السيسي للمصريين: «لازم نستمر في صمودنا واستقرارنا حتى نحقق ما ننشده لبلدنا»    للمرة الخامسة.. جامعة سوهاج تستعد للمشاركة في تصنيف «جرين ميتركس» الدولي    موعد تطبيق الدعم النقدي وسعر رغيف الخبز.. أهم 30 تصريحا لوزير التموين    الرئيس السيسي: مجال الرقمنة يُوفّر مليون فرصة عمل جديدة للشباب    بعد انتشال جثمانه من تحت الأنقاض.. أين سيدفن حسن نصر الله؟ (فيديو)    سي إن إن: صور تظهر تجمع 100 آلية عسكرية إسرائيلية قريبة من حدود لبنان    الأهلي يعلن تعيين محمد رمضان مديرا رياضيا لفريق الكرة    مؤمن زكريا يتهم أصحاب واقعة السحر المفبرك بالتشهير ونشر أخبار كاذبة لابتزازه    تفاصيل اتهام شاب ل أحمد فتحي وزوجته بالتعدي عليه.. شاهد    أشهر كومبارس في السينما المصرية.. حقيقة وفاة الفنانة صباح محمود    سي إن إن: صور أقمار اصطناعية تظهر تجمع 100 آلية عسكرية إسرائيلية قرب حدود لبنان    أمين الفتوى يوضح حكم التجسس على الزوج الخائن    محافظ المنوفية: تنظيم قافلة طبية مجانية بقرية كفر الحلواصى فى أشمون    مؤشرات انفراجة جديدة في أزمة الأدوية في السوق المحلي .. «هيئة الدواء» توضح    غدًا.. انطلاق دور الانعقاد الخامس من الفصل التشريعي الثاني لمجلس النواب    تأسيس وتجديد 160 ملعبًا بمراكز الشباب    حدث في 8ساعات| الرئيس السيسى يلتقى طلاب الأكاديمية العسكرية.. وحقيقة إجراء تعديلات جديدة في هيكلة الثانوية    الرئيس السيسي يوجه رسالة للأسر بشأن تعليم أبنائها    "طعنونا بالسنج وموتوا بنتي".. أسرة الطفلة "هنا" تكشف مقتلها في بولاق الدكرور (فيديو وصور)    المعمل الجنائي يعاين حريق شقة في الشيخ زايد    التحقيق مع خفير تحرش بطالبة جامعية في الشروق    "رفضت تبيع أرضها".. مدمن شابو يهشم رأس والدته المسنة بفأس في قنا -القصة الكاملة    محافظ الغربية يودع عمال النظافة الفائزين برحلات عمرة قبل سفرهم إلى الأراضي المقدسة    محافظ القليوبية يشهد تكريم حملة الماجستير والدكتوراه بنقابة المهندسين    3 أعمال تنتظرها دينا الشربيني خلال الفترة المقبلة    السيسي: مصر لا تعمل على تزكية الصراعات أو التدخل في شؤون الآخرين    رمضان عبدالمعز ينتقد شراء محمول جديد كل سنة: دى مش أخلاق أمة محمد    هيئة الأركان الأوكرانية: الوضع على طول خط الجبهة لا يزال متوترا    إنريكى يوجه رسالة قاسية إلى ديمبيلى قبل قمة أرسنال ضد باريس سان جيرمان    هازارد: صلاح أفضل مني.. وشعرنا بالدهشة في تشيلسي عندما لعبنا ضده    وكيل تعليم الفيوم تستقبل رئيس الإدارة المركزية للمعلمين بالوزارة    وزير الصحة: الحكومة تلتزم بتهيئة بيئة مناسبة لضمان قدرة المستثمرين الأجانب على النجاح في السوق المصري    500 وفاة لكل 100 ألف سنويا .. أمراض القلب القاتل الأول بين المصريين    5 نصائح بسيطة للوقاية من الشخير    هل الإسراف يضيع النعم؟.. عضو بالأزهر العالمي للفتوى تجيب (فيديو)    الزمالك 2007 يكتسح غزل المحلة بخماسية نظيفة في بطولة الجمهورية للشباب    20 مليار جنيه دعمًا لمصانع البناء.. وتوفير المازوت الإثنين.. الوزير: لجنة لدراسة توطين صناعة خلايا الطاقة الشمسية    المتحف المصرى الكبير أيقونة السياحة المصرية للعالم    والد محمد الدرة: الاحتلال عاجز عن مواجهة المقاومة.. ويرتكب محرقة هولوكوست بحق الفلسطينيين    خُط المنطقة المزيف    نائب محافظ الدقهلية يبحث إنشاء قاعدة بيانات موحدة للجمعيات الأهلية    تواصل فعاليات «بداية جديدة» بقصور ثقافة العريش في شمال سيناء    يختصر الاشتراطات.. مساعد "التنمية المحلية" يكشف مميزات قانون بناء 2008    «حماة الوطن»: إعادة الإقرارات الضريبية تعزز الثقة بين الضرائب والممولين    طرح 1760 وحدة سكنية للمصريين العاملين بالخارج في 7 مدن    برغم القانون 12.. ياسر يوافق على بيع ليلى لصالح أكرم مقابل المال    أفلام السينما تحقق 833 ألف جنيه أخر ليلة عرض فى السينمات    مصرع شخص دهسته سيارة أثناء عبوره الطريق بمدينة نصر    جامعة بنها: منح دراسية لخريجي مدارس المتفوقين بالبرامج الجديدة لكلية الهندسة بشبرا    محافظ القاهرة يشهد احتفالية مرور 10 أعوام على إنشاء أندية السكان    خلافات في الأهلي بسبب منصب مدير الكرة    ضبط 1100 كرتونة تمور منتهية الصلاحية بأسواق البحيرة    «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف إعانة شهر أكتوبر للمستحقين غدًا    إنفوجراف.. آراء أئمة المذاهب فى جزاء الساحر ما بين الكفر والقتل    مدير متحف كهف روميل: المتحف يضم مقتنيات تعود للحرب العالمية الثانية    نائب الأمين العام لحزب الله يعزي المرشد الإيراني برحيل "نصر الله"    التحقيق مع المتهمين باختلاق واقعة العثور على أعمال سحر خاصة ب"مؤمن زكريا"    الأهلي يُعلن إصابة محمد هاني بجزع في الرباط الصليبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات أخت اخوانية!!
نشر في صوت الأمة يوم 03 - 02 - 2013

برغم سياجات السرية التى فرضتها جماعة الإخوان المسلمين حول نفسها منذ نشأتها وحتى الآن، وبرغم سيادة وتوغل قاعدة الطاعة العمياء فى كل الأعضاء، وأن الجماعة فوق الجميع، ومع شح المعلومات المتاحة عن الجماعة من الداخل، وحرص عدد ممن انشقوا عنها بإرادتهم أو طردتهم هى رغماً عنهم، على عدم الاقتراب من مغارة الأسرار الخاصة بالجماعة، فإن عدداً قليلاً منهم تجرأ وقرر أن يهتك هذه الأستار ويكشف الحقيقة ويزيح الستار عن الوجه الحقيقى للجماعة وقياداتها الذين صوروا أنفسهم وكأنهم ملائكة منزهون عن الخطأ.
ومن هؤلاء انتصار عبدالمنعم الإخوانية السابقة، التى سجلت أول خروج لسيدة من الجماعة تتجرأ وتكتب عن تجربتها عن الإخوان المسلمين، وتقدم رؤية من الداخل، لواحدة كانت تنظر بكثير من الإجلال والتقديس لفكرة جماعة الإخوان المسلمين ومؤسسها الشيخ حسن البنا.
انتصار تجرأت واقتحمت حقول الألغام وأصدرت كتاباً بعنوان «مذكرات أخت سابقة.. حكايتى مع الإخوان».
كشفت فيه الكثير من الأسرار عن الجماعة وقياداتها، وقدمت نقداً ذاتياً عميقاً للفكرة والأشخاص والممارسات فى تجربة هى الأولى من نوعها انتجت لنا صورة واضحة المعالم لهذا الكيان الأسطورى المسمى بالإخوان المسلمين، صورة خلت من الرتوش وهالات التقديس والغموض والملائكية ومكارم الأخلاق.
سردت تجربتها وحكايتها مع الجماعة متبعة أسلوب المكاشفة ليس للتجريح ولكن لإظهار الحقائق. وناقشت فى الكتاب ذلك الشعار البراق الذى رفعه ولا يزال الإخوان وهو «الله غايتنا والرسول قدوتنا والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا»، وكيف تناقضت الممارسات داخل الجماعة مع شعارها.
كما قدمت لنا النظرة الحقيقية للجماعة إلى المرأة، وناقشت آراء وكتابات حسن البنا عن المرأة، وكيف خالفت الجماعة تعاليم الإسلام. وذكرت كذلك فكرة الطبقية المترسخة داخل الجماعة. وكيف تتم تربية الشباب داخل الجماعة.
وما الوسائل التى استخدمها الإخوان المسلمين للنفاذ إلى المواطنين والتأثير فيهم، وما هى الشرائح الاجتماعية التى ركزت الجماعة جهودها للاستحواذ عليها، وكيف كانت الجماعة تدير عملياتها الانتخابية. كما ناقشت فكرة التنظيم المقدس والبشر المقدسون، الراسخة فى الجماعة.
مقدمة لابد منها
سأحكى تجربتى فى صفوف أخوات جماعة الإخوان المسلمين، ليس من باب التجريح والمهاجمة ولكن من باب المكاشفة.
قد يعتبرون حديثى هذا خيانة أو انشقاقاً عن الصف، ولكنى أعتبره نوعاً من جلد الذات.
انه نوع من نقد الذات للجماعة التى بدأت تحيد عن أهدافها التى طالما آمنت بها قبل أن أعرفها عن قرب. لقد آمنت بمبادئهم قبل أن أدخل إلى صفوفهم، ولكن عندما أصبحت منهم، كفرت بهم، وبطريقة تفسيرهم لتلك المبادئ وفق أهوائهم ورغباتهم التى تتغير وتتلون بلون الجو العام المحيط بالجماعة فى كل مرحلة من مراحل تطورها، منذ غياب الإمام حسن البنا مؤسس الجماعة وحتى الآن. قد أكون حالة شاذة واحدة، ولكنى حالة واقعية جداً، ولا أتحدث إلا عن نفسى وعن تجربتى.
قد أكون مجرد عضو ثبت فساده من وجهة نظرهم، ولكن كانت تجربة فعلية عشتها بكل ما فى كيانى من حماس، وعانين منها بكل ما حمله القلب من ألم.
أتحدث هنا عن تجربة فردية لا أعممها حتى أكون موضوعية. فلربما أكون الأخت الأولى التى تنشق عن الجماعة وتختار الابتعاد عنهم، فالأخوات تم تدجينهن جيداً منذ زمن بحيث أصبحن لا يعملن عقولهن أبداً، فمجرد إبداء الرأى ومناقشة الخطط الموضوعة من الإخوة الرجال من الموبقات ولا مجال لها من الأصل، مرة تحت راية طاعة الله ورسوله، ومرة الالتزام بالعهد وميثاق الجماعة، وتارة طاعة ولى الأمر أو بمعنى أصح ولاة الأمر بداية من قمة الهرم الإخوانى المتمثل فى المرشد العام للجماعة، ونزولاً حتى أصغر مسئول إدارى أو تربوى فى الجماعة. ربما تكون هناك أخريات ممثلى ممن صدمهن الوضع الداخلى مثلما صدم بعض الإخوة من الشباب، الذين يمثلون منبعاً للدماء الجديدة فى الصف الإخوانى الذى مازال حكراً على الحرس القديم وورثته فقط، ولا توجد فرصة أمامهم غير أن يرضخوا للتسلسل التنظيمى الذى مازال بيد حفنة من المسئولين الذين لا يواكبون المتطلبات الجديدة والمتسارعة فيما يتعلق بجانب الشباب.
وللحق أنا لم أكن فريدة من نوعى فى صفوف الأخوات، فهناك مثلى كثيرات ممن لهن أدوارهن المرسومة ممن هم أعلى فى الدرجات، كانت لنا أدوارنا التى نؤديها بطاعة واجبة، ولنا مواقعنا المكانية التى لا ينبغى تجاوزها، توقيتاتنا الزمانية المحددة بدقة، وكان لنا مسئولون ومسئولات لا ينبغى تجاوزهم بأى حال من الأحوال.
وكما يبدو للناظر من الخارج كنا نبدو مجتمعاً جميلاً منظماً، فلنا لقاءات ورحلات وترفيه ومسئوليات وهتافات وجلسات مسامرة. ولكن كل ذلك كان حسب خطة موضوعة من قبل غيرك، ومن ورائها أهداف أخرى لا يهم أبداً أن تعرفها، وعلينا جميعاً تنفيذها دون نقاش. لا مانع أبداً فى أن نناقش وصفات الطعام وتكون جلساتنا كلها أكلاً وحديثاً عن إرضاء الإله الأصغر الذى يمهد لك طريق اللجنة الموعودة.
وفى النهاية يتم رفع التقرير عن نشاطنا وتفاعلنا، ليتم تصعيد المحظوظات وفقاً للائحة نظام داخلى يكبت حريات الكثيرين نساء ورجالاً ويقيدها. بينما يطلق العنان لقلة فقط من الأخوات يتم تلميعهن وإبرازهن كى يتبوأن مركزاً ما، فقط لأنهم بنات قيادى راحل، أو بينهن زوجة معتقل، أو زوجة أخ فى التنظيم الإدارى. وربما يكن غير مثقفات ولا يستطعن التحدث باللغة العربية الفصحى التى شدد الإمام على استخدامها فى حين أنه توجد أخريات لهن المقدرة على خدمة الجماعة لو كن فى نفس الموقع.
ولكنه تنظيم أبله وطاعة عمياء لمن تعلوك درجة حتى لو كانت أقل منك فى المعرفة، فسبقها فى الجانب الإدارى هو الذى جعلها أحق وأجدر بالمنصب الذى يخول لها الجلوس مع الأخ المسئول عن الشعبة أو الفرع وتلقى الأوامر منه، وكذلك مقابلة الشخصيات الكبيرة ذات الأسماء الطنانة فى الجماعة وزوارهم من خارج الدولة وداخلها.
«نحن جماعة الإخوان مثل الهيئة التى توصل الكهرباء للناس، لا نحتاج إلى مهندسين كثيرين بقدر ما نحتاج إلى عمال كثيرين».
كانت تلك المقولة، وهى للراحل الحاج عباس السيسى أحد رجالات الإخوان المبرزين، خير توصيف للتعبير عن الوضع الداخلى فى الجماعة الذى يدفع ببعض الأسماء الموصى عليها لتتقدم الصف فتكون من «المهندسين» أو الزعامات، وهذا لا علاقة له بالجدارة أو الاستحقاق بقدر ما هو قرار داخلى يحظى به البعض ويمنع عن غيرهم. وفى الوقت نفسه، يعمل على ضم الكثير من التابعين «العمال» الذين يفترض أنهم سيكتفون بدور المشجع والمناصر لمن هم فى القمة من باب الطاعة. ومن غير المنطقى أبداً أن يتقدم العامل على سيده، أو يطالب بتعديل وضعه إذا أثبت جدارته وإلا أصبح مخالفاً لميثاق الجماعة وشاقاً للصف. ربما كان هذا إخراجاً إخوانياً متأسلماً لقصة جورج أورويل «مزرعة الحيوان»!!.
فى البداية والنهاية اتضح لى أن الحكاية كانت مناصب ومراكز يستأثر بها البعض دون غيرهم، مما تسبب وبالتدريج فى حالات من الاحتقان الداخلى والذى بدأ أخيراً يفصح عن نفسه فى هيئة آراء مختلفة تخرج من داخل الإخوان أنفسهم تطالب بالتعديل. وظهرت المنافسات والمناوشات الكلامية والسجالات التى لم يعد بالمقدور التكتم عليها داخل الصف، فخرجت رغماً عن جميع المحافظين والمتشددين الذين يتزعمون الحرس القديم.
بدأ صوت الشباب يعلو، وأقصد بالشباب من هم من غير رجالات الصف الأول والثانى الإخوانى من وروثة المجد القديم، لأنهم أرادوا أن يكون لهم دور يواكب حالة التحمس والفوران الذى يعانونه نتيجة الشحن الخطابى الذى يتعرضون له منذ انضمامهم للجماعة.
لم يجد هؤلاء الشباب أمامهم مجالاً مناسباً يستوعب طاقاتهم بصورة كاملة، فهم كغيرهم لا يستطيعون التحرك إلا بعد أخذ الموافقة على كل شيء من الشق الإدارى، ولا يستطيعون التعبير عن آرائهم فيما يصل إليهم من أوامر للتنفيذ، تلك الحالة أوجدت حالة من الاحتقان الانفعالى، هذا الاحتقان نفسه كان السبب الرئيسى فى انجاح أى دعوة للقيام بمظاهرة أو مسيرة يدعو إليها التنظيم، فبمجرد تلقى الأوامر يخرج هؤلاء سراعاً يفرغون حماسهم وقدراتهم المكبوتة فى مجموعة هتافات يظنون أنها هى الجهاد ضد الحكومة، التى صورها لهم رجال الإخوان على أنها هى العدو وأن فيها جهادهم.
لقد أثبتوا بالدليل والبرهان «أن الدين هو أفيون الشعوب» والدين هنا هو منهجهم الذى غيبوا به ما قد يقف عقبة فى طريقهم، والذى بدأ بشعارات إسلامية ليحمل بين طياته أهدافاً أخرى. هذا المنهج الذى يخضع للتأويل والتفسير حسب الطلب!.
غيبوا المرأة طويلاً وعندما فكوا الحصار الذى أحكموه حولها، سمحوا لها بفرجة لا تتعدى إلقاء دروس عن الطاعة لكل ما يمت للرجل بصلة، سواء كان لتعاليم الإمام الذى أصبحت كتبه ورسائله مراجع تؤلف حولها وعنها التفسيرات والتأويلات التى تمنهج وفقها العقول، أو المرشد العام الذى يمثل الرمز الذى ننتظر كلمته كرسالة سماوية أو تجل إلهى سيسفر عن منهاج وشريعة تخرج العباد من غيابة جب الحكومات الوضعية. أو الزوج الذى يحق له الزواج مرات ممن يريد تحت غطاء مسميات عديدة مثل إعفاف مسلمة، زواج مروءة، رغبة فى انجاب المزيد من الأطفال ليباهى بهم الرسول الأمم، وغيرها من الأسباب، وفى كل الأحوال علي الأخت أن ترضخ للكيفية التى يفسرون لها بها الشرع دون نقاش. وهكذا تختزل العلاقة الزوجية على مفهوم واحد سلبى الاتجاه وهو طاعة المرأة للزوج سواء كان صالحاً أو طالحاً. وفى المقابل، لا اهتمام بتوجيه الرجل إلى كيفية التعامل مع الزوجة كما حددها الشرع أيضاً، والقائمة على المعاملة بالمثل من حب وحنان، وليس بأسلوب تنطع قائم على استغلال مفهوم الطاعة التى أوجبها الإسلام على المرأة تجاه شريك الحياة. ولذلك لم نسمع يوماً عن دروس للرجال عن كيفية استمالة قلب الزوجة أو كيفية التعامل معها كإنسان.
شعار جميل!!
هذا الشعار الجميل الذى يرفعونه «الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا» شعار فضفاض رنان جميل، ولكن من يرسم لك طريق الله؟
يرسمه لك شخص مثلك وبالطريقة التى توافق طموحاته وأهواءه الشخصية.
ومن الذى يوضح لك مواطن القدوة فى الرسول والتى عليك أن تتبعيها؟؟
أيضاً شخص مثلك، ينتقى من السيرة النبوية ما يوافق أهواءه وينبذ ما دونها.
وإذا كان الموت هو الأمنية القصوى، فلم تأخذين حظاً من الدنيا طالما لك جنات معروشات تنتظرك فى الآخرة؟.
الرجل فقط هو المسموح له التمتع بنساء الدنيا والحور العين فى الجنة. هو رجل من الممكن أن يجمع الحسنيين، أما أنت فيجدر بك الصبر على المكاره والأذى، وإعلاء راية الطاعة فى كل مناحى حياتك، ولكل فرد، ولكل قرار يصلك، وما عليك إلا التنفيذ الفورى دون حتى الاعتراض أو إبداء التألم.
ومن ضمن الأمور العديدة التى استغل فيها رجال الإخوان فكرة التسليم والطاعة العمياء مسألة تعدد الزوجات، ليس بغرض الانجاب فى حالة عقم الزوجة أو مرضها مثلاً وغيرها من الأسباب، بل تم استحداث مبررات جديدة براقة مثل إعفاف مسلمة وزواج المروءة، فأباحوا لأنفسهم الزواج من ثلاث نساء لا اثنتين. وعندما تشتكى الزوجات، يتم عقد جلسة لهن مع بعض الأخوات اللواتى يذكرنهم بلزوم الطاعة والصبر والتسليم لأمر الله فى الأعالى سبحانه، وهذا الآخر الذى يحق له فعل أى شيء كرجل وأخ.
كنت أرى ذلك بصورة واقعية أمامى، «س» المهندسة وخريجة مدارس الفرنسيسكان والأم لثلاثة أطفال التى تتجاوز الثلاثينيات من عمرها، يخبرها زوجها الأخ بموعد زفافه على أخرى صغيرة فى السن، أى لم يفتها قطار الزواج، ولا ينتظر رداً منها، وبعد مرور أسبوع العسل يصطحب أولاده الثلاثة منها للترحيب بالعروس الجديدة.
وصديقتى «ه» المدرسة التى ضحت بعملها لتتفرغ لبيتها ولزوجها وأولادها، يتكرر نفس الأمر معها، وعندما لم تستطع الصبر كما أشار عليها الناصحون، طلبت الطلاق، ولكنها تراجعت بعدما تم تهديدها بالحرمان من أطفالها، فلا طاقة لديها لتلجأ إلى المحكمة لتطالب بالحضانة.
«م.م» النائب البرلمانى يتزوج بالثالثة، ومدير مكتبه يفعل المثل.
سألت «...» فى مكتب النائب البرلمانى بعد زواجه الثالث، إن كان موضوع التعدد الذى انتشر تحت دعاوى اعفاف مسلمة كما يرددون، فلماذا لا يتكفل النائب بزواج شاب من شابة فيكون أعف مسلمين اثنين لا واحداً؟.
ألم تكفه زوجتين فيجعل تكاليف الثالثة لشاب لا يجد ما يتزوج به؟.
كان مثل هذا السلوك هو أشد ما يؤلمنى، حينما يتم تغليف الرغبات الشخصية بغلاف الدعوة الإسلامية، وأن يتوهم هؤلاء أنهم بهذا الذكاء الذى يجعلهم ينهلون من المتع الدنيوية وينتظرون مباركة الجميع. لم يكن من المتوقع أن يتعرضوا للمساءلة أو حتى الاستفسار عن كيفية الإنفاق، فى الوقت الذى يعانى الجميع أزمة اقتصادية طاحنة فقط للحصول على زواج وحيد أو رغيف خبز.
مثل هذا السؤال كنت أصارح به بعض المقربات فأواجه بردود أفعال متباينة ولكنها تصب فى أنه لا حيلة لنا فيما يجرى، وما علينا إلا أن نسلم بالأمر الواقع من أجل وحدة الصف!.
والآن «2005» الإخوان المسلمين هم فى مرحلة الازدهار والانتشار وعلى أعتاب المرحلة الثالثة.
ليس كما يروجون بسبب اضطهاد النظام، فمنذ متى تصمد الأنظمة أمام رغبات الشعوب الثائرة؟
بل كان الاضطهاد نفسه فى أغلب الأحيان من عوامل نجاح أى حركة تحررية، ومن عوامل انتشارها بين المضطهدين.
إذاً هناك عوامل أخرى تقف فى وجه استمرار الجماعة غير تلك المتعلقة بالحكومات.
ألا يحتمل أن تكون عوامل ضعف داخلية؟؟.
عوامل تتعلق بالأسلوب الجامد المتبع فى اختيار القياديين والإداريين، والذى يهضم حق الكثيرين فى اثبات تواجدهم وجدارتهم، وحبسهم داخل آلية الترقى الجامدة ذات العين الواحدة والتى تنظر فقط إلى ورثة المجد القديم.
حتى فى عملية اختيار المرشد العام التى تخضع للائحة التنظيمية المتوارثة للجماعة، لا تتاح الفرصة أمام الجميع وخاصة الشباب للمشاركة فى عملية الاختيار، بل يستأثر أعضاء مكتب الإرشاد العام بترشيح اسم المرشد، ومن ثم أخذ البيعة له من مجلس شورى الجماعة من الجيل الثانى والثالث للجماعة فى الداخل والخارج.
وتتعلق أيضاً بمكانة المرأة التى لم يطرأ عليها أى تقدم منذ تأسيس الجماعة 1928. فلم يحدث ولو لمرة واحدة أن وصلت امرأة لعتبات مكتب الإرشاد المقدسة.
وتتعلق بحالة التكلس للأفكار والمبادئ نفسها والتى كانت ركيزة لقيام الجماعة، وإن حدث وخرج من بينهم من يشذ عن تلك الأفكار ويتصرف بإرادته الخاصة فيما يراه مناسباً وفق اجتهاده، لا يجد من يناقشه، ويفاجأ بالتنصل منه والزعم أنه ليس من صفوفهم، أو أنه منشق وأنهم يتبرأون من أفعاله التى لا تعبر عنهم.
وهذا يشهد به التاريخ بداية بما حدث مع الطالب الإخوانى عبدالمجيد حسن عندما اغتال محمود فهمى النقراشى، فما كان من رجال الجماعة إلا أن أدانوا عملية القتل وتبرؤوا من القاتل وخرج الإمام ليقول: «ليسوا إخواناً، وليسوا مسلمين».
وكذلك فى قضية مقتل القاضى أحمد الخازندار، تبرءوا من القاتل وأعلنوا أنه اجتهاد شخصى منه وليس بتوجيه منهم.
وهكذا يفعلون إلى اليوم. فمن يخرج عن فكرهم أو خططهم فخير وسيلة لمواجهته هى إنكار انتمائه أولاً، ثم محاربته بعد ذلك فى الخفاء وهم يتصنعون اللامبالاة، وذلك بإثارة الأقوال حول شخصه أو علاقاته أو أى شيء يرون أنه يفيد فى تغطية الموضوع الرئيسي المختلف عليه.
وما يدور الآن من تكالب جماعة الإخوان نحو السلطة والتواجد السياسى هو البداية نحو النهاية، لأن ذلك يقابله ثغرات داخلية، وأصوات تطالب بنصيبها فى الكعكة القادمة.
نظرة من الداخل
فى الثمانينيات، كنت أنظر بإعجاب إلى الأخوات اللواتى كن معروفات بخمارهن المميز، كن فى ذلك الوقت يشكلن جماعات مترابطة. أراهن فى المدرسة ملتصقات معاً، ولو تصادف ووقفت مع واحدة منهن لسبب ما كالتحضير لبرامج الإذاعة المدرسية مثلاً، تأتى أخرى لتسلم على من تقف معى ولا تلتفت لى كأنها لا ترانى. كن ينظرن لغيرهن ولى كواحدة من الخوارج لمجرد أنى لا أنتمى إليهن، ولكونى كنت نجمة الإذاعة الصباحية فى الشعر والقصة، وتلك أشياء كانت فى ذلك الوقت غير مألوفة.
لم أكن والكثيرات غيرى من المتحررات بمفهومنا اليوم، فالمجتمع الذى نشأت فيه كله كان يعتبر مجرد كشف البنت لشعرها شيئاً عظيماً، ولذلك كنا جميعاً نغطى رءوسنا، ولكننا لم نكن نلبس ما تلبسه الأخوات، فنحن لسنا بأخوات وهن كالمجتمع المغلق لا يختلطن بأحد من خارج صفوفهن. كنت أجهل كيف أكون مثلهن، واعتقدت أن لبس الخمار الذى يلبسنه هو الذى سيجعل منى أختاً.
تمنيت أن أكون مثلهن أختاً، فقط كى أتجنب نظراتهن المستهجنة التى تحكم علىَّ بالإقصاء لمجرد مغايرة ملابسى لشكل ملابسهن، بالاضافة لانتمائهن للجماعة التى لم أكن أعلم عنها حتى ذلك الوقت غير اسمها.
وقتها بدون لى مثل الحركات الماسونية المنغلقة، أو كالديانة اليهودية التى لا تقبل مؤمنين جدداً، وهذا كان مناقضاً للهدف الدعوى الذى قامت من أجله جماعة الإخوان فى أول تأسيس لها، وما تعرفت عليه بعد ذلك من خلال قراءتى لمذكرات الإمام حسن البنا «الدعوة والداعية»، بل أيضاً مناقض للهدف الأسمى للدين الإسلامى بمفهومه العالمى الشمولى الذى تخطى حاجز اللون والحدود الجغرافية منذ قرون مضت، ليضم الجميع ممن لبس الدشداشة والعباءة والمروط والفراء والقبط والبرودة.
ظننت أنى لو قرأت كتب الإمام حسن البنا سيعتبروننى منهن. فقرأت مأثوراته وبعض رسائله المتاحة، وفصولاً من مذكراته، فتملكنى الإعجاب بكل ما قرأت. ولكنى وقتها شعرت بالدهشة والاستغراب فالذى أجده فى كتاباته يدعو إلى الانفتاح على الحياة والمجتمع والآخرين، وما أجده من سلوك الأخوات من حولى مناقض لكل هذا. فلماذا هن منغلقات هكذا؟.
لقد كان الإمان يتعامل مع الجميع، ويشترك فى النشاطات ويبذل المساعدة للغير كأسلوب من أساليب الدعوة، ويفرض رأيه منذ أن كان صغيراً، وله صداقات كثيرة، ويحترم الملك عند مروره، وله علاقات ب«النصارى»، فلماذا هن كذلك؟.
أتذكر أنى وقتها قلت: «حسن البنا هذا، كان رجل سبور، فلماذا هن كذلك مثل الثوار؟!».
ومن هنا وقبل أن أنضم إليهم بوقت طويل، بدأت فى قياس كل سلوكيات الأخوات والإخوان على أقوال وأفعال الإمام نفسه، وهذا ما استمر بعد انضمامى الفعلى فيما بعد.
تلك كانت بداية رحلة البحث والقياس والمقارنة بين ما كان، وما هو كائن حتى وصلت إلى مرحلة انتقلت فيها لأقوال الإمام نفسه، خاصة موقفه من المرأة الذى تأرجح بين التجاهل والتهميش، أو بوضعه بعض القيود على تعليمها، فى نفس الوقت الذى كان يجل ويحترم الحاجة «زينب الغزالى» الناشطة فى العمل الاجتماعى وقتها ومؤسسة جمعية السيدات المسلمات، ورئيسة تحرير مجلة متحققة بالفعل، ويعمل جاهداً أن يجعلها تنضم بجمعيتها لتعمل تحت لواء جماعة الإخوان التى أسسها.
قمت بمقارنة أقوال الإمام عن المرأة وعن مكانتها ووضعها فى المجتمع، بما هو موجود فى الدين الإسلامى وممارساته الفعلية منذ عهد الرسول الكريم ومن بعده الصحابة والتابعين.
أدركت بعد ذلك أنه لا يكفى أن أستمر فى محاولاتى المستمرة والجادة لتثقيف نفسى بالثقافة الإخوانية والتى حسبتها جواز المرور لصفوفهن. عرفت أن الانتساب للجماعة وقتها كان أشبه بنظام التوريث، أى أن الأب ينقله لأولاده، والزوج لزوجته بصورة آلية، وأنا لم يكن لوالدى هذا الشرف حيث كان يعمل ضابطاً ولذلك هو مستبعد تماماً، وأن يكون لى زوج من الأخوات كان أمراً مستبعداً تماماً فى ذلك الوقت أيضاً، حيث كان الأخ يتزوج من صفوف الأخوات فقط.
طبعاً كل هذا تغير بالتدريج حتى بلغ أوجه فى مرحلة التحضير الكبرى والاستنفار العام السابق لدخولهم انتخابات مجلس الشعب 2000 و2005، وما كان يستلزمه من تغيير خطط التحرك والانتشار وإنشاء شعب فرعية خاصة بالنشر والدعاية والإعلام، لضمان الحصول على أصوات الناخبين. وفى هذا الجانب كان للدور النسائى الفضل الأول فى نجاح كل الأهداف الموضوعة بهدف الاندماج فى المجتمع والانفتاح عليه.
صدرت الأوامر بالتصرف فى شكل الخمار المعتاد الذى يعطى للمرأة شكل الخيمة المتحركة، وأصبح يخضع للتعديل ما بين مثلث الشكل والدائرى. وتعددت ألوانه لتشمل ألوان قوس قزح بعد أن كان اللون المقدس هو الأسود، يليه الرصاصى ثم البنى بدرجاته.
نزعت زوجات بعض الرموز الإخوانية النقاب الذى كن يحرصن عليه من قبل وظهرت سافرات الوجه. وبعد أن كان للثوب تفصيلات متعارف عليها، أصبح من المعتاد أن يتخيرن ملابس من دور الأزياء المعروفة دون التقيد بالشكل المتعارف عليه سابقاً.
وانفتحت الأخوات على أمثالى - سابقاً - بل زاد انفتاحهن على المتبرجات الكاسيات العاريات على أمل هدايتهن، عملاً بحديث شريف موجود منذ أكثر من أربعة عشر قرناً: «لأن يهدى الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم».
كان هذا الحديث بالفعل موجوداً من قبل عندما كن يتجنبن الحديث مع من ليس فى صفوف الجماعة، ولكنه لم يكن يناسب المرحلة السابقة المنغلقة للجماعة، التى لم تكن فى حاجة لأصوات المناصرين والمحبين. وعندما حان دور الانفتاح والتحضير لخوض لعبة السياسة، كان لابد من التفتيش عن سند شرعى يتلونون بسمته فى المرحلة الجديدة. فتبدلت الأفكار المنغلقة مثلها مثل الملابس لتناسب الدعاية الإعلامية المرتقبة، أو لنقل تلونت بلون معاصر يخدع العين بينما يظل الجوهر كما هو منغلقاً متكيساً.
وزاد الانفتاح أكثر فأصبح الإخوة يتزوجون من الجميلات المميلات كأسنمة البخت بهدف إصلاح أحوالهن، ومن المعروف أن ابنة فنان كوميديا مشهور هى زوجة الآن لابن أخ له مكانة مادية وأدبية فى صفوف الإخوان.
هذا النوع من الانفتاح بالزواج من خارج صفوف الجماعة خلق حالة من التذمر فى صفوف الأخوات، لأن فرصهن المضمونة فى الحصول على زوج وفقا للقائمة التى تشمل بنات الإخوان ممن هن فى سن الزواج قد تضاءلت، وليس لهن فرصة كالرجال فى الحصول على زوج عادى من خارج الصف الإخوانى.
وبالتدريج أصبحت حتى اللقاءات العامة التى جاءت فى مرحلة التحضير لخوض الانتخابات تشمل الجانب النسائي، وتم تلميع بعض الأسماء فى القاهرة والإسكندرية، وبدأ ظهورهن فى السرادقات التى كانت تُنصب فى الشوارع ويحضرها مرشحو الإخوان مع جوقة متشدين من الشباب والأشبال والزهرات الذين يؤمنون على خطاب المرشح برفع شعار الجماعة ثم الله أكبر ولله الحمد، فى تناغم كبير يغيب العقول لتهيم فى تلك الراحة نفسها التى تنبعث فى حلقات الذكر والدروشة، متناسية الهم اليومى وتكاليف المعيشة.
وجلست الأخوات جنبا إلى جنب مع مرشحى الإخوان على منصات الخطابة وأمام الجمهور الغفير من الرجال والنساء من كل المشارب والألوان، أصبح من المألوف جدا أن تجد أخوات فى النوادى مختلطات بغيرهن، يرفعن أصواتهن مروجات لمرشحى الإخوان، ويقدن سياراتهن بكل حرية، وهذا تغيير كبير وإذا ما قسناه على أقوال الإمام نفسه سنجد أن الأمر يعد مخالفة صريحة لما جاء فى «رسالة المرأة المسلمة» التى وضعها الإمام البنا ليحدد مكانة المرأة، ذاكرا ما يجب وما لا يجب عليها أن تفعله.
كنت أتابع بدهشة ما يحدث من تطورات سريعة على شكل المرأة العام وعلى قدرة الجماعات الإسلامية على التلون وتسخير الشرع بحثا عن سند مختلف يناسب كل مرحلة كان ذلك واضحا جليا ليس عند الإخوان فقط، بل أيضا بالنسبة للتيار السلفى المعروف بتشدده والذى كان فى حقبة الثمانينيات ينظر إلى السيارة كبدعة من البدع لمخالفتها عصر النبوة، ولم يكن من اللائق أن تخرج نساؤهم دون محرم ثم أصبحت نساؤهم اليوم المنتقبات بالأسود وبالعباءة النجدية يقدن السيارات الحديثة فى الشوارع بكل بساطة، ويخرجن بكل حرية.
أصبح جليا بالنسبة لى إن الإخوان لا يوجد لديهم رؤية واضحة لمكانة المرأة وليس لها معالم واضحة فى التنظيم.
وجدت أن ما قرأته عن مكانة المرأة فى الإسلام شيء، وما يقوله الإمام فى رسالته للمرأة المسلمة شيء آخر، والإخوان اليوم يمارسون شيئا مختلفا عما قاله الإمام ومن بعده بعض المبرزين من الأسماء، مثل البهى الخولى الذى قال وكأنه يردد ما قاله البنا نفسه:
«إنه بدخول المرأة كليات الزراعة والصيدلة لم يجعلها تجنى إلا أنها خرجت من نطاق الرقة ومشاعر الأنوثة التى خصتها بها الطبيعة إلى الاسترجال الخشن» «البهى الخولى- المرأة بين البيت والمجتمع - من رسائل الإخوان المسلمين».
شعرت بنوع من الخلل فيما أرى، فعلى الرغم من وجود رسالة للمؤسس تحدد دور المرأة وسارت عليها الجماعة طويلا، رغم ذلك ومن أجل دخول مجلس الشعب أباح الإخوان للمرأة العمل السياسى وليس فقط مجال الصيدلة والزراعة.
إذا، فحديث الإمام ليس ملزما طوال الوقت طالما تعلق بالمرأة فقط، وما عدا ذلك فأحاديثه ورسائله مثل الأسفار المقدسة، كل ذلك فى نظرى كان يشير إلى أن هناك مخالفة من نوع ما.
إما أنهم كجماعة يخالفون تعاليم الإسلام، أو أن الإمام خالف تعاليم الإسلام حينما وضع رسالته الخاصة بالمرأة، أو أن الإخوان يخالفون الإمام مؤسس الجماعة نفسه، مخالفة صريحة لكل ما جاء فى رسالة المرأة والمنشورة ورقيا والكترونيا على موقع باسم الإمام وموقع الإخوان، مخالفة سافرة للصورة التى رسمها حسن البنا لدور المرأة منذ نشأة الجماعة، أباح الإخوان لأنفسهم مخالفة الإمام وأشركوا المرأة فى السياسة وغيرها من المجالات التى لم تكن ضمن مسئولياتها التى لم تخرج عن البيت والأولاد والزوج، فى نفس الوقت الذى حافظوا على النظرة الدونية للمرأة داخل الصف الإخوانى ولم يمنحوها فرصا متساوية أو حتى مقاربة لفرض الأخ.
المرأة فى الإسلام.. المرأة فى الإخوان
فى تلك الرسالة تحدث الإمام حسن البنا عن مكانة المرأة فى الإسلام قائلا:
«أولا: الإسلام يرفع قيمة المرأة ويجعلها شريكة للرجل فى الحقوق والواجبات وهذه قضية مفروغ منها تقريبا، فالإسلام قد أعلى منزلة المرأة ورفع قيمتها واعتبرها أختا للرجل وشريكة له فى حياته هى منه وهو منها «بعضكم من بعض»، وقد اعترف الإسلام للمرأة بحقوقها الشخصية كاملة وبحقوقها المدنية كاملة وبحقوقها السياسية كاملة أيضا وعاملها على أنها إنسان كامل الإنسانية له حق وعليه واجب يشكر إذا أدى واجباته ويجب أن تصل إليه حقوقه، والقرآن والأحاديث فياضة بالنصوص التى تؤكد هذا المعنى وتوضحه».. «رسالة المرأة المسلمة».
ورغم ما ذكره الإمام البنا هنا مُقرا ومعترفا بأن للمرأة مكانة كاملة وأهلية غير منقوصة فى الإسلام، عاد بعد ذلك ليدلى برأى شديد التناقض، رأى يحدد به دور المرأة بحيث لا يتعدى جوانب بيتها وشراشف الأسرة، ويتمادى ليحددها ما على المرأة أن تتعلمه وما لا يجب ومقدار ما سوف يتم السماح لها بتعلمه.
أبام الإمام للمرأة تعلم أعمال المنزل فقط، ومنع عنها باقى العلوم أباح لها شذرات من العلوم التى فى رأيه لن تفيدها فمكانها الطبيعى البيت حسب رأيه الشخصي، فأى فائدة ستعود عليها من معرفتها بالقوانين والعلوم الطبيعية وغيرها من العلوم؟!
يقول الإمام مكملا رسالته عن المرأة المسلمة من منظوره الإخوانى:
«ومن حسن التأديب أن يعلمهن ما لا غنى لهن عنه من لوازم مهمتهن كالقراءة والكتابة والحساب والدين وتاريخ السلف رجالا ونساء، وتدبير المنزل والشئون الصحية ومبادئ التربية وسياسة الأطفال وكل ما تحتاج إليه من تنظيم بيتها ورعاية أطفالها.. أما المجالات فى غير ذلك من العلوم التى لا حاجة للمرأة بها فعبث لا طائل تحته، فليست المرأة فى حاجة إليه وخير لها أن تصرف وقتها فى النافع المفيد، ليست المرأة فى حاجة إلى التبحر فى اللغات المختلفة، وليست فى حاجة إلى الدراسات الفنية الخاصة، فستعلم عن قريب أن المرأة للمنزل أولا وأخيرا، وليست المرأة فى حاجة إلى التبحر فى دراسة الحقوق والقوانين، وحسبها أن تعلم من ذلك ما يحتاج إليه عامة الناس».
حسن البنا كمؤسس لجماعة الإخوان المسلمين يذكر هنا مكانة المرأة فى نظر التنظيم الإخوانى والذى يخالف الشرع والتشريع الإسلامى تماما والذى أقره هو بنفسه من قبل.
وهنا لابد أن نتساءل: من المخطئ؟
إخوان اليوم الذين التزموا بتعاليم المؤسس فى حقبة زمنية معينة، ثم خالفوها ليستخدموا المرأة فى كل شيء تحت دعوى خدمة الحركة؟
لو كان هذا يكونون إما مخالفين لتعاليم الإمام مؤسس الحركة الذى يتبعون كلماته ورسائله بدقة شديدة، أو أن الحركة نفسها ليس لها ثوابت تميزها عن غيرها من الحركات، وأنها تنتهج مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.
ربما يزعمون أنها المرونة التى يدعون أن الجماعة تتميز بها، فلماذا إذا لم نر تلك المرونة فى التعاطى مع الجوانب الأخرى التنظيمية والفكرية للجماعة؟
لماذا لم تظهر المرونة لتعطى المرأة مكانة مساوية - أو حتى مقاربة - لمكانة الرجل داخل الصف الإخوانى إذا أثبتت جدراتها فى الجوانب الإدارية والتنظيمية؟
لماذا لم تتجل المرونة فى إشراك الاخوات فى مكتب الإرشاد مثلا والذى مازال مقصورا على الرجال فقط؟
لماذا كان دوما مجال المرأة هو المجال الوحيد الذى يبيحون لأصغر عضو فيهم أن يظهر قدرته فى السيطرة على دورهن بما يخدم دور الرجل الأخ فقط صعودا إلى قمة الهرم التنظيمى؟
ولو لم يكن إخوان اليوم هم الجانب المخطئ لمخالفة رسالة الإمام، يكون الإمام حسن البنا نفسه هو المخطئ حينما كتب رسالته الخاصة بالمرأة وتجرأ فيها على تحديد ما لم يحدده أو يحرمه النص القرآنى ولا السنة النبوية المطهرة.
هل أراد الإمام قصر دور المرأة على أن تكون وعاء لشهوة الرجل ومفرخة لتفريخ الأطفال؟
لقد أراد البنا أن يلزم النساء برأى بدا له أن يتبعه وهو لم يبلغ السادسة عشرة من عمره عام 1924 بعدم مواصلة تعليمه، قبل أن يتخلى عنه ليبدأ دراسته فى دار العلوم، يذكر هذا الإمام البنا بنفسه تحت عنوان «رأى فى العلم والشهادات»:
«فكنت فى صراع عنيف: هذه الرغبة الملحة تدعونى إلى الاستزادة من طلب العلم، وإرشادات الإمام الغزالى وتعريفه العلم الواجب بأنه العلم المحتاج إليه فى أداء الفرائض وكسب العيش، ثم الانصراف بعد ذلك إلى العمل تدعونى إلى الأخذ بالضرورى وترك ما سواه وعدم ضياع الوقت فيه «مذكرات الدعوة والداعية».
وتمر السنون ويعود الإمام إلى رأى الغزالى نفسه والذى وجد لنفسه منه مخرجا وهو صبى ليطبقه على النساء.
أراد أن يلزم النساء بالضرورى من العلم فقط، والذى قام بتحديده بنفسه أيضا بما يمكنها من أداء دورها البيولوجى فى الحمل والإرضاع وترتيب المنزل.
لقد ناقض الإمام كلامه هو نفسه عندما تحدث عن المنهج الذى كان يتم تدريسه فى مدرسة أمهات المؤمنين التى أنشأتها الجماعة فى الإسماعيلية، موطن ظهورها الأول:
«.. كان لاستقرار العمل فى معهد حراء الإسلامى أثر طيب فى إنشاء مدرسة للبنات أطلق عليها اسم «مدرسة أمهات المؤمنين» واستؤجرت لها دار فخمة مناسبة، ووضع لها منهاج عصرى إسلامى يجمع بين أدب الإسلام وتوجيهه السامى للفتيات والأمهات والزوجات، وبين مقتضيات العصر ومطالبه من العلوم النظرية والعملية.
أدت المدرسة رسالتها حتى تسلمتها بعد ذلك وزارة المعارف وهو ما يعكس اهتمام الاخوان ورعايتهم للمرأة منذ قيام الجماعة، واعتبار المرأة نصف المجتمع ومربية للنصف الآخر، ولها حقوق الرجل نفسه فى الحياة من تعليم وثقافة وحرية وعيشة كريمة، مع التزامها بدينها وواجباتها تجاه أسرتها ومجتمعها».. «مذكرات الدعوة والداعية».
إذا كان الإمام فى بداية تكوين الجماعة يعترف بأن للمرأة نفس حقوق الرجل فى التعليم والحياة، وكان يعلم أن هناك مقتضيات للعصر يجب أن توافقها المناهج وتتماشى معها وهذا فى حد ذاته من أساليب التربية الناجحة والتعليم الحديث.
فلماذا بعد ذلك يلجأ إلى تحديد ميادين العلم ومقداره بالنسبة للمرأة فى رسالة المرأة المسلمة؟
لماذا ضيق واسعا فيما تعلق بالنساء؟
هذا غريب من الإمام البنا الذى كان متبحرا فى دروب الفقه والتصوف منذ صغره، ومن المؤكد أنه لم يكن يجهل سيرة النساء فى صدر الإسلام اللواتى شاركن بنصيبهن فى الجهاد متحملات عواقب اختيارهن من خير وشر.
الإسلام رسم ووضع الأساس الثابت العام، وترك اللبنات الصغيرة يشكلها الفرد بنفسه وفق حاجاته وظروفه فكيف يأتى الإمام ويتدخل فيما تركه الشرع مباحا فى الأصل؟
ولماذا حرص منذ البداية على إبعاد المرأة عن أى منصب إدارى أو حتى مجرد التفكير أو التطلع للأمر كما ذكر محمود عبدالحليم؟
وما طبيعة المجتمعات النسائية التى كان الإمام يتعلل بها لاقصاء المرأة عن تولى المناصب الإدارية؟
وإن كان ذلك تخوفا على المرأة فلم أصر على انضمام الحاجة زينب الغزالى بجمعيتها التى أنشأتها تحت اسم «جمعية السيدات المسلمات» لتعمل تحت اسم جماعة الإخوان؟ ولماذا عرض عليها أن تتولى منصب رئيسة قسم الاخوات المسلمات بجماعته والذى لم يكن وقتها ظهر إلى حيز الوجود؟
ولماذا رفض أن تظل جماعة السيدات المسلمات «كجمعية مستقلة فى نفس الوقت الذى تدين فيه بالولاء له»؟
حتى الآن يبقى موضوع مكانة المرأة نقطة ضعف تثار حولها النقاشات داخل الجماعة التى انقسمت إلى فريقين فيما يخص هذا الموضوع ففريق يقر بأن للمرأة دورا مثل الرجل وفريق - وهو الجانب الأقوى - لا يعترف بأن لها دورا خارج جدران البيت وهذا ما أشارت إليه السيدة جيهان الحلفاوى قائلة: «الجماعة بها تياران ينظران للمرأة نظرة مختلفة أحدهما متفهم لدور المرأة السياسى والدعوى، ومنطلقاته، وكيفية معاملة الرسول للنساء، حيث كان بجانب النخبة من الذكور التى كان يستشيرها الرسول نخبة نسوية يستشيرها أيضا، وهذه هى الرؤية الغالية فى التنظيم»، «لكن هناك رؤية ذكورية داخل التنظيم تنظر للمرأة على أنها مجرد ربة منزل هدفها تربية الأولاد تربية إسلامية وينتهى الأمر، ومثل هؤلاء وصل تسلطهم داخل الجماعة إلى حد منع زوجاتهم من الذهاب إلى الصلاة في المسجد».
المجتمع فى المنظور الإخوانى
لم يكتف الإمام البنا بذكر تصوره عن المرأة ودورها فى المجتمع فبعد أن حدد فى رسالته ما يسمح به النسق الإخوانى للمرأة، تطرق إلى المجتمع عامة قائلا:
«لهذا نحن نصرح بأن المجتمع الإسلامى مجتمع فردى لا زوجى وأن للرجال مجتمعاتهم وللنساء مجتمعاتهن».
ويجعلها قاعدة عامة متعللا بقوله:
«كل ذلك إنما يراد به أن يسلم الرجل من فتنة المرأة وهى أحب الفتن إلى نفسه، وأن تسلم المرأة من فتنة الرجل وهى أقرب الفتن إلى قلبها».
تجاهل الإمام ذكر خروج المرأة فى مذكراته ولكنه لم يكن ليتجاهله أبدا لو وقع ما يشين منهن ليدلل على لزوم حسبهن فى البيوت حتى يأتيهن ملك الموت.
لربما يقول قائل، لقد خرجت النساء منتقبات محتشمات ثم رجعن سافرات الوجه بعد أن خلعن نقابهن، ولكن حتى ولو سلمنا بهذا فكم حالة تحرش تعرضت لها يومها نتيجة كشفع وجوههن؟
ثم دخلت المرأة الجامعة عام 1928 وجاء تأسيس جماعة الإخوان فى نفس العام على سبيل المصادفة.
كانت هناك رغبة لدى الجميع فى المشاركة فى الحياة وفى إثبات الذات والحصول على الحقوق التى تم حرمانهم منها: المرأة تريد إثبات أهليتها المنقوصة، والإخوان لديهم رؤى إصلاحية وطموحات نحو أهداف بعيدة تؤدى فى النهاية إلى استعادة دولة الخلافة.
فى تلك الظروف كان حريا بالإمام أن يترفع عن تكبيل المرأة بقيود إضافية، فى مرحلة كانت تجاهد فيها للحصول فقط على شذرات من بعض حقوقها ككائن حى.
أتعجب من الدواعى التى جعلت الإمام يستكثر على المرأة أن تنال بعض الحقوق التى مارستها فى عهد النبوة الأول!
فلماذا أراد الأمام النكوص بالمرأة إلى عصور الظلام والوأد؟
ألم يقل الإمام نفسه: «واعلموا أن دين الله أوسع وأيسر من أن يتحكم فيه عقل فرد أو جماعة، وإنما مرد كل شيء إلى الله ورسوله وإمامهم إن كان لهم جماعة أو إمام». «مذكرات الدعوة والداعية».
كان حريا بالإمام أن يواصل إعطاء المرأة حقوقها التى أباحها الشرع ولا يضيف على قيودها الفعلية قيودا متوهمة منه، هكذا كان تاريخ المرأة موضع صولات الرجال وميدان تنافسهم فى فرض القيود عليها، لم يختلف فى ذلك من كان له مرجعية دينية مثل الإخوان عن غيرهم ممن لهم مرجعيات مخالفة.
ومن الملاحظ أيضا الرغبة الشديدة لدى الإمام البنا للفصل بين الجنسين فصلا تاما، ربما يرجع هذا لأنه صدم عندما رأى صورة المجتمع الجديد المغايرة لكل ما اعتاد عليه كشاب ريفى جاء من بيئة قروية محافظة إلى القاهرة المنفتحة والمليئة بالمتناقضات ولذلك جاء رد فعله قويا بالاعتقاد أن الفصل بين الجنسين هو أسلم حل لمواجهة الفتن.
وبهذا لا يمكن وفق أى منطق الحكم على الجميع بأنهم مجرد أعضاء مؤنثة ومذكرة تهيم فى الشوارع تبحث عن لحظات التلقيح أو المعاشرة الجنسية كالقطط فى الشوارع، وأنه من الأسلم ممارسة سياسة الحجب الكلى والفصل التام بين تلك الأعضاء.
كان الأجدر به مثلا أن يتدرج فى التوجيه فيبدأ مثلا بالمناداة بالاحتشام فى الملابس، وغض البصر، ذلك القول المذكور فى القرآن الكريم لحكمة يعلمها الله، أنه سيكون هناك اختلاط بالفعل تفرضه الظروف المعيشية، ولا حل سوى غض البصر للجميع، لا الحجب والفصل كما أراد الإمام البنا الذى ربما لو امتد به الأمل أكثر لطالب بسماء للنساء وأخرى للرجال، منعا للتشبه والاختلاط!
ولربما أرسل خطاب شكر للدولة التى لا تطبق تعاليمه بعدم الاختلاط إلا فى مصلحة السجون فخصصت سجونا للنساء وأخرى بعيدة للرجال!
الجزء الثانى من مذكرات أخت سابقة
الإمام مجدد ومصلح؟!
ليقل قائل، لقد أراد الإمام الإصلاح لما وجده من فساد فى المجتمع وقتها، والذى يتحدث عنه قائلا:
«وقد وجدت فى نفسى على إثر ما شاهدت فى القاهرة من مظاهر التحلل والبعد عن الاخلاق الاسلامية فى كثير من الأماكن التى لا عهد لنا بها فى الريف المصرى الآمن، وعلى إثر ما كان ينشر فى بعض الجرائد من أمور تتنافى فى التعاليم الاسلامية ومن جهل بين العامة بأحكام الدين....» (مذكرات الدعوة والداعية)، يكون الرد المنطقى بالبحث عن كلمة إصلاح ومعناها ومدلولها:
«فالإصلاح هو عملية امتداد متبادلة ومتوالية بين أفق الجماعة وآفاق الافراد، والمصلح هو من يستطيع ان يعرف الخير والأخلاق وما يجب أن تكون ليحولها الافراد الى معايير وقيم كائنة، وبذلك نستنتج ان الاصلاح الاجتماعى هو نتيجة طبيعية لتواصل افراد المجتمع وهو ايضا عملية مستمرة تتجسد دائما فى امتداد الافق الجماعى الكلى للمجتمع» (ص78 «نظرة ديناميكية فى علم النفس والقيم»، دكتور فيصل قدرى 1989).
وبنظرة متأملة نجد ان الامام خالف معنى الاصلاح لانه أنكر عملية التبادل والتوالى بين الافراد، فقد فصل المجتمع نفسه الى دائرتين منفصلتين، واحدة مؤنثة وأخرى مذكرة، وكل دائرة منغلقة على نفسها أو هكذا فى رأيه يجب أن تكون والفرصة الوحيدة لإمكانية التواصل بين الدائرتين هى فرصة الزواج.
إذا، لايوجد كيان مجتمعى من الممكن ان نطبق عليه عملية الاصلاح من الاساس، الا اذا اخترعنا نموذجا يوافق هوى المنظر واتباعه فى تلك المرحلة.
تلك الحساسية المفرطة من الامام تجاه النساء لا أجد لها مبررا من واقعه الشخصى الذى نعرفه، فالنموذج الاول للمرأة الذى نعرفه فى حياة الامام وهى أمه كانت تتمتع بمكانة وحضور، فأمه كانت سيدة فضلى لها قول فى مسيرة الاسرة، وهى التى صممت على ألا تتركه بمفرده فى القاهرة بعد حادثة الاعتداء عليه من زميل حقد على تفوقه عليه فى دار العلوم وكانت هى السبب فى انتقال كل الاسرة من المحمودية الى القاهرة.
ومن المثير للاهتمام فعلا ان الإمام فى كتابه «مذكرات الدعوة والداعية» يسرد حياته ومسيرته مع الجميع والاصدقاء وغيرهم على مدار سنين عمره الست عشرة التى سبقت سفره الى القاهرة، دون أن يذكر مرة واحدة موقفا أو انطباعا أو احتكاكا جمعه عن قرب بالعنصر النسائى على الاطلاق، لقد تجاهل الامام وجود المرأة تماما.
لم يذكر مثلا ان هناك امرأة تسكن القرية أو تعبر الطريق أو انهم قدموا المساعدة لعجوز مثلا، ومن المعلوم ان مجتمعه كان ريفيا، والمرأة فى الريف تعمل مثلها مثل الرجل وأكثر منه فى الحقول وجلب المياه، ولذلك ليس من الطبيعى ابدا أن تكون ذكريات ممتدة من مرحلة الطفولة الى المراهقة وأعتاب الشباب دون احتكاك من أى نوع مع نصف المجتمع المؤنث!
فلو تغاضينا عن مرحلة الطفولة المجهولة، فهل نتغاضى عن مرحلة المراهقة والبلوغ ولا يتملكنا الفضول لنعرف كيف مرت على الإمام أو أحد من أصدقائه دون شعور ولو عابر بنزعة ما تجاه اكتشاف الوجه الآخر لخلق الله؟
أليس الإمام قدوة، ومجددا، ومصلحا الى آخر الالقاب التى يروق لأتباعه ترديدها؟
اذا كان حريا به أن يرشدنا لما حدث معه واصحابه كى نتعامل مع أولادنا الذكور، فيما يتعلق بصلاتهم بالجانب المؤنث من المجتمع فى مرحلة الفوران الجسدى المصاحب للبلوغ الطبيعى، خاصة ان ما بيدنا من مذكرات هى اعادة لما كتبه الإمام البنا فى الاصل.
ألم يكن من المستدرك حين قرر كتابة المذكرات مرة أخرى أن ينوه على تلك الامور فيكون هديه شاملا لمقاومة نزعات الميل الفطرى تجاه النساء؟
تجنب الإمام البنا ذكر اى شىء من هذا القبيل فى مذكراته، رغم أن الرسول نفسه حكى كيف نازعته نفسه وهو صبى ليترك رعى الأغنام ليذهب ويشاهد مجلسا من مجالس اللهو، وذكر كيف ان الله أنزل عليه النعاس وفاتته مشاهدة حفل العرس وفرصة السمر كأقرانه من الشباب «.... قلت ليلة للغلام الذى يرعى معى الغنم بأعلى مكة: لو أبصرت لى غنمى حتى ادخل مكة وأسمر بها كما يسمر الشباب، فقال: افعل، فخرجت حتى اذا كنت عند أول دار سمعت عزفا، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: عرس فلان بفلانة، فجلست اسمع، فضرب الله على أذنى فنمت....» رواه الطبرى: 2/297 وغيره.
الرسول عرفنا انها طبيعة إنسانية ان تجنح النفس، ولذلك كانت تعاليمه كلها متدرجة تربى النفس وتهذبها وتلك كانت عظمة بشرية الرسول القدوة.
وقفة مع تربية المراهق الإخوانى
تربية الشباب داخل الصف الاخوانى بداية من مرحلة المراهقة، لا تتيح لهم التعامل مع نزعاتهم الطبيعية صراحة، بل تتمحور حول كلمة التعفف وتجنب الاختلاط بالفتيات حتى تتاح فرص الزواج، فيتعود الشاب على مقاومة نزعاته الطبيعية بالصوم وهو يردد الاحاديث النبوية عن السبعة الذين يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل الا ظله، ومنهم الشاب الذى تعرض للإغراء من امرأة ذات مال وجمال فقال إنى أخاف الله، ويبقى يجاهد نفسه فى الفترة التى تسبق الزواج ولكن مهما بذل الشاب من جهد فى غض بصره فلن يفلح ابدا فى مقاومة النظر ولو بصورة عابرة لما يبدو حوله من نماذج للفتيات الجميلات، وهذا يخلق لديه صورة متوهمة فى ذهنه ان الفتاة الأخت التى سيتزوجها والتى تلبس الملابس الفضفاضة والحجاب الذى يمتد الى ما بعد منطقة الصدر، تمتلك نفس مقاييس الاجساد الشهية التى يعاينها فى حياته اليومية، وانها تجيد فنون الإغراء التى بذل عمره مقاوما إياها فى الشارع والجامعة ووسائل المواصلات ثم اذا ما تزوج، راح يبحث عما توهمه ليفاجأ انه يتعامل مع شىء لم يحدثه احد عنه، عن عالم جديد وخبرات تتعلق بإثبات ذكورته التى لم يخبره احد عنها، فقد جاءت كل خبراته الجنسية من كتاب «تحفة العروس» الذى أوصوه وعن استحياء بقراءته، ثم اخبروه أن يصلى مع عروسه ركعتين فى أول ليلة وان يردد داء الجماع عند معاشرته لها، ولم يخبره احد عما يحدث بين الزوج كرجل والزوجة كأنثى، والاخت الزوجة كما تعودت، فالحياء زينة المرأة تنتظر منه المبادرة فى كل شىء والا وقعت فى دائرة الظنون والشك.
فى حالة اعرفها لشاب من الإخوان من هذا النوع،اراد طلاق زوجته والتى اختارها بنفسه بعد وقت قصير من زواجهما وبعد نقاشات سرية معه عن سبب الطلاق، تبين انه رسم لنفسه صورة لمقاييس صدرها وجسدها كما رأى فى الشارع وفى اعلانات الفاتنات ثم تفاجأ بأن ما رسمه شيء وما رآه شيئاً آخر، ولولا تدخلات من هنا وهناك واقتراحات وإيحاءات عن كيفية تجاوز الأمر لتم الطلاق.
وهذا نفسه ما يحدث مع الفتيات فهن يستمعن الى دروس عن طاعة الزوج وعن لعن الملائكة للمرأة التى تمتنع عن زوجها فى الفراش، ولذلك تأتى العلاقة الزوجية من مفهوم الصبر على شىء، غير مرغوب فيه مخافة لعن الملائكة، ومن ثم الحرمان من الجنة، العلاقة الزوجية يتم تقديمها الى الفتاة على أنها شىء تستقبله لأنه رغبة الزوج والتى لابد أن تلبيها حتى لا يقع فى الحرام، ولذلك تأخذ الفتاة موقف المتلقى السلبى، فطالما هى رغبته هو فليفعل ما يشاء وهى ستطيعه كما تعلمت وستتزين له وتنتظره لأنها مهمتها، أى تحولت العلاقة الحميمة المتبادلة الى حالة سلبية من طرف واحد تؤديه المرأة، لا محبة فى كونها حالة التكامل بينها وبين شريك حياتها، بل مخافة الحرمان من الثواب الأخروى.
وكما تلقت فى الدروس الاخوانية فإن هدف الزواج هو تأسيس اسرة بإنجاب الاطفال، وهكذا تستعد للانجاب من قبل الزواج، ولذلك عندما يحدث الزواج الثانى تتحدث الزوجات شاكيات عن انعدام السبب من وجهة نظرهن فهن أتقن دورهن وأنجبن البنين والبنات، تماما كما تدربن وتربين فى تربيتهن الاخوانية على أن هذا هو قوام الاسرة المسلمة، فلماذا بعد أن أدين أدوارهن بكفاءة يفاجأن بزواج أزواجهن مرة ثانية وثالثة؟
ربما تكون النظرة للمرأة من الاساس منقوصة حتى وان اثبتت احقيتها بالتكريم والتقدير، وهذا ما يدلل عليه موقف ذكره الإمام البنا فى مذكراته عن فترة دراسته فى دمنهور الممتدة من 1920 الى 1923.
ذكر الإمام البنا الحاجة «خضرة شعيرة» صاحبة البيت التى اخفته مع أصدقائه وأنكرت وجودهم عندها لتحميهم فما كان منه الا أن خرج ليفضحها امام الضابط ويضعها فى موقف حرج يعترف به هو نفسه:
«فخرجت الى الضابط السائل وصارحته بالامر وكان موقف الحاجة خضرة حرجا للغاية».
ذكر الامام الموقف المتعلق بالحاجة خضرة جاء من باب التعالى على كذب النساء، لا من أجل حفظ الجميل للسيدة التى عرضت نفسها للخطر.
جاء الإمام بالمثال ليعلم اصحابه الصدق على حد زعمه ولو ضحى بامرأة ضعيفة لم ترد غير حمايتهم.
إذا المبدأ فى كل النزعات الجديدة واحد، لا ضير من سقوط بعض الضحايا فى سبيل انجاح الحركة.
ولكن هذا مبدأ الحركات السياسية والثورات البدعية، وليس من مبادئ الاسلام الذى أباح هذا النوع من الكذب من باب درء المفاسد والحفاظ على الارواح.
وهناك امثلة فى هذا الصدد نعرفها جميعا، ومنها أنه عندما علم الرسول الكريم ان كفار قريش يعرضون على سمية بنت خباط ان تنطق بكلمات الكفر وتسب الرسول فى مقابل تخليصها من العذاب، ارسل إليها أن تفعل طالما وقر واستقر الايمان فى قلبها، ولكن سمية بحريتها الشخصية أبت وفضلت الشهادة فى سبيل الفكرة التى اعتنقتها قلبا وقالبا، فهانت أمامها كل صنوف العذاب.
وعندما اضطر عمار بن ياسر تحت وطأة التعذيب أن ينطق بكلمات الكفر كاذبا، ندم كثيرا وشعر بالخجل، ولكن الرسول هون عليه لأنه كان فى حكم المضطر فقد ماتت أمه سمية أمام عينيه من شدة التعذيب.
والحاجة خضرة فى موقفها مع الإمام واصحابه كانت مضطرة لإنكار وجود الصبية فى بيتها لتحميهم، الحاجة خضرة بفطرتها البسيطة عملت بالاسلام الصحيح لانه دين الفطرة وليس دين المنظرين فقط من الاخوان وغيرهم.
فى القاهرة يجىء اخيرا أول احتكاك فعلى بامرأة فى مذكراته، احتاج اليها الإمام كى تكشف على عينيه وتساعده ليعمل نظارة طبية تمكنه من اجتياز امتحانات القبول بدار العلوم، يذكر هو ذلك فى مذكراته قائلا: «تحدثت اليهم عن رغبتى وعن حاجتى الى من يرشدنى الى طبيب لأصنع نظارة طبية، فتطوع معى احدهم وقام من فوره الى عيادة دكتورة يونانية فيما أظن ولكنها متمصرة، وصفها بالحذق والمهارة وانها صنعت له نظارة مناسبة مع اعتدال القيمة، وعندما وصلنا اليها بدأت عملها...».
إذا السبب فى نجاحه فى الاختبارات التي رسب فيها غيره هى تلك النظارة من صنع تلك الطبيبة السيدة الحاذقة الماهرة، لقد رضى الامام لنفسه وهو تلميذ المدرسة الحصافية ان يسلم وجهه لأنامل امرأة طبيبة، أليس من الافضل اذا للنساء المسلمات أن يواصلن تعليمهن كى ينافسنها ولا يكن فى يوم من الايام تحت قبضة أنامل رجل طبيب؟
لماذا اذا كل هذه الحساسية من موضوع المرأة!
هل ما رآه من انحلال فى المجتمع يعد مبررا لإصدار آراء وتعليمات على النقيض تماما بالغة حد التطرف والشطط؟
أين التدرج فى التحريم والمنع الذى سار عليه الشرع ذاته فى تحريم الخمر مثلا؟
هل المرأة فى نظره عورة لا يسترها الا زوج أو قبر؟ متأثرا بحديث ذكره الغزالى:
«للمرأة عشر عورات فإذا تزوجت ستر الزوج عورة واحدة، فإذا ماتت ستر القبر العشر عورات» (أبوحامد الغزالى الزواج الإسلامى السعيد ص109) أم ان المرأة فى المنظور الإخوانى تهمة وجريرة ينبغى التبرؤ منها؟
عائشة أم المؤمنين، كان الرسول يتحدث عن حبه لها علانية، ولم يتعامل معها كأنها عورة ولابد من اخفائها مثلا.
روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما أن عمرو بن العاص سأل النبى:
أى الناس أحب إليك يا رسول الله؟
قال: عائشة، قال: فمن الرجال؟ قال:أبوها.
إذا هذا هو الرسول المحب والحبيب.
ولكن الأمر يختلف فى الناموس الإخوانى، بل وبعد سنوات عديدة يجىء سيف الإسلام حسن البنا لينفى تهمة «النساء» عن والده قائلا: «برى الله والدى من حب الجاه والمال والنساء وقصة زواجه معروفة للجميع، لكن مع هذا فإن عواطفه كانت قوية وبلغت ذروتها من حيث الحنو على الأبناء، حيث كان يتمتع بحس مرهف فى التعامل معهم وهكذا كانت عواطفه فى التعامل مع الإخوان».
مع أن الرسول نفسه لم يخجل وهو يقول: «حبب إلى من دنياكم الطيب والنساء».
كاريزما التواجد الإخوانى
فى مدينتى الصغيرة الساحلية، كان هناك رموز للإخوان ينظر لهم الجميع باحترام واجلال، كان ذلك لاختلافهم عما اعتاد عليه أهل البلدة الذين لايعرفون صلات تجمعهم سوى القرابات والعائلات والنسب فقط، فجاء نموذج الإخوان المغاير، والتفافهم حول بعضهم البعض تحت راية شىء آخر، كان هنا الدين، جاء فريدا ويدعو الى الاعجاب.
تنوقلت حولهم وعنهم الحكايا التى تقص أنهم يكفلون بعضهم البعض بالمال والنفقات ويوفرون فرص العمل لشبابهم والازواج لبناتهم، مما زاد من هالة التبجيل والاحترام لهذا الشىء المجهول غير المألوف، وفى نفس الوقت أضافت سرية الاجتماعات التى لم يكن أحد يعرف آلياتها لا مناهجها البريق على كيانهم المنظم فجعل الانضمام لهم حلما للكثيرين.
كانت الابواب مفتحة امام الاخوان لإلقاء الدروس فى المساجد فى أيام الاسبوع المختلفة، وكان منهم من يتمتعون بكاريزما جذابة يلتف حولها كبار السن والنساء، أما الرجال من أهل البلدة فكان الأغلبية منهم يؤمنون بأنهم مكتملو الدين ولا ينقصهم دروس من أحد، ولذلك اقتصر دور الاخوان فى البداية على فئة المسنين والنساء اللواتى وجدن فى عظات الصبر على المكاره وعلى الاذى راحة نفسية عظمى نظرا لما كن يعانينه من قهر متوارث ويورث بطريقة آلية فى هذا المجتمع الساحلى المغلق، الذى لا يعترف أن للمرأة الحق حتى فى أن يكون لها اسمها المجرد كهدى أو نهى، بل لابد أن تكون أما لعادل أو حسين، ولذلك كان ميدان العمل مع المرأة ممهدا اكثر من غيره من الميادين فاتجه أغلب نشاط الاخوان الدعوى فى أول الامر الى المرأة.. ثم وبالتدريج بدأ نشاطهم يمتد ويجذب الانظار إليه.
كانت دروس الاخوان تكرس لطرح البديل الاسلامى المتمثل فيهم فقط، وكان تحركهم بالفعل منظما وممنهجا لبرمجة عقول العامة على تقبل ما يلقى عليهم فى الدروس الدينية التى تمهد لانتشارهم المخطط له.
جاءت الدروس لتطرح وتركز على مفهوم الطاعة، من موئلها الاعلى نزولا حتى الزوج الذى تفرد له اسابيع متصلة، والرقائق والأوراد اليومية التى كتبها الامام، أو شروحاتها التى كتبتها اقلام إخوانية بهدف تقديم الاسماء المراد تلميعها وتقديمها فيما بعد.
كان أسلوبهم يتراوح ما بين الترغيب والترهيب، وان كان التركيز على الترهيب لبيان عقوبة العصاة الذين لا يتمسكون بالطاعة والتسليم التام الذى يرتكز عليه فكر وكيان جماعة الاخوان، متخذين الترهيب من عذاب القبر وعقوبة تارك الصلاة مدخلا للتأثير على المستمعين.
اما الترغيب فكان دوما فى الجنات السماوية التى يتوهم السامعون ان الاخوان وحدهم يملكون مفاتيحها.
كانوا يعتمدون على الانشطة التى لها مردود مجتمعى دعائى مثل مسابقات حفظ القرآن الكريم والتى يقيمون لها الحفلات الدعائية، ويقدمون لها الجوائز المالية والعينية ويدعون إليها الدعاة من الاسكندرية المجاورة.
وبالتوازى كان هناك الحديث عن الجهاد حيث كان الجو مهيئا بما يحدث فى أفغانستان بعد غزو السوفيت لها فى 1979 ثم حروب البوسنة والشيشان وفلسطين.
وهكذا ما بين مفهوم الطاعة والجهاد، نجد امامنا من يسلم مقاليده للخطيب المفوه طائعا طامعا فى جنة علوية مفاتيحها فى يد جماعة الإخوان المسلمين.
كان التحرك المنظم والذى يتطلب نفقات ليست بالقليلة مثار تساؤلات ثم كثرت التكهنات عن وصول الاموال من جهات معينة منهم تعمل بالخارج لتأمين الانتشار الاعلامى الواسع بين فئات المجتمع، مما تسبب فى تركيز الانتباه عليهم.
وكان ذلك ايضا سببا رئيسا جعل فئة واسعة من الشباب تعمل جاهدة للانضمام تحت راية الجماعة، بغية التمتع بتلك الاموال التى يرون كيف انهم ينفقونها هنا وهناك على الامور التى تزيد من الدعاية للجانب الخدمى الذى يقدمونه للعامة.
تلك الفئة من الانصار لم يجذبهم سوى المكانة والميزة المعنوية والمادية التى تمتع بها افراد الجماعة فى ذلك الوقت، دفعهم لذلك الظروف الاجتماعية الصعبة والحالة المادية المتعثرة لأكثرهم لانهم رأوا كيف أن أعضاء الجماعة يتمتعون بنوع من الدعم المعنوى والمادى الذى رفع من شأن أفراد كان ينظر لهم بالمفهوم المتوارث للمدينة القائم على العصبية للعائلات، على أنهم من عائلات غير أصيلة أو عادية، فجاء الانتماء للجماعة لينسبهم الى كيان جديد يعطى البريق لأفراده ويعوضهم عن عقد الدونية التى عانوها فى المدينة التى تقدر الفرد إما لمكانة عائلته، والتى لم تستمدها الا من ثروتها أو من مساحة الارض التى يمتلكها حتى ولو من عائلة غير اصيلة حسب تقاليد المدينة.
ولكن المساعدات المادية الفعلية اقتصرت على أفراد الجماعة نفسها والتى مكنت الكثير من الزواج واقامة المشاريع التجارية التى ظهرت فجأة لتحسن أوضاعهم المادية، هذا وسط نظرات الاستغراب من أهل المدينة الذين يعرفون تماما العلم، المستوى المادى لكل فرد فيهم، وفى الوقت نفسه لو قرر الاخوان منح غيرهم شيئا، كانوا فقط يمنحون ما قد تم الاتفاق عليه مما يخدم الهدف الدعائى لتواجدهم وهو كالفتات، ولذلك كانت المساعدات ان ذهبت خارج نطاق الجماعة المغلق، فلتكن ملابس توزع علانية ليعرف عنها القاصى والدانى، أو جوائز لأوائل الشهادات فى احتفالات تملأ اعلاناتها المدينة.
كان الإخوان فى مرحلة استمالة القلوب وكسب تعاطف العامة وثقتهم فيما يسمونه «نشر عام» كتمهيد لمرحلة الضم والتكوين، كانوا فى مرحلة الاعداد للمستقبل الذى سيحتاجون فيه الكثير من الانصار والمعجبين والعمال، اكثر من حاجتهم للأعضاء أنفسهم الذين ظلوا يستأثرون بالميزات المادية والمعنوية كوارثين للمجد القديم والذى يعلواكثر عندما تتناقل الالسنة ان الشرطة اعتقلت منهم أحدا.
لم يكن الاخوان يتحدثون بصورة مباشرة عن نيتهم للترشح فى الانتخابات أو نيتهم للاشتغال بالسياسة، ولكنهم وفى نفس الوقت الذى كانوا فيه يلقون دروسهم عن حرب أفغانستان الاولى فى وجه الشيوعية، ثم البوسنة والهرسك والجهاد بصورة عامة، كانوا يغرسون فكرة العالمية الاسلامية والشمولية التى قام عليها الاسلام كدولة فى أوج قوته، يقارنون بين الحال اليوم وما كان عليه سابقا بأسلوب رائع يرمى الى نقد الحال السياسى الآنى المتردى، واظهار الحاجة لعودة حكم الاسلام، والذى لن يكون الا على يدهم كتيار سيتقدم لخوض الانتخابات بكل ثقله بعد أعوام قليلة.
وجد الشباب أنفسهم أمام نموذجين، نموذج الاخوان الذى انتشر سريعا مستغلا طبيعة المدينة المحافظة التى تنعت من ليس بمتدين ظاهريا بأنه كافر شيوعى، فكان لابد من ستار يتخفى حوله ضعاف النفوس والجيوب، ولم يكن هناك افضل من ستار التدين ليتخفوا وراءه، وان لم يلتزموا فعليا بتعاليمه، وتحول مظهر المدينة ليحاكى ملابس نساء الاخوان، والذى جعلها فى الثمانينيات تبدو فى الصباح وقت خروج الطالبات للمدارس وكأنه موسم الحج، فالجميع بغطاء الرأس الاخوانى بتفصيلته القديمة قبل التطوير.
والنموذج الثانى كان التيار الماركسى والذى لم يستطع ان ينتشر بصورة واسعة لانه اقتصر على دائرة ضيقة من المعارف والاصدقاء، وعندما حدث ما لم يتوقع احد وانهار الاتحاد السوفيتى الرمز، لم يبق غير الاخوان فى الساحة امام الجميع، صحيح كان هناك تواجد للاحزاب الاخرى مثل الوفد بجانب التجمع ولكنهم لم يتمكنوا من احتواء الشباب المتطلع نحو آفاق جديدة من الحرية والمعرفة، وايضا لم ينتبهوا لضرورة الالتحام بعامة المجتمع، مثلما فعل الاخوان بتركيزهم على الجانب الخدمى الدعائى الذى يجذب الانسان العادى.
ووقع الشباب فى التيه، ولم يجدوا من يأخذ بأيديهم فلا تواجد فعليا إلا للإخوان ومن الصعب ان يعتبروهم أعضاء لهم كل الحقوق التى يتمتع بها الآخرون فى صفوفهم.
خلا الجو اذا لكل من يقول أنا هو الطريق والحق والحياة، انا فقط الذى أعرف الله فاتبعونى أنا الفرقة الناجية، والباقى مبتدعون وزاد التيار السلفى الطين بلة، وعارض الكثير من أقوال الاخوان المنفتحة على حد زعمهم وظهرت الكثير من السجالات والصولات والجولات للفريقين.
ومع مرور الايام نجح الاخوان فى اثبات أحقيتهم بالانفراد بالساحة لانهم انخرطوا بالعامة، صحيح بمعايير معينة ولكنهم فهموا نفسية الغوغاء والدهماء التى تبحث عن مجرد وميض نور تسير خلفه حتى لو كان نورا ذاتيا منبعثا من احتراقهم هم انفسهم الغوغاء دون أن يشعروا، هذا ما أدركته بعد زمن عندما انضممت اليهم وعرفت ان التبرعات والاموال التى تجمع تحت مسميات اعمال البر، لها مصارف اخرى، للدعاية الانتخابية مثلا.
هذا ما كان يبدو لنا من الجماعة والتى رغم ذلك ظلت فيما بين افرادها شيئا، وامام الناس شيئا آخر، وكان هذا ظاهرا للعامة، ما هو مسموح به فقط تلك الدروس الممنهجة تحت هدف معين، اما غير ذلك فلا مجال لتعرف شيئا أو لتشاركهم شيئا، ما يسمحون لك بمعرفته تعرفه وفى الوقت الذى يحددونه هم فقط، كل ذلك كان يجرى ويزيدهم غموضا وسحرا بيننا.
الطبقية فى «الإخوان»
بات جليا أن النظام الطبقى داخل صفوف الجماعة يقف عاجزا جامدا لايعرف كيفية التعامل مع من لديهم موهبة ما، ولا يهمه حتى أن يحتويهم مراعيا نقاط تميزهم عن غيرهم، وايضا عاجزا عن التعامل مع من لديه فكر جديد متطور، ولا يقبل حتى مبدأ مناقشتهم فيما يعتقدون، ولا يسمح بتصعيد اسماء جديدة لا تتمتع بميراث شرف الاعتقال، فهناك اسماء بعينها موصى عليها لاعتبارات كثيرة لا تمت بصلة للجدارة والاستحقاق.
ولو تجرأ احد على الحديث فى الأمر تكون التهمة جاهزة بأنك لا تتمتع بالاخلاص فى الدعوة وأنك تعمل للشهرة لا لوجه الله، وان عملك شابه رياء السمعة والنفاق، وكأن خدمة الدعوة تتطلب أن تدفن نفسك كى يصعد عليك آخر لا يستحق، فقط لتثبت أنك أخ أو أخت مخلصة فى خدمة الإخوان!
ومن صور التكريس الطبقى فى التنظيم الاخوانى فرص الزواج المميزة، فبالاضافة الى الاسلوب المتبع فى تزويج الشباب والشابات المعتاد بينهم، كانت هناك الفرص الذهبية التى تستأثر بها بنات المبرزين منهم، تبعا لمكانة الوالد الادارية والمالية لو كان يعمل بالتجارة مثلا، فتحصل المحظوظة على افضل الخيارات وتذلل لها كل الصعاب حتى تفوز بأفضل العروض، لا يميزها سوى ميراثها من نفوذ ومال وبعض سنوات اعتقال والدها المناضل!!!
داخل الاسر ظهرت عقد النقص لدى البعض من المسئولات اللواتى وجدن فى اسرهن أخوات لهن مكانة علمية وأدبية نتيجة عملهن فى مجالات مختلفة مثل الطب والتدريس والهندسة فى حين أن المسئولة عنهن فى أحيان كثيرة اقل منهن فى هذه الناحية.
وهنا كان يظهر مدى التخلف فى إلقاء التكليفات على الاخوات، ليتساوى الجميع فى الأمر، فمثلا يتم تكليف «ح» الطبيبة بعمل اشكال من أوراق القص واللصق وكتابة بعض العبارات عليها، لجذب الفتيات مثلها مثل أى فتاة صغيرة من الزهرات.
كان من مساوئ نظام الاسر الطبقى أن ظهر نوع من التنافس على تولى قيادة الاسرة بهدف الحصول على مزايا التلميع الادارى والصعود الى طبقة جديدة لها من المميزات التى تجعل للمسئولة عن الاسرة فرصا واسعة للاختلاط بمجتمع الحرس القديم.
ومن الاشياء التى يتجلى فيها النظام الطبقى داخل التنظيم ما يمكن ان نطلق عليه طبقية الاهتمام والانفاق، فمن غير المتوقع ان تكون عضوا من العمال المساندين وتحصل على الاهتمام الذى يحصل عليه عضو من الحرس القديم، فلو حدث لك حادث او مات لديك احد أو تعرضت للافلاس أو للتسريح من عملك يكفيك جدا يوم من اهتمام بعض اعضاء الجماعة ممن هم فى نفس مستواك الطبقى داخل الجماعة يأتون كزائرين ثم ينقطعون فور اداء الواجب.
أما لو كنت من ورثة المجد القديم، فلن يغلق الباب من كثرة المساندين والمنفقين من رجالات الصف الاول والثانى وجوقة المرتلين من خلفهم وسيكون وضعك المالى افضل من عشرة أشخاص، وسيتكفلون بالانفاق على بيتك وعلى تزويج البنات وستكون دوما من المناضلين الخالدين.
بين بطرس الرسول وبطاركة الإخوان
كلما رأيت الاحتفالات والاحتفاءات التى يتم دس اسم الامام حسن البنا فيها، تبادر الى ذهنى بطرس الرسول، بطرس بشخصيته التى هيمنت على العصر الرسولى للمسيحية وشكلت كتاباته التى جعلها على هيئة رسائل، الاساس الذى قام عليه فكر اللاهوت المسيحى.
وكما كانت رسائل بطرس زاخرة بالطابع الروحانى الذى كان وقتها الوسيلة الفعالة والناجحة للتأثير على العامة الذين ضاقوا بالحياة المادية والفساد المستشرى، كانت ايضا رسائل الامام البنا.
وكما اهتم التابعون لبطرس برسائله وكتاباته الى الحد الذى جعل منها اصل العقائد المسيحية، جاء التابعون من الاخوان بعد وفاة الامام يريدون فعل الشىء نفسه، يريدون ارجاع كل شيء إلى «قال البنا ولم يقل»، يريدون اعادة تشكيل المجتمع، وكل شىء ليوافق ما وضعه البنا فى رسائله وكتبه، يريدون وضع النسق الذى كان منهاجا يناسب فترة الثلاثينيات والاربعينيات قبل مقتل الامام فى فبراير 1949، ثم اجتهادات التابعين من الحرس القديم ممن لهم نفس الفكر.
الفارق بين ما فعله بطرس وتلامذته وبين ما تفعله جماعة الاخوان، هو أن بطرس دون ما لم يكن مدونا، سجل بقلمه عن المسيح عليه السلام، أما الاخوان فكان لديهم القرآن والسنة، فاستعملوا سلاح الاجتهاد ليضعوا منهاجا جديدا باسم الجماعة مستندين على اصول شرعية لا تقبل النقاش كأصول ولكنها تقبل الاجتهاد فى الفهم وتجلى ذلك فى تحديد وتحجيم مكانة المرأة، والتنظيم الداخلى أو اللائحة الداخلية والتى تتعمد استخدام مسميات ومفردات اسلامية مثل البيعة والشورى وغيرهما لاضفاء هالة من القدسية عليها.
ولم يقتصر الامر على الاتكاء على رسائل الامام، بل لجأوا فى احيان كثيرة الى سياسة الانتقاء منها بما يوافق طموحاتهم الحديثة، تماما مثلما فعلت كل فرقة مع رسائل بطرس الرسول، ففى الوقت الذى اعتمد فيه مارتن لوثر على رسالة بطرس الى أهل روما ليثبت مبدأه أن الخلاص يكون بالإيمان فقط بدون الاعمال، اعتمد غيره على رسالة اخرى لإثبات العكس وهكذا.
هكذا الأمر اليوم بين الاخوان، رسائل الامام موجودة وبجانبها مئات الكتب التى كتبها من أطلقوا على أنفسهم انهم تلاميذه، كتبوا وألفوا مستفيدين من اسم البنا الذى لم يكن يعلم انه سيكون كبطرس الرسول، يأتى بعده من يعطى لنفسه الحق لأن يكتب ويوقع باسم الامام الراحل، وتطبع دور النشر الاخوانية الكتب وتوزعها داخل الاسر كمناهج ودروس اضافية وتكتمل دائرة التمويل الداخلى.
ورحل البنا وجاء بعده ايضا رجال مكتب الإرشاد الذين ظنوا انهم فى مرتبة لا يجب ان يطمح اليها أحد، وأن كل فروض الطاعة والولاء لابد أن تكون من المسلمات.
وكما ظهرت مراتب متفاوتة من القساوسة منهم من احتكر الغفران فى غرف الاعتراف ظهر الاداريون من الاخوة الرجال الذى يتحكمون فى المناهج وفى التصعيد، وفى كل شىء يتعلق بالمرأة بل فى تصعيد الجيل الجديد من الشباب الذين فوجئوا بالنظام الداخلى الذى يكبلهم فى نفس الاطار القديم المتوارث.
وظهر من منظرى الاخوان من يعيد تفسير اقوال الإمام وتحميلها ما لا تحتمل ويتجاهلون منها ما لايوافق أهدافهم فى تلك المرحلة فتخرج الكتب تفسر مرة تعاليم الامام على أنها منهج تربوى لرجال التربية ومرة أخرى على أنها دستور للحكم وغيرها فمثلا نجد مثل هذه العناوين، منهجية البنا بين النهجين: الإصلاحى والتغييري، الإمام البنا والحقيقة القرآنية، الفكر السياسى للإمام حسن البنا، كل ذلك لتكثر المطبوعات والاصدارات التى تدر اموالا على فئة معينة فقط.
بل ان اعضاء مكتب الارشاد ومجلس شورى الجماعة احاطوا انفسهم وأحاطهم المقربون منهم بهالة من القدسية تحرم حتى مناقشتهم أو مراجعتهم فى موقف من المواقف، وان تجرأ أحد على ذلك تهب كتيبة العمال من شباب الاخوان لمهاجمته قدحا وذما مناصرين للرمز الاخوانى متذرعين بالحفاظ على ميثاق الجماعة ووحدة الصف، ومرددين عبارات جوفاء اكتسبوها من خلال تربيتهم الاخوانية القائمة على إلغاء العقل الناقد المفكر واعمال العصبية لرمز وكيان أسمى وهمى اسمه جماعة الإخوان المسلمين.
الإخوان بين السياسة والتربية
لقد كان للإخوان منهج تربوى دعوى قصدوا به الرقى بالمجتمع واحواله عن طريق تربية افراده أولا تربية اسلامية صحيحة تسمو بخلقه وسلوكه.
«ان غاية الاخوان تنحصر فى تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الاسلام الصحيح يعمل على صبغ الامة بالصبغة الاسلامية الكاملة فى كل مظاهر حياتها».. (مجموعة رسائل الامام).
لم تكن لعبة السياسة والحكم من المراحل التى بدأت بها جماعة الاخوان ولا الدعوة المحمدية الاسلامية نفسها ولكن الآن والفرد فى أمس الحاجة لقبس من نور، يتركونه منشغلين بتعاطى السياسة ومنازعة الحكومة فى مرحلة هى سابقة لوقتها.
نعلم ان لحظة المواجهة مع الغير تتطلب مقومات ليست موجودة الآن، فلا عدد افراد الجماعة يتلاءم مع عدد افراد باقى الشعب، والاحصائيات التى تشير الى اعداد الجماعة، وعلى الرغم من أنها لا تخرج عن كونها استنتاجات الا أنها تدل على أن الجماعة وان اثبتت تواجدها اعلاميا فهى ليست بكافية.
ففى بعض التقديرات فإن الجماعة تضم ما بين 500 ألف و600 ألف عضو مسجل، يضاف اليهم 400 ألف و500 الف نصير وداعم ويشكل العنصر النسائى ما بين 25و30 بالمائة.
هذا من جانب عدد الافراد اما من جانب العنصر المكانى فالارض التى يتحركون عليها لا تدين لهم بالولاء، ولم يصل الفكر العام لمرحلة التشبع بالفكر الاخوانى والذى يضمن المناصرة منه، وطالما لا تتوافر تلك المقومات فأى صدام مع الحكومة يعتبر تعجلا وتكالبا على الدنيا والسلطان تحت عباءة الدين الاسلامى.
اتمنى فقط أن يعود الاخوان الى الشق الدعوى الاساسى الذى قامت من أجله وعليه الدعوة، اتمنى العودة الى تربية الفرد والانشغال بهذا اكثر من الانشغال بالسياسة التى ادت الى سوء تربية افراد الجماعة والانشغال عن المجتمع كله، هذا المجتمع الذى نعيش فيه لا يحتاج الى قادة وسياسيين الآن، بل يحتاج الى مربين ومرشدين وموجهين يأخذون بيد افراده.
ألا يشبه المجتمع الآن المجتمع الذى ظهرت فيه الدعوة المحمدية لأول مرة بنقائضه ومغرياته؟
لماذا لا نبدأ مرحلة التكوين والتربية كما بدأها الرسول الكريم، بالفرد لا بتولى الحكم وفرض النفوذ؟
ربما يجيبنى أحد منهم أنهم يريدون السلطة من أجل ان تكون لديهم فرصة التغيير لما هو كائن من مثالب.
فهل بدأ الرسول الكريم بالاستيلاء على حكم مكة؟
ثم ومنذ متى تؤثر الحكومات فى اقتلاع فكر آمن به المضطهدون من أفرادها؟
عندما قامت العلمانية فى تركيا، هل نجحت فى اقتلاع الدين من قلوب الافراد؟
الا يعتبر الافراد الورقة الرابحة لنشر الدعوة لأى فكر جديد؟ فكم عدد الافراد الذين من الممكن ان نعتبرهم قاعدة للانطلاق نحو هذا الهدف؟
أليس من الاجدر ان نربى الفرد من جديد حتى نعيد للاسرة كيانها الذى يتكون منه المجتمع؟
ألا نعتبر الصدام مع الحكومة الآن وفى هذه الفترة من الأمور التى تفرق وتضر اكثر مما تفيد؟
لماذا لا نعتبر ان هذه الحكومة وهذا الحاكم الذى نعترض عليه قضاء من الله فرضه علينا ويجب علينا طاعته طالما لا نملك القوة اللازمة لمصارعته، والا اعتبرناه انتحارا لا طائل من ورائه؟ هذا حتى ننتهى من مرحلة تربية الفرد أولا.
واذا سلمنا ان الحاكم لا يوافق مثلنا الدينية، أليس من الممكن ان نجد له مخرجا فى هذه المرحلة وننصرف لتربية الفرد المسلم ونحن نهادن الحكومة بدلا من حالة الصدام من أجل مشاركتها السلطة؟
.. فالإخوان أعقل وأحزم من أن يتقدموا لمهمة الحكم ونفوس الامة على هذا الحال، فلابد من فترة تنتشر فيها مبادئ الاخوان وتسود، ويتعلم فيها الشعب كيف يؤثر المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. (171/ رسائل الإمام/ دار الشهاب).
يقول المستشار الخضيرى: «أعلم ان هناك رأيا فقهيا يقول إن تولى القوى الفاسق الحكم اجدى وانفع للمسلمين من تولى التقى الضعيف، لان الاول قوته للمسلمين وفسقه على نفسه، اما الثانى فإن تقواه لنفسه وضعفه يضر المسلمين.. (جريدة الدستور، 11/1/2008).
ربما أجد اجابات عن تساؤلاتى المشروعة عند أى من المتحمسين المنظرين لتحركات الجماعة صعودا نحو الحكم ومشاركة السلطة.
كلمة أخيرة
وأنا أكتب هذا الجزء الاخير مما قررت ان اضعه على الورق، ألمح كما من علمات التعجب والاستفسارات عن حياتى الشخصية، ولكن حياتى الشخصية ليست محور هذا الكتاب والذى يتناول فقط رؤية نقدية لأفكار اعتنقتها وعملت بها فى فترة ليست بالقصيرة من حياتى.
تلك الرؤية المغايرة اعتمدت فيها على الملاحظة والمقارنة والمقاربة لشعارات ألبسها الإخوان ثوب الدين الاسلامى، ولذلك قامت رؤيتى على نفس الشاكلة، ناقشت وقارنت معتمدة على ما ورد عن الرسول الكريم وأمهات المؤمنين، وما قاله رموز حركة الاخوان وتطبيقاتها وهذا ليس بإثم ولا جريرة، فالاخوان ليسوا بمعصومين ولا فوق النقد والنقاش، والا كانوا مثل غيرهم ممن يدعون العصمة للأئمة.
وان حكم على البعض بأنى اسأت فهم الرسائل والتحركات الاخوانية، فهذا ما وصلنى كفرد كان من المفروض ان يخضع لتربية صحيحة قائمة على الفهم والاقناع لا على الحفظ والتلقين والاسترجاع لمقولات وآراء فئة فقط دون أن يكون لنا حق المراجعة والمناقشة.
ولكن فى الفترة التى تلت نشر حوارى فى احدى المجلات، ثم الفصل الاول من هذا الكتاب، لجأ الاخوان لسلاح الطمس والحجب، روجوا بالكذب والجهل انى اكتب عن مشكلة احوال شخصية وغيرها من الامور التى قصدوا بها ضياع الهدف الرئيسي لتدوين هذه المذكرات وهو النقد والمناقشة لأشياء يعدها الاخوان من التابوهات والمحرمات.
أى أنه تدوين لفكر، لا لعلاقة شخصية، وحتى ان قررت وضع حياتى الشخصية كاملة على الورق فلم يحن الوقت لذلك بعد، فما زالت هناك صفحات مفتوحة واشخاص لهم منزلة كبيرة فى نفسى أخشى ان أسبب لهم أى ضرر، هناك جوانب يجب ان تذكر كاملة، ولا يصح ان أكتب جزءا فقط وأطلب منكم ان تنتظروا التتمة معى.
ولكن أعتقد أن هذا الجزء الذى اسطره هنا كاف لإيصال صوتى الى من يهمهم امر الرسالة التى يتاجر بها الكثيرون حتى أوصلونى وغيرى الى التمرد كما يقولون.
ولكن على الرغم من كل شىء، فقد قلت كلمة حق لا أريد بها باطلا ولا أريد بها مصلحة من أحد فلم يقف بجوارى احد، لا من أمن الدولة المنحل كما يزعمون ولا من أطراف المعارضة التى يهمها ضرب الاخوان وزلزلة الارض من تحتهم، ها أنا أقف وحدى.
يكفى أنى بت أعرف أعتاب أقسام الشرطة اكثر من أعتاب المسجد الحرام، فى محاولاتى طلب الحماية أو حتى ترخيص بحمل سلاح للدفاع عن النفس.
لم تفلح نداءاتى للمرشد ولا لمن اسفل منه.
تركونى عندما شققت عصا الطاعة والولاء لهم.
فقط لانى رفضت الازدواجية.. رفضت ان اعيش الزيف وأمارسه بتنطع مثلهم.
رفضت أن أكون مهيضة الجانب ألبى طلباتهم واقتراحاتهم دون نقاش..
أنا باختصار نموذج واقعى لفشل مشروع الاخوان للتقدم نحو منصة الحكم، فليس لديهم آلية ولا رؤية واضحة للتعامل مع المشاكل حتى أبسطها.
كثير من المشاكل لم يقدروا على التعامل معها، بكل مستوياتهم، وكل ما أردت هو إثبات شىء قائم بالفعل
نشر بالعدد 631 بتاريخ 14/1/2013


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.