· لا يجد الفقراء عزاء لهم من كل آلامهم إلا مياه النيل بعد أن نسيتهم حكومة الأثرياء تصوير: أحمد جمعة واقف علي الشط باصطاد بط ونعايم صادني غزال زين خدوده حمر ونعايم وكيف أطوله ومابيني وبينه بعيد قلبي غرق في هواه ياآبا وأنا عايم علي الكوبري الحديدي فوق النيل بشبرا الخيمة ترددت في ذهني تلك الأبيات من موال شعبي قديم، والتي كان قد أنشدها علي صديقي محقق التراث هشام عبدالعزيز بعد أن افترش البسطاء من أهالي المنطقة ضفتي النهر جلوسا و قفز الأطفال والشباب في مياهه هربا من الحر، بينما سحب بعضهم المواشي من حمير وخيول، لتنال هي الأخري حظها من المياه الباردة . هذه هي مارينا وبورت غالب والسخنة وسيدي كرير والساحل الشمالي أيضا بالنسبة لهؤلاء البسطاء، الذين استكثر عليهم النظام ثمن "العيش البلدي الحاف" الذي كان يقيهم غائلة الجوع وقسوته، فقرر رفع ثمنه أيضا. نعم النيل هو مصيف الفقراء، وملعبهم ومهربهم من حياة يومية بالغة القسوة. ورغم أن ثقافة الاستحمام ليست أساسية في القاموس الحياتي المصري، وهذا الكلام ليس من عندي وإنما هو دراسة علمية رسمية، إلا أن فكرة التصييف في المياة تكاد تكون محفورة في وجدان هذا الشعب منذ منبته. لن نتحدث عن التصييف في هذه المرحلة ولكن سنتحدث عن الاستحمام، فمن المضحكات المبكيات أن المركز القومي للبحوث أجري دراسة بحثية عن نظافة المصريين، تقول الدراسة أنه برغم وجود نهر النيل إلا أن هناك قري كثيرة وأحياء ببعض المدن لا تصلها المياه النظيفة، وشرحت الدراسة أن بعض الأمراض انتشرت بسبب تلك الكارثة ولن ندخل في تفاصيل الأمراض لأن هذا ليس موضوعنا لكن سنذكر فقط أن مرض الفشل الكلوي هو أهم تلك الأمراض الناتجة عن نقص المياه وتلوثها. لكن المضحك أن الدراسة توصلت إلي أن نسبة استحمام المصريين 4% في الشهر أي مرة واحدة كل أسبوع وهذا العدد ليس الأغلبية بالطبع لكنه ينطبق علي شريحة الفقراء بالقري وبعض الأحياء الفقيرة بالمدن ونسبة هؤلاء ممن يستحمون 4% من الشهر كانت 15% أما 45% منهم فيستحمون بنسبة 1% كل شهر، كما أنه يوجد نسبة 5% يقومون بالاستحمام صدفة وبغير انتظام ويكتفون فقط بغسل المناطق المتفرقة بالجسد واكتشفت الدراسة أن هذه النسب موجودة بكثرة في الأطفال بالتحديد من سن عام إلي 15 عاما، وأن النساء هن أقل نسبة من نسبة الرجال في الاستحمام،ونتج عن ذلك ظهور الكثير من الأمراض الجلدية المعدية أهمها الجرب والتينيا بكل أنواعها. وقد توصلت الدراسة كذلك إلي أن مفهوم الاستحمام عند هؤلاء مفهوم خاطئ فهم يستحمون دون استعمال مادة غسيل كالصابون، كما أنهم لا يستغرقون في مدة الاستحمام سوي خمس دقائق في أعلي تقدير وبالتالي لا يفي الوقت المحدد للاستحمام بالنظافة الكاملة بمعني آخر وبالبلدي : مابيعرفوش يستحموا، ويعتقد المصريون كما تقول الدراسة ممن تمت عليهم الاختبارات أن الاستحمام بالترع والمصارف - هناك من يستحم بالمصارف كما قالت الدراسة - يعتقدون أن هذا هو الاستحمام ويكتفون به لغسل جسدهم، هذه هي أهم وأظرف وألطف ما في الدراسة المخجلة المحزنة، إن المصريين ولاد النيل لا يستحمون. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يقاتل المصريون مهما كانت طبقاتهم الاجتماعية من أجل المصيف، الفكرة لها ارتباط آخر بالارتياح النفسي والانطلاق، ولهذا سعي هؤلاء الفقراء إلي مياه النيل ومياه الترع والمصارف، رغم ماتحويه من ملوثات وأمراض بهدف الترويح عن أنفسهم علي الرغم من المخاطر الجمة التي تحيط بهذاالترويح، فقد أشارت إحصائيات عام 2008 أن عدد الجثث البشرية التي عثر عليها في نهر النيل وفي الترع والرياحات والمصارف علي مستوي الجمهورية بلغ 862 جثة منها 86 جثة ارتبطت بحوادث أو جرائم، بينما العدد الباقي كان سبب الوفاة هو الغرق أثناء الاستحمام. وأكدت الاحصاءات أنه لم يمكن حساب أعداد الحيوانات النافقة الملقاة في النيل ولكن معظمها من الحمير والحيوانات المنزلية، ولكن دفاتر أقسام الشرطة تشير إلي بلاغات بفقد حمير وخيول وجاموس وأبقار خلال قيام أصحابها بغسلها في مياه النيل. ولايجد الفقراء عزاء لهم في كل هذا إلا مياه النيل، لايهم مايمكن أن يحدث لهم، المهم أن يكون لديهم مصيف هم أيضا مادامت حكومة الأثرياء في هذا البلد قد نسيتهم وتفرغت لحسابات البزنس، ورغم أني لا أجيد الشعر إلا أني وجدت نفسي أقول : البحر مالح لكن النيل ع القلب رطب هواه أجيله لما الروح ترفرف تطير في سماه م الحر بهرب ولا م الضنا والغلب م الظلم والقسوة ولا أما يزيد الكرب وزي أمي أترمي ف حضنه وأعيط غيتيني يا أماه وامسحيلي حرقة آآه آآآآآآآآآآآآآآآآه