعجب من السؤال بمقطعيه ..فلا يوجد نص إنجيلي يمنع أو يحرم البابا أو الأساقفة من الزواج، فالعكس هو الصحيح،فمن شروط الأسقفية أن يكون طالب الأسقفية زوجاً لامرأة واحدة وهو الشرط الذي ذكره بولس الرسول في رسالته الأولي إلي أهل تيموثاوس في الاصحاح الثالث وهذا هو النص: "صادقة هي الكلمة أن ابتغي أحد الأسقفية فيشتهي عملا صالحا فيجب أن يكون الأسقف بلا لوم بعل امرأة واحدة صاحيا عاقلا محتشما مضيفا للغرباء صالحا للتعليم غير مدمن للخمر و لا ضراب و لا طامع بالربح القبيح بل حليم غير مخاصم و لا محب للمال يدبر بيته حسنا، له أولاد في الخضوع بكل وقار و إنما كان أحد لا يعرف أن يدبر بيته فكيف يعتني بكنيسة الله؟" والأمر لا يتوقف عند ما كتبه بولس الرسول في الانجيل، فتاريخ الكنيسة اعترف ضمنياً بزواج البابا، حيث اختارت الكنيسة الأرثوذكسية ثلاثة من بطاركتها ال 117 من المتزوجين.. وكان أولهم البابا "أنيانوس" وهو البطريرك الثاني والذي جلس علي الكرسي الباباوي عقب مارمرقس الرسول (الذي استشهد في 68م) وكان ل"أنيانوس" أولاد،ثاني البطاركة المتزوجين هو البابا ديمتريوس الكرام وهو البطريرك الثاني عشر،وكتب عنه في تاريخ الكنيسة أن زواجه كان بتولياً (أي لا يعاشر فيه زوجته)،وبالمناسبة فإن زوجته هي أول من وضعت أسس الرهبنة النسائية. أما ثالث البطاركة الذين جاءوا من بين المتزوجين (وليس من بين الرهبان) هو البابا مينا الثاني (البطريرك الثاني والستون)،وكان هذا بعد فترة كبيرة من مجمع نيقية الذي عقد في 325م والذي أقر اختيار الأساقفة ومن ثم البطريرك من غير المتزوجين،وقد ذكر في كتب تاريخ الكنيسة أن زواج مينا الثاني كان بتولياً أيضًا. ولعل ما عرضناه من أدلة وبراهين علي أن زواج الأسقف والبطريرك فرض وليس أمرا اختياريا،هو السر وراء تحريم وتجريم ومنع سؤالنا عن السبب وراء عدم زواج البابا أو بالمعني الأدق عدم اختياره من بين المتزوجين وليس من بين الرهبان..؟ ولعل السبب وراء اختيار الأساقفة والبابا من الرهبان هو ما قاله لي ذات مرة الباحث في شئون الأقباط "سامح فوزي"، حيث أرجع "فوزي" السبب في هذا إلي تقديس المصريين لحياة الرهبنة وهو ما ترتب عليه كون معظم قديسي الكنيسة الأرثوذكسية من الرهبان، وقد أوضح لي "فوزي" في نفس الصدد أن هذا الأمر يتجاوز الرأي الفقهي أو اللاهوتي و أن التقاليد الدينية المتعارف عليها ومن بينها عدم زواج البابا يصنعها التراكم التاريخي أكثر من النصوص الدينية المقدسة. ولكن أتمني ألا يشارك هذا التراكم التاريخي في حرمان الانسان من حقه في طرح الأسئلة مهما كانت،حتي لا يصبح السؤال حراما..