يبدو أن نفق الفساد والإفساد في مصر لا يعرف إلا اتجاهاً واحداً.. اتجاها يأبي العودة أو التوقف أو تغيير المسار. فمازال مسلسل إهدار المال العام بنفس الأليات والوسائل المعتمدة في عهد مبارك سارية المفعول وعلي اوسع نطاق.ومن هذه الوسائل.. بند مخصصات السادة الوزراء والمسئولين. في حركة استعراضية أعلن الدكتور كمال الجنزوري فور تكليفه رئيسا لمجلس الوزراء تنازله عن مرتبه والمصروفات المخصصة له، علي أن تحول إلي أحد المراكز التي تقدم الخدمات المجانية للأطفال أو مراكز القلب. وقال الجنزوري في مؤتمر صحفي عقده بهيئة الاستثمار إنه تم تخفيض ما يسمي بمصروفات الوزراء إلي 50% بدلا من 100% كما كان مطبقا من قبل. وأكد أنه تم ربط الأجور بتحديد الحد الأقصي لها بما يعادل "35" مثلا للحد الأدني، وأنه لا يستطيع إصدار ما توصل إليه في قرار حتي يتم عرضه علي مجلس الوزراء، واعدا بأن يناقش ترشيد الإنفاق بشكل لا يمس الحياة اليومية للمواطن ولا يلقي بأعباء إضافية علي كاهله وتحقيق المطالب العاجلة وتخفيض عجز الموازنة الذي من المتوقع أن يصل إلي "160" مليار جنيه وزيادة الإيرادات العامة بطرق غير تقليدية وتحصيل الضرائب الحالية والمتأخرة، ومراجعة الدين العام الداخلي وإعادة هيكلته والتخفيف أو إيقاف استخدام احتياطيات النقد الأجنبي دون حدوث تأثير كبير علي قيمة العملة بتشجيع التصدير والحد من الاستيراد. وهو ما لم يحدث حتي يومنا هذا. فلا الحد الأقصي لأجور الكبار تم تحديده حتي بالنسبة العالية التي تحدث عنها الجنزوري..ولا تم خفض الإنفاق الحكومي..ولا جري النظر لمحدودي الدخل بأي اعتبار يؤكد تحولهم إلي كائنات أدمية بعد الثورة. وقبل الجنزوري اعلن عصان شرف أن الحكومة استعانت بأجزاء من مخصصات "رئاسة الجمهورية" لسد العجز في بعض الوزارات والهيئات الحكومية، لحل أزمة عدم قدرتها علي توفير مرتبات الموظفين بها قبل الحساب الختامي للسنة المالية 2010/2011، والذي كان سيهدد بعدم صرف رواتب شهر يونيو. ولأول مرة منذ أكثر من 30 عاماً يتم نقل مبالغ مالية مخصصة لرئاسة الجمهورية لسد العجز في وزارات أخري، وقررت وزارة المالية نقل مبلغ مالي قدره مليون و504 آلاف جنيه من بند "2/3" من المكافآت التشجيعية المخصصة ل"رئاسة الجمهورية"، بالإضافة إلي مبلغ 438 ألف جنيه بند "1/3" المخصص لتعويض العاملين عن الجهود غير العادية للرئاسة، لسد العجز في وزارة التعليم العالي لسداد مرتبات شهر يونيو. كما أسر لبعض مساعديه أن ميزانية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، لم تكف لصرف مرتبات موظفي أكاديمية البحث العلمي وبعض الجهات البحثية في الشهر الحالي، وحوافز الشهر الماضي، ما دفع الدكتور ماجد الشربيني رئيس الأكاديمية إلي لقاء وزير المالية لحل الأزمة، وهو ما تحقق بالفعل باللجوء إلي هذه المخصصات. وقد أصدر وزير المالية بتاريخ 12 يونيو قرارا بتوفير مبلغ 3.5 مليون جنيه لصالح تعزيز بند المكافآت بالباب الأول "الأجور وتعويضات العاملين" بموازنة البحث العلمي للسنة المالية الحالية 2010/2011 بمبلغ 3 ونصف مليون جنيه، وذلك نقلاً من وفورات الباب الأول في عدد من الجهات من بينها رئاسة الجمهورية، ونقل 608 ألف جنيه من بند 1/3 بديوان عام وزارة المالية لتعويض العاملين عن الجهود غير العادية، و950 ألف جنيه من ديوان عام وزارة التربية والتعليم بند حصة الحكومة. إلا أن هذا كله لم ينف حقيقة أكدتها مصادرنا وهي إنفاق 400 مليون جنيه علي مخصصات الوزراء وكبار المسؤولين في ثلاث حكومات بعد الثورة..ما يمثل كارثة محققة. لقد جري تسكين بعض الأسماء في الوزارة بعد الثورة بما يشبه عملية ترضية وتربيح غاية في السخف واللامبالاة بأقدار الوطن..حتي أن بعضهم مكث في منصب الوزير لثلاثة أيام فقط، ليخرج براتب ومعاش وزير فضلا عن المخصصات الأخري،بما فيها ظرف الولاء ومكافأة نهاية الخدمة علي طريقة مبارك تماما..بينما الفقراء يسألون أي خدمة قدمها وزير في ثلاثة ايام للوطن يستحق عنها المكافأة !! مخصصات الوزراء وكبار المسؤولين في حكومات شفيق وشرف والجنزوري، لم تسقط شيئا مما أقره مبارك للمحظيين بالوزارة في عهده..رغم ادعاءات كمال الجنزوري التي لم ينفذ منها شيئا.. إلا فيما يتعلق بتراجعه عن كل وعوده بتحسين أحوال المعدمين ، لدرجة التراجع عن زيادة المعاشات بحجة عجز الميزانية. نفس العجز الذي لم يحل دون زيادة مرتبات ضباط الشرطة والقوات المسلحة مرتين خلال ها العام. الطريف أن الوزراء ينظرون إلي هذه المزايا علي أنها حق مكتسب إلي درجة الدفاع عنها والتمسك بها بمجرد أن تطأ أقدامهم أبواب مكاتبهم..ويتبنون في سبيل ذلك فلسفة مقيته تقول إنه يجب علي الوزير أن يعيش مرتاحا حتي لا يمج يديه، بينما يعيش الوطن كلها متعبا. أحد الوزراء السابقين قال ذات مرة: أعرف ان معظم الناس تري أن خطر ضعف مرتب الوزير هو أنه يعرضه لإغراءات الفساد، لكن ومن خلال تجربتي إن الخطورة الأكبر والأهم تأتي من داخل وزارته نفسها، ففي أول رحلة عمل بالخارج بعد تولي الوزارة، سلمني وكيل الوزارة للشئون المالية مبلغاً مالياً بالدولار (يوازي 4000 جنيه مصري) ووقعت علي استلام المبلغ، وقد تصورت ان هذا المبلغ هو مصروف شخصي واشتريت لزوجتي وابنائي واسرتي ملابس وهدايا، ولكن عند عودتي اكتشفت ان هذا المبلغ سلفة وعلي أن أسلم المستندات الدالة علي الصرف. وفوجئت بهذا الموقف ولكن وكيل الوزارة قال لي "يا أفندم ولا يهمك احنا هنسويها بمعرفتنا" فغيرت الموضوع بسرعة وتركت لنفسي فرصة للتفكير، وطوال الليل لم أنم، طيب لما يسوي لي السلفة هل استطيع ان احاسبه لو اخطأ، أنا راجل فلاح وحسيت ان عيني هتبقي مكسورة لو وافقت علي عرضه، وفي الصباح قررت رد المبلغ وبعت كام قيراط وحمدت ربنا انني لم أجلس في الوزارة كثيرا. كل وزير تخصص له سيارتان، ولكن بعض الوزراء يريد سيارات لابنائه وهنا تقوم بعض الشركات أو الهيئات التابعة له بشراء السيارة المطلوبة من حساباتها، ولا يعد هذا مخالفة للقانون لان السيارة تظل تابعة للشركة اوالهيئة، وبعد ان تتقادم يتم تغييرها بالطرق القانونية، فكيف نطمئن لرقابة الوزير علي هذه الهيئة أو الشركة بعدما قدمت له خدمات..إلا يفسر هذا استمرار بعض رؤساء الشركات سنوات في مناصبهم رغم تحقيقهم خسائر لشركاتهم..حيث أن بعض الشركات وفرت لوزراء واسرهم خدمات كثيرة من المال العام. مثل جمعيات اسكان العاملين بهذه الشركات التي وفرت فيللات للمصايف وشقق لابنائهم وتشطيبها من صناديق وحسابات هذه الشركات أو الهيئات. المعونات الاجنبية باب آخر لتقديم مثل هذه الخدمات أو بالأحري مشروعات المعونة فمن حساب المشروع تمت شراء سيارات لابناء بعض الوزراء أو قامت بتمويل تجديد مكاتب وزراء أو المصروفات النثرية لمكاتب بعض الوزراء. احدي الشركات العامة تكفلت بمصروفات نثرية لمكتب وزير سابق فكانت سيارات أشهر مطاعم الكباب تحمل له ولكل العاملين بمكتبه الكباب الساخن وقبلها يرسل محل حلويات شهير كميات من الجاتوه سورايه والسليزونات الفاخرة لزوم الشاي والإفطار وكان من ضمن مشتريات هذه الشركة طقم صيني كامل وفاخر لاكل الوزير،حيث كان دائم السخرية من الغذاء المتواضع الذي يقدم في مجلس الوزراء. في احدي المرات عرض وزير الزراعة الأسبق يوسف والي ان تتولي شركات وزارة الزراعة ارسال اقفاص فاكهة وخضروات ولحوم من مشروعات الوزارة بشكل شهري للوزراء وذلك بدلا من رفع المرتبات الذي يتطلب تعديلاً قانونياً..فما كان من بعض الوزراء إلا ان طالبوا بأن تتحمل الحكومة دفع فواتير تليفونات زوجات الوزراء بدلا من الاكتفاء بتحمل فواتير التليفون الخاص بالوزير. لا يوفر مجلس الوزراء نفقات سفر وفود إعلامية من الصحفيين لتغطية انشطة الوزير او تلميعه..من هنا يلجأ الوزير إلي هيئات أو شركات تابعة له تحقق دخلا لتغطي تكلفة سفر الوفد الصحفي أو الإعلامي، ما يفسر قدرة بعض الوزراء علي اصطحاب وفود اعلامية لتغطية زيارات العمل التي يقومون بها، في حين لا يستطيع وزراء اخرون الحصول علي نفس الميزة لانهم اما لا يسيطرون علي شركات او هيئات تدر ربحا أو يرفضون ان تتولي الشركات تقديم مثل هذه الخدمات للوزراء. وقد يبدو الظرف الابيض في نهاية خدمة الوزير مستفزا للبعض..ففي إحدي التعديلات الوزارية اتصل وزير فورعلمه بخروجه بأحد كبار المسئولين وقال له بحزن شديد ان اكثر ما يحزنه انه كان علي وشك تزويج أحد بناته وانه لا يملك أموالا لتجهيز ابنته ، ووصلت الرسالة وبدأت حكاية الظرف المالي في نهاية خدمة الوزير بأوامر من مبارك شخصيا. عدم تحديد مكافأة مالية معلنة للوزير تسبب مشاكل أخري..وقد حكي رئيس الوزراء السابق الدكتور عبدالعزيز حجازي اكثر من مرة انه اكتشف ان معاشه كرئيس وزراء لا يتجاوز 300 جنيه وانه بدأ من الصفر في تكوين مكتبه الخاص للمحاسبة. ولكن المشكلة الأخطر ان شعور الوزير بعدم الأمان قد يدفعه إلي طلب السلامة وعدم خوض معارك كبري مع كبار رجال الأعمال المتعاملين مع وزارته. الوزارة بتعبير محمد ابراهيم سليمان وزير الإسكان الاسبق والمحبوس حاليا في طرة ضمن رموز النظام السابق بتهم الفساد أثناء توليه الوزارة "مش دايمة" وليس من العقل أو الحكمة ان تخسر فرصة العمل السخي في القطاع الخاص فى اللحظة السوداء اى لحظة الخروج من جنة السلطة فى حين يفرض حظر على الوزراء فى القطاع الخاص بعد خروجهم لمدة تتراوح بين 3 و5 سنوات لضمان عدم تعارض المصالح