حدثنا عن علاقتك ببشار الأسد وتطورات ما بعد الخلاف معه؟ -لم تكن علاقتى ببشار صداقة بالمعنى المفهوم وإنما علاقة فنان برئيس وكنا مجموعة من الأدباء والفنانين والمثقفين. أراد بشار أن يستنير برأينا ويستفاد من جماهيريتنا ويظهر على أنه صديق الفنانين والمثقفين ونحن لم نستفد من العلاقة لا على الصعيد المادى ولا المعنوى وكان يستمع إلينا على أساس أننا كوادر إصلاحية وجاء بشعارات الإصلاح والتطوير وحرية التعبير وبالمناسبة فكرة إصدار الصحف الخاصة فى سوريا كانت من اقتراحى وسألنى كيف أقيس نبض الشارع؟ فقلت له المسألة ليست محاضرة نظرية انزل للشارع واعرف نبض الشارع بنفسك. وأول معرفتى ببشار كانت أثناء زيارته لمعرض لى وحكيت له عن الفساد فى البلد لأن المعرض كان يضم لوحات غير قابلة للنشر وكان ذلك اللقاء عام 1996 قبل توليه الحكم بسنوات وكان وجوده مفاجأة لى لأن الرسومات التى ضمها المعرض كلها ممنوعة فقد كانت تنتقد والده والشرطة والمخابرات وفوجئت بإعجابه باللوحات وأعجب بجرأة حديثى، حيث حكيت له عن الأوضاع السيئة فى سوريا. وأذكر أنه قال لى ذات مرة. «أنا بحترمك لأنك لست فى حاجة لى». وعندما اقترحت عليه مسألة إصدار الصحف الخاصة قال لى (والدى أمامه مرسوم بهذا الشأن وسيتحول لقانون وسأعجل من صدور القانون). وقمت بإصدار جريدة (الدومرى) بناء على قانون المطبوعات الخاصة الصادر فى عام 2000. وبالمناسبة كلمة (الدومرى) تعنى الرجل الذى كان يشعل المصابيح قبل انتشار الكهرباء فى سوريا وهدفنا من تلك الجريدة إلقاء الضوء على مساحات الظلام والفساد فى البلد. وقلت لبشار أنا صريح وحاد وإذا الجريدة لم تحمل ملامح الناس لن أصدرها وسأحكى عن المواضيع التالية فقال لى وماهى؟ فقلت له سآتى بخبراء من كل المجالات وسأقوم بعمل ندوة عن فشل الحكومة الدائم كما سأحكى عن فساد القضاء عن حزب البعث الذى فى حاجة للتطوير وأيضا عن المخابرات وممارستها فى الشوارع والبيوت والإعتقالات التى تقوم بها فإذا قبلتم بذلك سأصدر الجريدة فرد على قائلا (وأضف إليهم أيضا مجلس الشعب). وانقلبت الدنيا رأسا على عقب بعد ثالث عدد من الجريدة ولأول مرة فى تاريخ صحافة العالم تباع صحيفة قبل طباعتها وقناة ال (سى إن إن) قامت بعمل تحقيق حول هذا الموضوع والسبب أن الجريدة كانت تحمل ملامح الناس ولم تكن بالنسبة لى مشروعاً تجارياً وإنما كانت مشروعا وطنيا. وفى أول عدد للجريدة نشرت رسالة للدكتور «ديغم النصفى» وكانت رسالة مفتوحة للرئيس «بشار» نفسه وكان فحوى تلك الرسالة أنه يمنح المسئولين والسلطة والوزراء أساطيل من السيارات لهم ولأولادهم وكل يوم نرى حوادث وإزهاق لأرواح البشر ومشاكل بسبب هذا الموضوع، بالإضافة للأموال الهائلة التى كانت تصرف على صيانة تلك السيارات وتموينها وتساءل «ديغم» فى الرسالة «قائلا» كيف منحوا هؤلاء تلك الأساطيل هل أعطيت لهم بمناسبة تحرير الجولان؟ هل أعطيت لهم بمناسبة تحرير القدس مثلا؟ حدثنا عن أصعب المواقف التى تعرضت لها فى حياتك بسبب مواقفك؟ - الجريدة (الدومرى) كانت توزع بشكل حر وأصدر النظام قرارا بإخضاعها للتوزيع الحكومى حتى يحدوا من توزيعها وحتى تكون تحت رقابتهم كما منعوا الإعلانات عن الجريدة من أجل تضييق الخناق علينا، كما ظلوا يهاجموننى بوسائل الإعلام وحتى الورق الذى كنت أستعمله فى طباعة الجريدة وضعوا عليه عراقيل جمركية. ومع ذلك استمررنا فى طباعة الجريدة ولكن قللنا عدد الصفحات وألغينا الألوان رغم ان الجريدة كانت تصدر بالألوان. وعندما عجزوا عن إيقافى أرسلوا تعميماً لكل المطابع بمنع طباعة جريدة (الدومرى) إلا بعد الحصول على موافقة خطية من وزير الإعلام عن كل عدد والمطابع كانت ترفض طباعة الجريدة بدون تنفيذ هذا القرار ووجدنا مطبعة بأحد الضواحى وقمنا بطبع عدد أطلقت عليه (العدد الانتحارى)، حيث أتيت بكل المعارضين فى هذا العدد وأسميناه (عدد الإيمان بالإصلاح) تناولنا فيه الرئيس والمخابرات وحزب البعث بطريقة ساخرة ووقائع خطيرة بالوثائق وتمت طباعة العدد فى التاسعة مساء وفى العاشرة والربع أى بعد طباعة العدد بساعة وربع فقط كانت كل أفرع دوريات المخابرات تجمع العدد من الأسواق وكنا قد قمنا بتوزيع كمية كبيرة وقام بائعو الصحف ببيع الأعداد التى لم تحصل عليها المخابرات فى السوق السوداء، حيث وصل سعر هذا النسخة إلى 30 دولاراً فى حين أن ثمنها الحقيقى هو ربع دولار وكانوا يصورونها ويبيعونها. وفى نفس اليوم صدر قرار من الحكومة بإغلاق الجريدة وسحب الرخصة واستمر لسنتين. وبعد غلق الجريدة قمت بعمل موقع إلكترونى باسم (على فرزات) وكان أخطر من الجريدة وبعدما أطلقت الموقع لم تنقطع التهديدات وبعد سنة من إطلاق الموقع قبل اندلاع الثورة السورية بثلاث أشهر بدأت فى الانتقال من الرمزية إلى المباشرة، حيث أخذت أرسم المسئولين ورموز النظام بطريقة مباشرة وكان هدفى هو كسر حاجز الخوف لدى الناس فالناس كانت ترتعب من ذكر إسم بشار. وهذه أول مرة منذعام 1963 بعد أن اغتصب حزب البعث السلطة يتم فيها انتقاد النظام وعلى رأسه الرئيس بتلك الجرأة مما كسر حاجز الخوف عند الناس وأدركت تأثير ذلك فيما بعد عندما رأيت الجماهير تحمل رسوماتى فى المظاهرات. وبعدها بدأت الأصوات تتعالى فى الشوارع وبدأ الناس يتكلمون بشكل علنى وبدأت رقعة المظاهرات تتسع، حيث كانت تخرج فى البداية أعداد قليلة وتهتف مثلا قائلة (الشعب السورى مابينذل ). ولا أقول إن أعمالى كانت السبب الرئيسى فى خروج الناس وإنما ساهمت بقدر كبير فى كسر حاجز الخوف . ولقد توقعت قيام الثورة السورية منذ عام 2007 ففى شهر يوليو من عام 2007 سألنى محرر بجريدة النيوزويك العربية :ماذا تتوقع لهذا النظام فى المستقبل؟ فقلت له (إذا لم يتعجل الإصلاح فإن الطوفان قادم). ومع احترامى لكل ثورات الربيع العربى، أنا أرى أن الثورة السورية تتميز بأنها ثورة إصرار ووجدان وضمير وليست ثورة سياسية فلو كانت سياسية لانتهت من الشهر الأول. كيف ترى أداء المعارضة السورية والجيش الحر فى تعامله مع النظام السورى ؟ - الجيش السورى يقوم بدوره بالتنسيق مع التنسيقيات - بمثابة الائتلافات فى مصر - أما المعارضون السياسيون (كتر خيرهم) ولكن الثورة لاتنتظرهم فالثورة لا تنتظر السياسيين ولا تنتظر قرارات الأممالمتحدة ولا مجلس الأمن ولا أمريكا ولا الأخضر الإبراهيمى ولا روسيا، فالثورة الآن ليست ضد نظام فالنظام بالنسبة لنا لم يعد له وجود وإنما من يحارب بالوكالة عن النظام الآن إيرانوروسيا والصين والأممالمتحدة وكوريا الشمالية ومجلس الأمن وحتى الأنظمة العربية كلها تقف فى وجه الثورة، أما من يدلى بدلوه فى بعض الإيجابيات كتر خيره . كيف ترى تعدد قوى المعارضة وكثرتها فى سوريا؟ - لامانع من وجود عدة تيارات ووجود معارضة واختلاف فيما بينهم والثورة لا تنتظر اتفاقهم أو اختلافهم فهم فى واد والثورة فى واد والمعارضة لاتمثل الثورة فى الداخل ولكنها ليست مؤثرة فى خط سير الثورة فالثورة ليست سياسية كما ذكرت من قبل وهؤلاء سياسيون وأغلبهم يبحث عن مكان فى السفينة القادمة. وحتى الآن لم يقدموا شيئا للثورة هم ليسوا إلا لنزلاء فى فنادق. والثورة ماضية فى طريقها دون استئذان أو انتظار أحد. وهناك خطان متوازيان الآن خط المعارضة وخط الثورة والثورة ليس لديها وقت لرؤية التليفزيون ولا لقراءة الجرائد ولا رؤية نتائج الاجتماعات فى مجلس الأمن لأن الثورة هى معركة واقع. هناك من يرون أن سوريا تتمزق.. ما رأيك؟ - بالعكس أنا أرى أن سوريا تتوحد فاليوم المظاهرات تضم كل طوائف الشعب السورى والمشكلة أن الإعلام مضلِل، حيث شكل وحدة مع الأنظمة الغربية وبالتالى كله الآن يرجع إلى نقطة أساسية وهى أن إسرائيل الآن تعمل كسفير للنظام السورى فى جميع دول العالم لترفع يدها عن النظام و«إيهود باراك» وزير الدفاع الإسرائيلى قالهاعلنا فى تصريح له (إرفعوا أيديكم عن النظام) وكذلك «رامى مخلوف» ابن خالة «بشار الأسد» قال نفس الكلام فمن مصلحتهم استمرار هذا النظام. كيف ترى تعامل الإعلام فى سوريا مع الثورة؟ - الإعلام السورى عبارة عن مؤسسة أمنية تعمل فى مجال الإعلام فالنظام اليوم ليست لديه مؤسسات حرة أو ديمقراطية ففى دوائر الأمن توجد مكاتب للإعلام والثقافة وكذلك مكاتب للمعارضة التى تعمل فى إطار النظام مثل هيئة التنسيق التى تحاول أن تمنح النظام بأن يبقى إلى أن تتم الانتخابات الرئاسية وهذاضمن الخطة الروسية وهو نوع من إعطاء الوقت لإستمرار النظام وأنا أرى أن المهل التى تمنح للنظام هى أخطر من السلاح الذى يستخدمه لأن الوقت يتيح له استباحة سوريا بشرا وحجرا. ولكن النظام السورى يرى أنكم تدعون التهويل وتضخيم مايحدث فى سوريا.. ماردك؟ - قال فرزات ساخرا : فعلا لأن المعارضة تقذفهم بالطائرات الميج ومدافع الهاون والنظام معه عصى فقط. فالآية معكوسة تماما من يقذفنا ببراميل الديناميت هل هى المعارضة؟ أين التهويل؟ فالنظام مرة يقول هؤلاء إرهابيين ومرة يقول المعارضة تقوم بتهويل مايحدث. الواقع يؤكد أن هناك 35 ألف شهيد سقطوا منذ بداية الثورة وحتى الاّن. نتيجة لقذف المدافع والبنادق الاّلية والأسلحة الأخرى والطائرات والبوارج التى تمرمن عندكم من قناة السويس، وللأسف أنتم الاّن فى نظر الشعب السورى صورتكم مخجلة واللوم هنا ليس على القيادة السياسية فى مصر فقط، ولكن على الشارع أيضا فاليوم الثورة السورية يتيمة فهناك سفن وبوارج وعبارات تحمل كل أشكال القتل والدمار تعبر من قناة السويس فى اتجاه سوريا لقتل إخوانكم والقيادة السياسية فى مصر تتحجج وتقول هناك معاهدات وإتفاقيات وأنا أقول للرئيس «مرسى» متى احترم الغرب وإسرائيل معاهدة؟ هل المعاهدات أقوى مما يحدث فى سوريا؟ هناك ألف طريقة منها ضغط الشارع على الحكومة المصرية وإضراب العمال كفانا مسكنات فالثورة السورية مظلومة من الجميع حتى من إخوانها فى مصر. ماهى المخاطر التى تخشى على سوريا منها؟ - الآن تجاوزنا المخاطر بإصرار وعزيمة الناس الذين قطعوا الطريق باتجاه الحرية والخوف كان فى البداية ولكن يوما عن يوم تبددت المخاوف لأن النظام بدأ يتهاوى فعلا المخاوف الآن أصبحت لدى النظام وليست لدى الشعب الذى ينظر إلى الحرية من فوهة البندقية المصوبة إليه وبالعكس هناك تفاؤل لدينا. كيف ترى موقف إيران وحزب الله من الثورة السورية؟ الثورة عرت الأصدقاء وكشفت الأعداء وعرت الأعداء من الأصدقاء فقد كان هناك كثير من الدول تدعى الصداقة والتعاون وإذا بنا نجد أن هذه الدول تحولت إلى «مافيات» والاّن 99% من العالم تحكمه «مافيات» اقتصادية تحرك السياسة فى العالم وإذا نظرنا إلى الماضى نجد أن الأممالمتحدة عندما قامت كانت منظمة إنسانية بعد الحرب العالمية الثانية وكان لها أسس إنسانية تعتمد عليها واليوم بدأت هذه المنظمة الإنسانية تأخذ طابعاً (مافياوى) أى تسيطر عليها المافيا. أما إيران وحزب الله فيعتمدان الآن على تبييض وغسيل الأموال عن طريق بيع السلاح وتهريب المخدرات من كولومبيا وفنزويلا مثلا لترسيخ إمبراطورية كانت فى الماضى والاّن يحاول بعض أصحاب العمائم والملالى فى إيران إعادة إنتاج امبراطورية جديدة ظلامية متشددة دينيا والسيطرة على العالم بإنشاء حسينيات وشراء ذمم وضمائر الناس، وهذا الأمر ليس سرا حتى فى مصر بدأوا تلك المحاولات وعبر منظمات تعتبر نفسها للأسف أنها على الطرف الآخر وحزب الله جزء من هذه المنظومة وأداة فى يدها. وكيف ترى تعامل المجتمع الدولى مع الثورة السورية؟ برأيى الثورات لو كانت تعتمد على منظمات المجتمع الدولى ماكانت نجحت الآن هى خارج التاريخ والجغرافيا هى عبارة عن موظفين يأتمرون بأوامر من المافيات وحتى الحكومات العربية داخلة فى تلك المافيات. الآن لم يعد هناك اقتصاد وطنى فى كل الدول العربية.. هناك رءوس أموال كبيرة تعمل فى مشاريع غير إنتاجية فى العالم . اليوم الثورة السورية أكبرعامل لكشف تلك المنظمات. مارأيك فى الهدنة التى عرضها الأخضر الإبراهيمى منذ أيام؟ - أرى أنها تعد بمثابة إعطاء مهلة للنظام ليستعيد أنفاسه. وهناك تجارب كثيرة مرت من المهل والهدن ألم يتعلموا أن النظام اليوم ينتظر مثل هذه المبادرات حتى يبطش بالشعب ويقوم بقتل أكبر عدد ممكن من الشعب. الجامعة العربية والأممالمتحدة ومجلس الأمن وكل المنظمات الأخرى تساهم فى إعطاء فرصة للنظام. وهذا الوقت أراه أخطر من أى سلاح فأنا أسميه (سلاح دمار الوقت الشامل ). حدثنا عن تصورك لنهاية الوضع فى سوريا؟ - من ينظر إلى الوراء سيجد أن اليوم غير أمس وهناك نقلة نوعية جديدة بالرغم من الماّسى والكوارث والقتل. اليوم الثورة تسيطر على 75% من الأراضى السورية ومشهد النهاية قريب. كيف ترى سوريا مابعد بشار الأسد؟ - لا خوف على سوريا بعد بشار وهذه حجة حتى نظل خاضعين للقمع والقتل والضرب . اليوم هناك ثورة شعب هى التى تقرر وتقوم بعمل حكومة انتقالية وانتخابات برلمانية ودستور جديد. ونحن جاهزون تماما لسوريا بعد بشار. وأنا فى رأيى مازال الوقت مبكرا على عمل حكومة انتقالية الاّن لأنها إذا ظلت لوقت طويل تفقد مصداقيتها. هناك من يقول إن الديكتاتوريات كانت افضل من مجازر الربيع العربى فما رأيك؟ -الثورات لاتقيم أو تقاس بشهور قليلة وما يحدث فى تلك الدول طبيعى فقد عاشت تلك الدول عشرات السنوات من الفساد والمشاكل ويتم بناؤها من جديد نشر بالعدد 620 تاريخ 29/10/2012