«الحياة الطبيعية».. عنوان لمقال كتبته فى هذا المكان منذ قرابة العام، رجوت فيه عصام شرف رئيس وزراء مصر السابق ألا ينساق وينصاع لرغبة حسن صقر رئيس مجلس الرياضة وسمير زاهر رئيس اتحاد الكرة السابقين فى استئناف النشاط الكروى الذى توقف عقب ثورة يناير، لأن مصر أمامها تحديات وأولويات أهم، كانتخاب برلمان، وصياغة دستور واختيار رئيس. ولأن عودة النشاط الكروى ستكون بمثابة قنبلة موقوتة سيحدد موعد ومكان تفجيرها أصحاب المصلحة فى عدم استقرار مصر، سواء من هم فى الداخل أو فى الخارج. لكن شرف استهل مرحلة خنوعه للمجلس العسكرى بقرار استئناف الدورى استجابة لأنانية أهل كرة القدم وإلهاء الشارع عما هو أهم لهدف مزيف هو «إشعار الناس بعودة الحياة إلى طبيعتها»، وهى الحياة التى لم تعد إلى يومنا هذا لطبيعتها. وبعد عشرة أشهر من القرار الذى كانت أركانه قائمة على الغش والتدليس، دفع ثمنه 74 مشجعا أزهقت أرواحهم فى ملعب بورسعيد، وكان يمكن أن تزهق فى المحلة أو الإسماعيلية أو الإسكندرية أو حتى فى القاهرة.. وفق المكان والزمان اللذين يريدونهما المخططون. وها نحن اليوم نواصل السير على نفس الدرب الذى رسموه لنا.. فتحولت بورسعيد بطلة حرب 56 من مدينة باسلة إلى رقعة يجب اجتثاثها من خريطة مصر.. نسير خلف جهلاء التاريخ والجغرافيا الذين يطالبون بمقاطعتها وحصارها ليس رياضيا فقط، بل اقتصاديا، وأيضا اجتماعيا، فلا يتزوجون منا ولا نتزوج منهم. وبدلا من تصحيح قرار شرف بإيقاف النشاط لحين الانتهاء من استحقاقات الانتخابات الرئاسية وصياغة الدستور، نتاجر بدماء الشهداء فنلغى الدورى وننظم كأسهم استجابة لأبواق القنوات الفضائية، فننظم مباريات دون جماهير على ملاعب عسكرية لتضخ الحياة فى استديوهات التحليل بمشاركة الجميع باستثناء «مجرمى بورسعيد» والذى يمثلهم بطبيعة الحال «النادى المصرى»... ورغم أننا مازلنا حتى اليوم ننتظر صدور قرار الاتهام الذى تعده النيابة العامة فى قضية مجزرة بورسعيد، إلا أن مسئولى الكرة المصرية وأنديتها اختصروا كل الخطوات القضائية من أجل مصالح فضائية. لذلك لا أعجب من رموز الإعلام الرياضى فى مصر سواء ممن يتشادقون فى الاستديوهات أو من يمسكون بالأقلام وهم يسايرون إدارة النادى الأهلى وعموم جماهيره فى المطالبة بإعدام النادى المصرى.. رغم أن التحقيقات التى جرت حتى الآن، وكل ما توصلت إليه لجان تقصى الحقائق بما فيها لجنة مجلس الشعب أثبتت أن «الأمن» وتقصيره هو المسئول الأول عن الكارثة، كما أشارت إلى أيادٍ خفية خططت لما حدث. فى حالة الهوس التى تعيشها مصر، رفع أحد الشباب علم إسرائيل فى بورسعيد. ماذا ننتظر؟. ألا تكفى محاولات تقطيع أوصال الوطن بإثارة الفتنة الطائفية بين مسلمين ومسيحيين، حتى نأتى بفتنة كروية بين بورسعيد ووطنها الأم. اليوم بورسعيد، وغدا يمكن أن تكون السويس أو الإسماعيلية، ألا يوجد بيننا عقلاء؟... جريمة ارتكبها «بلطجية» وسط تقصير أمنى واضح من الحكومة، فنعاقب بها مدينة كاملة بأطفالها ونسائها... نتاجر اليوم بدماء الضحايا وغدا سنبحث عن المصالحة الوطنية. فبورسعيد شئنا أم أبينا هى جزء منى ومنك ومن مصر الكبيرة.. وليهبط النادى المصرى إلى الدرجة العاشرة إذا ثبتت إدانته. كنت أتمنى أن تفتتح كأس الشهداء مبارياتها كما قررنا إقامتها بلقاء ينزل فيه لاعبو الأهلى والمصرى يدا بيد.. وليذهب الجناة الحقيقيون الذين سيدينهم القضاء إلى حبل المشنقة، لأنهم يستحقون ما هو أشد، وسيجدونه بلا شك عند رب العالمين. فى إحدى الصحف الصادرة أمس الأول، قرأت تصريحا لإحدى فتيات حركة «6 أبريل» تقول فيه: «لو جاءت الانتخابات الرئاسية المقبلة برئيس من الفلول، فسوف نقوم بثورة أخرى».. ملعونة هى الديمقراطية التى تكون على المزاج.. وليرحم الله الوطن الذى يريد كل منا تفصيله على هواه.