منذ ما يزيد على قرنين من الزمان لم يجد نابليون بونابرت من سبيل لإسكات ثورة المصريين ضد الحملة الفرنسية على مصر سوى توجيه مدافعه صوب الأزهر. فقد كان يدرك أهمية ومكانة الأزهر فى تنوير الشعب بمخاطر الاحتلال وتثويره عليه، ومن هنا رأى وجوب إسكاته، فإسكاته هو إسكات للشعب، وقطع ألسنة علمائه يصيب الشعب بالخرس. والقصف الناجع لا يكون بهدم الأحجار، وإنما بهدم المهابة فى النفوس، ونزع التقديس من القلوب، وإهدار قيمة العلماء ومكانتهم المترسخة فى العقول. فدخل جنود بونابرت الأزهر بالخيول، وداست سنابك الخيل مواضع السجود لله. فخرج بونابرت فى جنح الظلام من مصر مخلفاً وراءه كليبر قائداً للحملة، فقتل على يد الشاب السورى الأزهرى سليمان الحلبى، فخلفه على الحملة مينو الذى اضطر إلى إعلان إسلامه وزواجه من زبيدة غادة رشيد إلا أن ذلك لم يشفع له ولا لحملته فاضطر إلى الجلاء عن مصر، وفشلت الحملة فى تحقيق أهدافها. وبعد قرنين من هذا التاريخ جاء من يجدد مساعى الحملة الفرنسية فى قصف الأزهر آملاً إسكاته وإسكات الشعب معه، ليس بتصويب المدفعية عليه ولا بتوجيه الصواريخ إليه، فهم يدركون كنابليون أو لعلهم قد وعوا الدرس عنه أن القصف الناجع ليس بهدم الأحجار، وإنما بنزع المهابة والتقديس وإهدار قيمة العلماء. وهذا ما حدث مع تباشير الصباح المأمولة من ثورة يناير المغدورة، حيث تعرض الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب للهجمة ذاتها التى تعرض لها عبد الله الشرقاوى شيخ الأزهر أيام الحملة الفرنسية على مصر. ولكن هذه المرة من أبناء الوطن الذين يعيشون معنا بأجسادهم دون قلوبهم وعقولهم، إذ ينتمى بعضهم إلى تنظيم دولى يقدم الولاء له والانتماء إليه على أى ولاء وانتماء آخر. وينتمى البعض الآخر إلى الفكر الوهابى الذى يسعى بشتى الطرق وكافة الأساليب إلى التمدد والانتشار خارج نطاقه الجغرافى متخطياً كل الاعتبارات بما فى ذلك كل الاعتبارات الوطنية. وهذه الهجمة لسببين: أحدهما شخصى ويتمثل فى الموقف السلبى من قرار تعيينه بسبب شهادته أيام كان رئيساً للجامعة فى قضية ميليشيات الأزهر التى سجن فيها الشاطر وحسن مالك وآخرون. مع أن الله يقول فى كتابه: " ولا يضار كاتب ولا شهيد " . ثم المعاملة المهينة له ولهيئة كبار العلماء يوم حلف اليمين الرئاسى فى جامعة القاهرة، ثم موقفه من لجنة وضع الدستور، ثم موقفه من موضوع الصكوك، كل ذلك أدى إلى بلوغ السيل الزبا، فحيكت قضية تسمم الطلاب، وجرى تحميلها لرئيس الجامعة ومساعديه، وإعلان المسئولية السياسية لشيخ الأزهر، وحاصر اتحاد طلاب الجامعة وهو مجلس إخوانى مشيخة الأزهر فى محاولة بائسة للضغط على الشيخ بتعريضه لأبشع صور الاغتيال المعنوى. هذا عن السبب الشخصى. أما السبب الموضوعى فهو الإطاحة بالشيخ من على كرسى المشيخة طمعاً فى تولى أحد أتباع هذه الجماعة أو تلك زمام الأمور فى المشيخة. فيصبح الشيخ شيخنا والدفاتر دفاترنا. إلا أن نابليون قد رحل، وحملته قد باءت بالفشل الذريع.