استغلال الدين كأداة سياسية لحكم مصر، كاد يدفع «نابليون بونابرت» للذهاب إلى «مكة» والطواف بالكعبة، والوقوف بعرفة ورمى الجمرات، وأداء مناسك الحج! هكذا قال فى مذكراته التى كتبها أثناء سجنه بجزيرة «سانت هيلانة»! وفى ذات المذكرات قال عبارة ذات دلالة: حينما تتصارع فكرة الدين مع فكرة الوطن فى عقل المصريين، ينتصر الدين! كان يقصد إشعال صراع وإحداث تناقض بين العقيدة الدينية، والعقيدة الوطنية، مع أن الفكرتين غير متناقضتين، فالوطنية فطرة بشرية مصاحبة للعقيدة الدينية! بدليل أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) حين خرج مهاجرًا إلى المدينة، نظر إلى مكة وقال: «ما أطيبك من بلد وأحبك إلىّ، ولولا أن قومى أخرجونى منك ما سكنت غيرك». لكن «نابليون بونابرت» حاول خداع المصريين ونفاقهم، وأعلن أنه بصدد إشهار إسلامه، وكانت فرماناته اليومية الصادرة من قيادة الحملة، تتصدرها عبارة «بسم الله الرحمن الرحيم» حتى تلك الصادرة بإعدام المناضلين! وذات مرة ذهب لزيارة شيخ الأزهر بمنزله، حين حلت صلاة المغرب، وهم «شيخ الشرقاوى» بإمامة علماء الأزهر الذين كانوا فى زيارته، فوجئ الجميع ب«بونابرت» يصطف معهم لأداء الصلاة! فطلب الشيخ الشرقاوى من أحد الشيوخ الذهاب معه إلى حيث مكان الاغتسال لتعليمه الوضوء! وبعد الصلاة، سألوه: لمَ لا تشهر إسلامك؟.. فقال: «الختان»! فقيل له هذا لا يمنع إسلامك؟ لكنه لم يشهر إسلامه رغم زوال الحجة، وكلنا نعرف كيف قاوم المصريون الحملة الفرنسية، وكم سقط من شهداء فى معركة إمبابة وثورتى القاهرة الأولى والثانية! إذن لم ينخدع المصريون بالخطاب الدينى الذى تبناه بونابرت مع غزوه لمصر وهو حبه للإسلام واحترامه للمشاعر الدينية للمصريين! فالمصريون أول من عرفوا التوحيد، وتوارثوا خبرات تاريخية فى فرز والتقاط تجار الدين من أول وهلة فكم من الطغاة الذين تألهوا على الشعب، وتبنوا خطاب «أنا ربكم الأعلى» وكم من الحكام الذين استعبدوا الناس وأذلوهم باسم الدين! وحين أراد الإسكندر الأكبر غزو مصر سأل استاذه ومعلمه «أرسطو» عن مفتاح الشخصية المصرية وبوابة الدخول لقلوب المصريين، فقال له «الدين» فكان أن أوقف مراكبه قبالة الساحل الشمالى، وتوغل فى الصحراء الشرقية قاصدًا «معبد آمون»، حيث أقام لعدة أسابيع يتعبد، قبل الذهاب إلى حيث بناء مدينة الإسكندرية وسط حفاوة المصريين! ويقول المؤرخون إن البريطانيين حاولوا اقناع الملك فؤاد حين تولى حكم مصر بإعلان الخلافة الإسلامية وتنصيب نفسه أميرًا للمؤمنين، بعد سقوط الدولة العثمانية. ولا يمكن فهم ذلك فى إطار حفاوة المستعمر البريطانى بالدين الإسلامى، ونقل مقر الخلافة من الأستانة إلى مصر، ولا بمعزل عن إزكاء التناقض واختراعه، بين العقيدة الدينية والعقيدة الوطنية! كما لا يمكن قراءته بعيدًا عن تشجيع البريطانيين للشيخ حسن البنا على قيام جماعة الإخوان المسلمين وتمويلها فى أواخر العشرينيات من القرن الماضى. كما لا يمكن فهم ذلك كله بمعزل عن الدعم الأمريكى للرئيس مرسى وجماعة الإخوان المسلمين. رغم التناقض الأيديولوجى بين الإمبراطورية العلمانية والدولة الدينية فالتاريخ يعيد نفسه بأسماء جديدة! ولا بمعزل عن الترحيب الإسرائيلى بدولة الإخوان، كما لا يمكن فهم الانتهازية الدينية بعيدًا عن الرسالة «الغرامية» التى بعث بها الرئيس «المنتخب» محمد مرسى لرئيس الكيان الصهيونى والتى يتمنى فيها الرخاء والازدهار لإسرائيل ويختتمها بصديقك «الوفى» محمد مرسى! أيضًا لا يمكن حل هذه الفوازير، ومنهم تلك الانقلابات و«الشقلباظات» فى المواقف بمعزل عن لغة الخطاب النضالية حيال ذات الكيان الصهيونى، وتجريس النظام البائد لخيانة المبادئ الوطنية، والانصياع لأمريكا وإسرائيل، يوم كان الدكتور مرسى معارضًا للسلطة، ولم يكن قد أفصح عن نواياه وجماعته بعد، ولم يكن قد تولى السلطة وانبطح أرضًا.. بعد! الخلاصة أن العقيدة الدينية الصحيحة لا تتناقض والعقيدة الوطنية، ولكن تجار الدين هم الذين يتناقضون مع أنفسهم نشر بتاريخ 8/4/2013 العدد 643