قبل أيام قليلة احتفلنا بذكري "صلاح جاهين" الذي وصفوه بأنه "جبرتي" الثورة.. ولأن أمنيات عديدة للثوار والثورة كانت محلقة في السماء وهوت تباعاً علي الأرض فأصبح "صلاح" هو المتهم الأول بتصدير الخيال وخداع الناس.. "صلاح" أكبر من أن تضعه فقط تحت هذا العنوان الظالم صوت الثورة ومروج أحلامها.. كان "صلاح" فناناً متعدد المواهب تجد فيه عصير مصر كلها وهكذا أبدع في كل شيء وفي مختلف المجالات شعراً ونثراً ورسماً وتمثيلاً وأداءً بل ورقصاً.. كان هناك دائماً بصمة لصلاح في كل مجال اقتحمه وفي كل لمحة خطتها يده.. ورغم ذلك فإنه كلما جاءت الثورة تذكرنا بين كل المبدعين صلاح، وكلما جاءت ذكراه تركنا كل إبداعه وتذكرنا فقط إنه شاعر للثورة وتتعدد بل تتناقض زوايا الرؤية إذا كان المتحدث ناصرياً فهو يؤكد أن "صلاح جاهين" كان صوتاً ونبضاً وإحساساً للثورة اقتنع بها فكتب للثورة ولزعيم الثورة.. علي الجانب الآخر إذا كان الراصد كارهاً للثورة ولجمال فبالتأكيد يدين "صلاح جاهين" ويؤكد أنه هو نفسه شعر بالخديعة فتوقف عن الكتابة للثورة وبدأ يكتب "خلي بالك من زوزو.. زوزو النوزو كوانوزو"..والحقيقة أن "صلاح" لم يتوقف طوال تاريخه عن تأليف الأغاني العاطفية وفي عز ما كان يكتب للثورة "بالأحضان" و "صورة" و "المسئولية" فلقد كتب مثلاً "أنا هنا يابن الحلال" لصباح.. "ياما قلبي قالي لأ" لفايزة.. "بان عليا حبه" لنجاة.. وأوبريت "الليلة الكبيرة" قدمه في مطلع الستينيات.. كان "صلاح جاهين" مصدقاً لأهداف الثورة مؤمناً بزعيمها، لكنه لم يكن درويشاً لها إلا أن رؤية الشاعر تتجاوز دائماً الواقع ولهذا مثلاً كتب بعد 67 أغنية أم كلثوم "راجعين بقوة السلاح" أي أنه لم يتوقف بعد الهزيمة عن كتابة الأغاني الوطنية وكفر بالثورة كما ردد البعض، وفي هذه الأغنية مقطع يقول "جيش العروبة يا بطل الله معك.. ما أروعك ما أعظمك ما أشجعك.. عندما استمع "عبد الناصر" إلي هذه الأغنية طلب من وزير الإعلام في تلك السنوات "عبد القادر حاتم" ألا يقدم هذا المقطع لأن الجيش مهزوم فكيف نقول له ما أعظمك ما أروعك.. وبالفعل ظلت الأغنية كلها ممنوعة حتي انتصرنا في 73 ثم أعيدت للإذاعة ولا أحد يدري أو يصدق أنها كتبت بعد الهزيمة مباشرة.. الكل يعتقد أنها كتبت بعد انتصار 73 .