تمتلك محافظة قنا، سجلا حافلا من الخصومات الثأرية، التي تشير الإحصاءات إلى أنها تتخطى ال20 خصومة، ما يجعلها ترسم خريطة مفزعة للموت، الذي يطل برأسه المخيف على بيوتها، يوميا. وسجلت محافظة قنا في عام 2016، وفق الإحصاءات الأمنية سقوط 19 قتيلًا، وإصابة العشرات، فيما تم ضبط أكثر من 1800 سلاح، بعضها ينتمي إلى فصائل الأسلحة الثقيلة، وإذا نظرنا إلى هذه الأرقام، مضاف إليها ما تمكنت الأجهزة الأمنية، بالتنسيق مع القيادات الشعبية، ولجان المصالحات، من إنهائه، والذي يصل إلى 15 خصومة ثأرية، سنعرف أننا أمام مأساة ضخمة تغرق فيها خامس أفقر محافظات الجمهورية. خريطة الثأر والسلاح وتضم قنا مناطق ساخنة، تكتظ بالعائلات المتناحرة، مثل: مركز أبوتشت، ويضم كوم هتيم، الخوالد، الحسينات، السليمات، الكرنك، بالإضافة إلى حمرة دوم، وأبو حزام، والغربي بهجورة، والشاورية، والحلفاية، في نجع جماد، وكذلك السمطا، والحجيرات، والأشراف، وأولاد عمرو، وقرى مركز دشنا بأكملها. الحجيرات بلا دراسة ويعيش الأهالي في معظم هذه الأماكن حياة استثنائي، تغيب عنها السيطرة الأمنية، فلا مدارس ولا مستشفيات، بعد أن تعطلت خوفا من الوقوع ضحية أعمال العنف الثأرية التي تقع يوميا. وفي الحجيرات على سبيل المثال، انقطعت الدراسة منذ وقت طويل، لخوف المدرسين، والأهالي على السواء؛ بسبب وقوع المدرسة في الوسط بين عائلتين، تجددت الخلافات الثأرية، بينهما خلال الشهور الماضية، مما جعل إطلاق النار المتبادل بينهما، عادة يومية ثابتة خريطة الدماء بقنا وترسم الخصومات الثأرية في قنا، ومنها، "قرية الدير الغربي"، التابعة لمركز قنا، والتي اعتاد الأهالي فيها، على رؤية طلقات الرصاص، وهي تنطلق ذهابا وعودة، بكثافة شديدة؛ لتحصد في طريقها العشرات من الأبرياء، بشكل شبه يومي، على مدار 4 سنوات، إثر الخلاف الثأري بين عائلتي علي، والعنابرة، للنزاع على منصب عمدة المركز. وفي الحجيرات يسقط العشرات ما بين قتيل وجريح إثر خصومات ثأرية مشتعلة، بين عائلتي "عبدالمسيع، وفراج"، وعائلتي "ضاحي وبكري"، للنزاع على الأراضي بينهما، منذ قرابة 5 أعوام، وهو ما تشهده أيضا في سيناريو متكرر قرية أولاد عمرو، إثر الاشتباكات المستمرة بين عائلتي العجاودة، والحجرات، وراح ضحيتها 44 قتيلا. وفي مركز دشنا تواصل قبيلتا "العرب والهوارة"، النزاع الثأري الممتد بينهما، والذي تتجاوز مدته 40 عاما، ووصل فيه الأمر إلى حد الذبح على الطريقة الداعشية، فيما تفجرت خلافات حديثة بين عائلتين منهما راح ضحيتها 35 شخصا، من عائلتي "الطبايخة والعوامر". الأمر ذاته تعيشه عائلتا "آل ماضي وآل خليفة"، في مركز فرشوط، وكذلك عائلتي "النواصر وآل عيد". أرض الموت وتعد الحجيرات والسمطا وحمردوم وأبو حزام، المورد الرئيس لتوزيع الأسلحة التي تستخدمها العائلات في خلافاتها الثأرية، اعتمادا على الطبيعة الجغرافية، والتضاريس الوعرة، والمتشابهة في هذه القرى، فضلا عن انتشار زراعات القصب، التي تحاصرها الجبال والطرق المدقات غير المرصوفة. وعلى بعد 16 كيلو مترا من شمال مدينة قنا، تقع قرية الحجيرات، التي شهدت أحداث عنف وخصومات ثأرية بين أبنائها، على مستوى نجوعها الستة، وهي: "العمدة وجبارة ومعلا وعتمان وعودة وأبو عروق"، ويعيش فيها 45 ألف نسمة، يعمل غالبيتهم في الزراعة. ولعل أشهر حوادث الثأر في هذه القرية خصومة مذبحة "العزاء " وراح ضحيتها 7 أشخاص وأصيب 3 أخرين اثر قيام أفراد عائلة "العمارنة" بإطلاق الأعيرة النارية على أفراد من عائلة عبد المطلب أثناء تقديمهم واجب العزاء المرأة كلمة السر تعد المرأة المخرج الحقيقي لمسلسل الثأر، الذي يعيشه الصعيد، فهي التي تدفع أبناءها إلى الحفاظ على هذه التقاليد العنيفة، وتهب حياتها بالكامل للثأر لمن مات من أهلها، عبر إعادا الأبناء لهذا اليوم، غير عابئة ما سينتهي إليه مصيره. ولا تتردد المرأة الصعيدية في تهديد ذويها بأنها سوف تأخذ ثأر العائلة بنفسها، إذا ما لاحظت تراخيا منهم، وهو ما يهدد بالتصاق العار بهذه العائلات إلى الأب، وفق التقاليد هناك. والمرأة الصعيدية لا تقف عند حد التحريض فقط ، بل إنها في بعض الأحيان تحمل السلاح ، وهو ما حدث بإحدى قرى قنا ، بعدما مات الرجال، وابتلع السجن الباقين ، تدربت المرأة على استخدام السلاح وحملت البنادق الآلية ، وأخذت على عاتقها رعاية الأرض والأطفال.
