· لماذا تبدو سيناريوهات توريث الأبناء للسلطة في 4 دول عربية واحدة ومكررة ومملة؟ تبدأ الملكيات الكبري بإعلان المملكة أولا، واستخلاف الأبناء فيها للحكم، وغالبا ما يحدث ذلك نتيجة تحولات كبري، ومراحل مخاض هائلة تسفر عن هذه النتيجة، هنا تصبح الملكية اتفاقا مكتوبا يمليه دستور البلاد، ويتواضع عليه الشعب، هنا تبقي كل الأشياء واضحة أمام العيان، ولامجال فيها للالتباس أو المغالطة من جانب أي طرف في العملية السياسية، هنا تتحرك الأحزاب في إطار من الشرعية القانونية، وتمارس الشعوب حقها الكامل في التعبير عن رأيها بحرية في إطار العقد الاجتماعي بين الحكام والمحكومين. في المقابل تنشأ الجمهوريات ربما نتيجة التحولات نفسها، أو وفق عوامل سياسة مختلفة، الأمر في النهاية تحسمه طبيعة الصراع ، ويمليه شكل الحراك السياسي ومقتضيات المرحلة والظرف التاريخي، وهنا أيضا يتعارف الجميع حكاما ومحكومين، أحزابا ومنظمات، علي شكل الحياة السياسية في البلاد، بعيدا عما يحدث من تجاوزات في حق المواطنين ، وقمع واستبداد بالسلطة وانتهاك للدستورفي بلادنا العربية رغم أنف الشعوب وتحت سمعها وبصرها. في البلاد العربية تتداخل أشكال الحكم بطريقة لاتعرفها جميع نظريات العالم، لا أحد يستطيع تمييز أين بالضبط تبدأ الملكية، وأين تنتهي صلاحيات الرئيس، متي يصبح التوريث قدرا مسلطا علي الجميع في حكومات جمهورية بالأساس، وكيف تتعامل السلطة دائما مع الشعب وكأنه في غيبوبة مزمنة، فتلوي عنق الدستور، وتفصّل القوانين بالمقاس لكي يصعد النجل إلي العرش الرئاسي علي رؤوس الأشهاد، ولاتنسي الحكومات الرشيدة بالطبع أن تحصن "ابن أبيه" بشرعية مفتعلة، وبلاغة كاذبة من قبيل الحنجوريات التي يطالعنا بها الرئيس بشار الأسد مثلا، وهو الرائد الأول والمثال والقدوة لكل ابن في أسرة رئاسية يطمح في خلافة أبيه في الحظيرة الرئاسية. جمال مبارك يعمل وفق آلية محددة، ربما هي نفس آلية انتقال السلطة الي بشار، مع الوضع في الاعتبار أن خطة صعود مبارك الابن طويلة نسبيا، يستخدم فيها النظام سياسة النفس الطويل، مع عدم تأكيد أونفي نية النظام في تصعيد النجل، والهدف بالطبع هو فتح باب التصريحات والتكهنات والتصريحات المضادة، وترك المجال واسعا أمام المعارضة لطرح بدائل وهمية ، وسيناريوهات محتملة أغلبها لايتصل بالواقع، ولايعبرعن رؤية واضحة للمستقبل، النظام يهدف إلي خلق حالة من الهستريا السياسية، ليطرح كل طرف رؤاه الخاصة، وأجندته الخاصة، وأوهامه الخاصة، فيما يجلس السادة في لجنة سياسات الحزب الوطني وهي اللجنة المنوطة برسم سياسات الحكومة ومراجعة مشروعات القوانين، يدرسون المشهد بعناية بالغة، بعد أن يكون كل طرف قد أدلي بما لديه، وتحققت بالفعل حالة من التشوش والضبابية وغياب الرموزفي زحمة الأبواق الصاخبة علي الدوام في الشارع السياسي، النظام هنا يدير معركته بذكاء من داخل قاعات الحزب الوطني، قد يدفع بجمال مبارك ليتحدث باسم الفلاح المصري في مؤتمر الحزب، محاولة أخري للرهان علي أغلبية مطحونة بالفعل، وخطوة لاكتساب مزيد من الشعبية لابن أبيه في قاعدة أوسع بكثير من طبقة رجال الأعمال المحدودة جدا في النسيج الاجتماعي، ولا ينسي الابن بالطبع أن يطلق سهما في اتجاه المعارضة، لتبدأ من جديد فواصل طويلة من الهجمات المضادة من جانب المعارضة، وهي التي كانت تراقب كل إشارة وكلمة، كل شاردة وواردة، كل إيماءة وابتسامة وتقطيبة في وجه أمين السياسات، كان هجوم جمال مبارك ومعاونيه من الحرس الجديد والقديم علي السواء مقصود تماما، جزء استراتيجي من لعبة المراوغة، الدليل علي ذلك هو ابتعاد الأب الرئيس والابن عن كل ما يتعلق بمرشح الحزب الحاكم في انتخابات الرئاسة المقبلة، والتركيز فقط علي كيفية النهوض بمستوي معيشة الفلاح المصري ، وهي خطة -إن وجدت- تستلزم جدولا زمنيا يمتد لسنوات طويلة، ولن تسمح بها السنتان المتبقيتان علي انتخابات الرئاسة، ما يعني الإشارة الواضحة إلي نية النظام القديم في الاستمرارطويلا إلي أبعد من تصورات المعارضة، وتأكيدا علي المبدأ نفسه لم تنس كل قيادات الحزب الإشارة إلي إنجازات الحكومة في كافة المجالات وكأنهم في جوقة هائلة تعلن من خلف أمين السياسات: نحن هنا، ومستمرون إلي الأبد. في ليبيا لا يختلف الحال كثيرا، إذ قام القذافي الأب بتعيين ابنه سيف الإسلام منسقا عاما للقيادات الشعبية في ليبيا، استجابة لتوجيه من رئيس البلاد خلال لقاء جمعه برموز النظام في مدينة سبها أوائل أكتوبر الماضي، ولمن لايعرف فإن منصب منسق عام القيادات يتمتع هناك في ليبيا بصلاحيات رئيس الدولة، القائد الأعلي للقوات المسلحة، دون المساس بأي من صلاحيات الرئيس التي أقرها الدستور. يري قطاع كبير من الليبيين ولا سيما المعارضة أن مافعله القذافي الأب هو بداية حقيقية لسيناريو توريث النجل سيف الإسلام، فيما أصدر الوطنيون بيانا أقروا فيه ان " لا للتوريث في ظل حكم عائلة القذافي ، وأن الشعب الليبي يرفض أن يكون قطيعا يورث، وأن ليبيا لن تكون إقطاعية ولا ضيعة تقسم لصالح عائلة الرئاسة». سيف الإسلام هو الابن الثاني للرئيس القذافي من زواجه الثاني، ولد في 5 يونيو 1972 في باب العزيزية بطرابلس، تخصص في الهندسة المعمارية في كلية الهندسة جامعة الفاتح بطرابلس، التحق بجامعة إمادك النمساوية حيث حصل علي درجة الماجستير، وحصل علي الدكتوراة في الاقتصاد مؤخرا من لندن، وهو مدني تماما مثل جمال مبارك الذي تخرج في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وحصل علي الماجستير في إدارة الأعمال. يقود سيف الإسلام القذافي مشروعا طموحا أسماه "ليبيا الغد" يهدف الي إخراج ليبيا من عزلتها الدولية نتيجة استعدائها الولاياتالمتحدة، فضلا عن النهوض باقتصادها الذي تضرر كثيرا جرّاء هذه العزلة، الغريب أن النجل صاحب المشروع الطموح تربطه علاقة بالممثلة اليهودية أورلي فايزمان حسب ما ذكرته جريدة معاريف الإسرائيلية في العام الماضي، وأنهما -النجل الرئاسي والممثلة اليهودية- يلتقيان سرا في إيطاليا، وأشارت الصحيفة إلي أن هناك أنباء عن زواج مرتقب، وجاء ذلك كله تحت عنوان "نحيط الموساد علما". أما في اليمن السعيد فيسعي الرئيس علي عبد الله صالح لتوريث ابنه بخطي حثيثة، الابن العقيد أحمد علي عبد الله صالح هو قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة في اليمن، وهناك بالطبع مهام أخري غير معلنة رسميا أوكلها الأب لنجله منها الأمن السياسي وأمن المطار وأمن السفارات، باختصار يجلس "ابن أبيه" اليمني مهيمنا علي الآلة الأمنية برمتها، رغم أنه ليس رجلا أمنيا بالأساس، إذ حصل الابن علي بكالوريوس علوم الإدارة من الولاياتالمتحدة، ودرجة الماجستيرمن المملكة الأردنية، لكن تم إعداد الابن عسكريا بعد ذلك، إذ حصل علي دورات مختلفة في العلوم العسكرية في عدد من دول العالم. عمل نجل الرئيس المولود في صنعاء عام 1972 قائدا للحرس الجمهوري والقوات الخاصة عام 1997 وحصل علي عضوية مجلس النواب عن إحدي الدوائر العامة بصنعاء، وهو رئيس مجلس إدارة مؤسسة الصالح الجتماعية الخيرية للتنمية، والرئيس الفخري لنادي التلال الرياضي في مدينة عدن وجمعية المعاقين حركيا.النجل الرئاسي في صنعاء واسع الثراء، يشهد علي ذلك امتلاكه عددا كبيرا من الشركات والمؤسسات التجارية العملاقة والعمارات فضلا عن أنشطته الخيرية، وتتردد أنباء عن قيام عدد من أعضاء مجلس النواب بجمع توقيعات لاتخاذ قرار بتعيين العقيد أحمد علي عبد الله صالح نائبا للقائد الأعلي للقوات المسلحة. الابن العقيد متورط الآن في قضية فساد كبري، ومتهم بنهب 40 مليون دولار، مايعادل 8 مليارات ريال من شركة يابانية.