يؤلمني منظر شبان وشابات يقفون في محطات البنزين أو يدورون علي المقاهي لتسويق قري سياحية مجهولة أو لبيع سلع صينية رديئة و سبب ألمي أنني أتخيل أولادي مكانهم وكم المهانة الذي يتعرضون له من بعض قليلي الذوق وأصحاب الدم الخفيف هؤلاء الفتيان والفتيات يقبلون هذه الأعمال مضطرين تحت وطأة الحاجة وانتشار البطالة! وكثير من هؤلاء مضي علي تخرجه من الجامعة سنين طويلة ولم يجد عملا فيقبل أي عمل يعرض عليه! وقد يشارك هؤلاء الشبان والشابات في عمليات نصب وهم لايعلمون! فكل ما يعرفونه أو قيل لهم إنهم مندوبو تسويق يعملون لدي شركة كذا للسياحة ومقرها العنوان الفلاني.. وكل دورهم توصيل الزبون إلي مقر الشركة.. ويتركون الباقي لأصحابها للتخليص علي الزبون وتنفيض جيوبه! فهل هؤلاء الشباب ضحاياأم مذنبون؟! إنهم قطعاً ضحايا لظروف فرضت عليهم.. بعض هؤلاء الشباب دفعتهم نفس الظروف والهروب من واقع مرير إلي الوقوع في براثن جبارين ومحترفين ونصابين.. لحفر الأرض والبحث عن الكنز المدفون! وما أكثر الكنوز المدفونة في باطن الأراضي المصرية من الإسكندرية حتي أسوان، هؤلاء الشباب يقومون بحفر الأرض لحساب كبار المحترفين من تجار الآثار مقابل خمسين جنيها يوميا وغالبا ما ينتهي الحفر بانهيار الحفرة وابتلاع الارض للشباب! وما أكثر الحوادث من هذا القبيل التي نشرتها وسائل الإعلام.. أما إذا نجحت المحاولة يذهب الكنز للباشا الكبير الذي لايعرفه الشباب وتعرفه الحكومة! فصيل آخر من الشباب لم يجد أمامه للهروب من الواقع المرير إلا المجازفة وركوب الخطر، فيما يعرف بالهجرة غير الشرعية.. وتكون النتيجة إما الغرق أو الوقوع في قبضة سلطات البلاد الهاربين إليها! ويبقي فصيل أخير من الشباب وهم الذين لم يقدروا علي المقاومة ولم يصمدوا طويلا فدهسهم قطار الإدمان! هذا الفصيل ضعفت مقاومته وخارت قواه فكان الملاذ والملجأ بالنسبة له إدمان المخدرات، خصوصا البانجو.. هروب من السيئ إلي الأسوأ.. من التشبث بخيوط الأمل في النجاة والحياة حتي لو كانت ضعيفة إلي عالم آخر من الغيبوبة يدمر العقل والجسد معا! قد يري بعض المتشائمين أنه لافرق بين كل فصائل الشباب الذين نوهت عن حالاتهم.. ولكنني أري أن الحالة الأخيرة هي أخطر الحالات.. فقد يتعلم الشاب الذي يدور علي المقاهي لتسويق بضاعة رديئة بعض أصول التجارة وأسرارها ويصبح فيما بعد تاجراً شاطراً وصاحب مشروع خاص وقد تنجح محاولة صاحب الهجرة غير الشرعية في الوصول إلي البلد الذي يقصده ويستقر وينجح ويصبح له شأن.. ورغم كل الحالات التي ذكرتها وسعي الشباب للحصول علي فرصة عمل فإن البعض يتهم الشباب المصري بأنه لايريد أن يتحرك! فماذا يفعل الشباب؟ ذهب بعضهم إلي الصحراء لاستصلاحها وتعميرها فوضعوا أمامهم العراقيل وبهدلوهم وجعلوهم يكفرون بمصريتهم! الشباب طرق أبواب المصانع فوجدها موصدة في وجهه فأصبح عاطلاً بالوراثة مثل آبائهم الذين ذهبوا ضحية للخصخصة!.. إن أول مهمة للرئيس القادم وكل المؤشرات تقول إنه شاب أن ينظر إلي الشباب ويوليه اهتمامه ولا يضع كل البيض في سلة حفنة من رجال الأعمال فأي أمة لاتبني مجدها ولا تحقق نهضتها إلا بسواعد الشباب ، سواعد هؤلاء الشباب هي التي بنت الأهرامات وشيدت المعابد وأقامت السد العالي وحققت نصر أكتوبر 1973.. علي الرئيس القادم أن يعيد للشباب ثقته بنفسه وثقته في بلده.. وإنها حقا بلده وليست ملكاً لحفنة من الناس! لاتجعلوا دور الشباب قاصراً علي مساندة المنتخب القومي لكرة القدم للفوز علي الجزائر والوصول إلي كأس العالم! عظموا دور الشباب.. ووسعوا من قاعدة مشاركته في كل ما يخص شئون بلده عندما يشعر الشباب بأن لهم دوراً.. ولهم رأياً يحترم فسوف تتغير كل الأمور سيصبح الشباب منتجاً ومساهماً بفاعلية في تنمية اقتصاد بلاده.. انظروا إلي تجربة الصين وكيف جعلت من تعدادها الرهيب عاملاً إيجابيا لزيادة دخل الصين القومي وبالتالي زيادة دخل المواطن الصيني الذي ارتفع في سنوات قليلة من ما يقرب من الستين دولاراً إلي أكثر من ثلاثة آلاف دولار سنوياً! أجعلوا الشباب المصري حاضراً ولاتغيبوه عن الأحداث.. حتي لايغيب عن وعيه.. فالشباب موجود ويجب ألايكون الغياب مقصوداً. نجاح الصاوي