نهم الثراء السريع أصبح يتخذ التنقيب عن الآثار «خلسة» أداة.. حتي تحولت مناطق شاسعة في أرجاء مصر «قبلي وبحري» للحفر في الأراضي أو أسفل المنازل، بل وأسفل المقابر في كل مكان.. وأصبح معتاداً أن تنشر صفحات الحوادث عن مقتل أشخاص انهارت عليهم «الحفرة» والأتربة أثناء التنقيب عن الآثار أو أنهم ذهبوا إلي الصحراء وضلوا الطريق.. وأصبحت مصر سوقاً رائجة للمشعوذين «المغاربة» والدولة تتغاضي عنهم حيث تعدهم وزارة السياحة «سياح» تزهوا بهم تماما كما تذكر التجار بل والبائعين المتجولين القادمين من الصين وغيرها ولايهم تأثير هؤلاء علي اقتصاد مصر وعلي حساب بطالة المصريين وهو موضوع آخر! ويزداد عمل المشعوذين المغاربة مع انتشار الشائعات وأعتقد أنهم هم الذين يرجون لها عن طريق عملاء لهم نظير أجر أو بجهل كأن يقول إن فلان في قرية ما أصبح ثريا بعد أن كان معدماً وتنسج حول ما عثر عليه من آثار الأساطير.. وقد يصادف أن يعثر أحدهم علي قطعة أو غيرها، خاصة أن أغلب أراضي مصر خاصة القريبة من المواقع الأثرية تخبئ تحتها كنوزاًِ أثرية من العصور المختلفة فيتناقلون قصته بتضخيم لا حدود له. وقد تسبب هذا الولع بالثراء في ظهور «بارونات الآثار» سواء من كبار المهربين الذين لايشق لهم غبار سوي بقايا «الغبار» الذي يتركونه عقب الفرار بغنائمهم! وهم بالطبع من كبار القوم وأصحاب الصلات حتي يعد من يعثر علي قطعة أثرية أسفل منزله علي سبيل المثال من الباعة الجائلين. وبارونات الآثار لابد أن يكونوا مرتبطين بصورة ما ببعض العاملين بالآثار حتي يأتي الشك إنهم ربما وراء تعيينهم أو علي الأقل الاحتفاظ بهم في أماكن بعينها أو ترقيتهم إذا تطلب الأمر. ونماذج الآثار المهربة و المنهوبة وشبهات التواطؤ تدلل عليهم والأمثلة لا حصر لها. تلال الشرقية «105» تلال أثرية وكل تل عشرات الأفدنة تم التعدي علي كثير منها وكتبت الصحافة دون جدوي.. ووصل الأمر إلي تمكن المتعدين من الاستيلاء علي الأراضي المتاخمة تماما «لتل بسطة» وهو أغني وأجمل مناطق الآثار بالمحافظة حتي أنهم يطلقون عليه أقصر الدلتا.. وبالطبع مر هذا من خلال «سيناريو» محبك بادعاء البعض ملكية الأرض واللجوء للقضاء ثم غياب دفاع مجلس الآثار ثم يتم الطعن علي الحكم ويتكرر دفاع الآثار حتي صدور الحكم البات وتضيع الأرض من مجلس الآثار رغم تسجيلها ورغم قانون الآثار الذي يحدد حرم الآثار ويمكن لصاحب «الوليمة» أن ينقب علي مسافة 4 أمتار فقط من المعبد الأثري أي بمسافة أقل مما تنقب فيه البعثات.. وحتي لو لم يقم بالتنقيب وأقام أبراجاً فإن أساسات وجراجات الأبراج سوف تكشف عن معابد كاملة تمكنه من الاستيلاء عليها إن أراد.وما حدث بالشرقية تكرر في معظم المحافظات وبوجه خاص في البحيرة والفيوم والدقهلية «المنزلة» والمنيا وفي أراضي الشركة الكويتية بالعياط. وهناك أماكن تمت الكتابة عنها وبدلا من الانتباه والاهتمام بها تم التفريط فيها!.. فمثلا تمت الكتابة عن محاولة استيلاء عضو بمجلس الشعب علي أربعة آلاف فدان تعج بالآثار فحدودها بين أربعة أهرامات بمنطقة دهشور، ونجحت الكتابة في التأثير علي رفض اللجنة الدائمة قبل تواطؤ أو مجاملة بعض الأثريين بالمنطقة ولكن بعد أن هدأت الأمور تم التفريط في الأرض بنظام «القطاعي» بدل الجملة، ليصبح مفتشو الآثار مليونيرات وما يدفعه الطامعون في الأراضي من أموال لايساوي قطعة آثار أو عدداً قليلاً من الكنوز التي حصلوا عليها! وما حدث في دهشور حدث في ميت رهينة.. فإذا تمت الشكوي يقوم مجلس الآثار بإجراء عجيب وهو نقل مفتش الآثار من دهشور إلي ميت رهينة والعكس!.. وبالطبع هؤلاء وهؤلاء علي اتصال ببعض! وحتي في حالة مجازاة بعض العاملين بالآثار فإن الجزاءات لاتساوي شيئا بالنسبة للآثار المنهوبة.. وأمامنا ما حدث في سرقة 38 قطعة آثار ذهبية تقدر بأكثر من مليار جنيه وقد انتهت الجزاءات إلي الخصم من المرتب ما بين ثلاثة أيام وشهرين أي ما بين ثمانية جنيهات و600 جنيه لتكون الجزاءات الموقعة تساوي نحو ثلاثة آلاف جنيه.. ومن هنا يكون طبيعيا أن يتم الكشف عن آثار ذهبية تزن 6 كيلو جرامات وتتخبط لجنة الجرد ولاتعلن عن هذه الفضيحة ربما حتي تتغير الأمور ويترك د.حواس موقعه أو يتم «فبركة» محضر في عهد قديم أو يتم عمل «بروبجندا» مثل العثور علي آثار تحت المتحف في صورة نيئة لتختفي 6 كيلو جرامات ذهب وراء «بروبجندا» عدد من قطع الفخار المهشمة! وتثير قضايا الآثار المهربة أو المفرج عنها بعد ضبطها شبهات ضغوط «البارونات» وعلي سبيل المثال أدلي خفراء بواقعة «تكتيفهم» وسرقة مقبرة أثرية بأكملها وتهريبها ولم يتحرك أحد حتي ولو بتهمة البلاغ الكاذب لهؤلاء الخفر! ومرت الأمور لتتكرر نفس السرقة في منطقة المطرية في قلب القاهرة ويتمكن الأثريون من التقاط أرقام سيارات البارونات ويذكرون أنها جاءت في حراسة الشرطة «!» ولم يتحرك أحد.. وتحدث خلافات بالوحدة الأثرية بالمطار فيتم الكشف عن وجود آثار تم ضبطها فأعيدت لجان للافراج عنها ولم يكترث أحد.. وغيرها وغيرها من الوقائع التي تؤكد وجود البارونات ونفوذهم حتي إن من يعثر علي آثار تحت منزله كما ذكرنا يعد من الباعة الجائلين ومن يحصل علي مقاولات مشبوهة مثل فضائح القاهرة الفاطمية وطفح مياه مسجد القاضي عبدالباسط يصبح أمراً طبيعيا بل ويتم الاحتفاء وتكريم علي هلال رئيس قطاع المشروعات حتي ولو أن هناك فضائح من «عينة» مناقصة المتحف االروماني التي ضاع فيها نحو 30 مليون جنيه مرة واحدة.. فمثل هذه الملايين في عهد فاروق حسني مجرد «فكة»! لقد وصل ثمن القطع الأثرية إلي أرقام فلكية حتي نشر أن «مايكل جاكسون» كان يمتلك تمثالاً صغيراً تم تقديره بستة ملايين جنيه وان ابن الطبيب الذي شارك في الكشف علي مومياء رمسيس الثاني أعلن عن بيع «خصلة» من شعر رمسيس الثاني من خلال مزاد يبدأ بربع مليون يورو أي بأكثر من 2 مليون جنيه، فكم يبلغ ما حصل عليه عضو مجلس شعب أو غيره عند الاستيلاء علي أراض متاخمة لمعبد تل بسطة أو أهرامات دهشور وغيرها وغيرها وكم تبلغ «عمولة» الأثريين الذين سهلوا له الاستيلاء؟! إن السكوت علي هؤلاء لايعني الطيبة والعفو بحال فهو يعني الستر علي الفساد والمشاركة في الأثم حتي لو لم يحصل أحدهم علي مقابل! ومن جانبنا واجهنا د.زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار والذي فاجأنا بقوله إنه سئل أمام مجلس الشعب عن تعداد التعديات فأجابهم بصراحة إنها أكثر من الاعداد التي يذكرونها بكثير وبالتالي تتزايد جرائم التنقيب «خلسة».. ومع تعداد السرقات طالب بتشديد العقوبات في القانون الجديد ويبدوا أن هناك من لايريدون تشديد العقوبات في جرائم التعديات علي أراضي الآثار وسرقات الآثار.. وهذا هو المدخل الأول لمواجهة المشكلة خاصة، مع إعدادنا لحراسة متعلمة ومدربة.