اعتاد الرئيس حسنى مبارك الاجتماع بقادة المنظمات اليهودية فى واشنطن كلما زار العاصمة الأمريكية لما لهذه المنظمات من تأثير واضح على صناعة القرار سواء فى الولاياتالمتحدة أو فى إسرائيل. وقد استبق تقرير واشنطن وصول الرئيس مبارك إلى العاصمة الأمريكية بنشر ما يمكن اعتبارها قائمة بالمطالب التى سيضعها قادة المنظمات اليهودية على مائدة الرئيس مبارك خلال اللقاء. استند التقرير فى إعداد هذه القائمة إلى ما نشرته المنظمات والمراكز البحثية اليهودية على مختلف توجهاتها عن الزيارة الرئاسية ومقترحاتها لتعزيز العلاقات المصرية الأمريكية. ويشير تقرير واشنطن إلى أن جهود الرئيس مبارك لدفع عملية السلام فى الشرق الأوسط وجدت صدى إيجابيا لدى يهود الولاياتالمتحدة ووفق استطلاع الرأى الذى أجرته الرابطة اليهودية لمناهضة التشهير فى 8 من أبريل الماضى فإن سياسات الرئيس مبارك تحظى بتأييد 42% ممن شملهم استطلاع الرأى فى مقابل اعتراض حوالى 29% على تلك السياسات، وبالمقارنة بالرئيس الفلسطينى محمود عباس أبومازن الذى أشار حوالى 49% من اليهود الأمريكيين إلى أن سياساته لا تدفع عملية السلام قدما. تأتى قضية تهريب الأسلحة عبر شبه جزيرة سيناء المصرية إلى قطاع غزة على قمة القضايا التى أولتها المنظمات اليهودية بالولاياتالمتحدة اهتماما كبيرا، خاصة منذ نهاية العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة مع مطلع عام 2009، فلقد انتقد كل من ماثيو ليفيت ويورام كوهين الباحثين بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى المعروف بدعمه لإسرائيل عدم فاعلية الإجراءات المصرية فى التصدى لتهريب الأسلحة عبر الأنفاق الفلسطينية منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة فى عام 2007 مؤكدين أن الفترة بين عامى 2005 ويناير 2009 قد شهدت تهريب 250 طنا من المتفجرات و80 طنا من الأسمدة الكيمائية و4000 من رءوس صواريخ القسام وحوالى 1800 صاروخ وفق التقرير الذى أعده جهاز الاستخبارات الإسرائيلى الموساد، مؤكدين أن القاهرة يجب أن تتعاون بشكل أكبر مع تل أبيب للقضاء على مشكلة الأنفاق التى تمثل تهديدا مشتركا للدولتين. وفى السياق ذاته، اقترح كريس هارنيش فى تقرير بعنوان «دور مصر فى تهريب السلاح لغزة» نشرته كل من مؤسستى معهد أمريكان إنتربرايز ومركز السياسات اليهودى فى واشنطن فى 3 من أغسطس الجارى تبنى رؤية الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومى الإسرائيلى جيورا إيلاند حول إنشاء منطقة أمنية تمتد لمسافة ميلين من الحدود بين مصر وغزة، مغلقة بسياج مزدوج، لإحكام السيطرة على الأمن على الحدود بين مصر وقطاع غزة. ويرى كريس أن معالجة مشكلة تهريب الأسلحة ترتبط بتدنى مستويات التنمية فى شبه جزيرة سيناء وافتقاد البدو لفرص العمل وتردى أوضاعهم المعيشية ومن ثم يلجأ عدد كبير منهم للانخراط فى عمليات التهريب التى تدر أرباحا سنوية تقدر بحوالى 200 مليون دولار ومن ثم يؤكد كريس أن الاستثمار فى البنية التحتية وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار فى شبه جزيرة سيناء وتوفير فرص العمل يمكن أن يقضى على الأسباب المحورية لتنامى أنشطة التهريب إلى قطاع غزة. فى حين أشار ديفيد ماكوفسكى الباحث السياسى بمعهد دراسات الشرق الأدنى إلى أن الكونجرس قد خصص حوالى 23 مليون دولار من المساعدات للقاهرة بعد دراسة التقييم الميدانى التى أجراها فريق من سلاح المهندسين الأمريكى لشبكات الأنفاق على الحدود المصرية مع قطاع غزة بعد نهاية الهجوم الإسرائيلى على القطاع فضلا عن إمداد القاهرة بمعدات تقنية متقدمة لتدمير الأنفاق إلا أنه لم يجد فى تلك الجهود ما يكفل إنهاء تلك الظاهرة واقترح تكوين لجنة أمنية ثلاثية عليا من ممثلين عسكريين من مصر وإسرائيل والولاياتالمتحدة لتداول المعلومات الاستخباراتية حول مسارات الأنفاق وعمليات التهريب. ويتمثل الملف الثانى الذى أثارته المنظمات اليهودية الأمريكية بالتوازى مع زيارة الرئيس مبارك لواشنطن فى العلاقات المصرية الإسرائيلية والتطبيع العربى مع إسرائيل، فلقد وجه 71 عضوا بمجلس الشيوخ خطابا للرئيس أوباما فى 10 من أغسطس الجارى يحثونه على الضغط على الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل وتواكب ذلك مع نشر الرابطة اليهودية لمناهضة التشهير إعلان فى صحيفة نيويورك تايمز يقول: «إن العقبة الرئيسة لتحقيق السلام فى المنطقة ليس إسرائيل، وإنما الرفض العربى والفلسطينى لحق إسرائيل فى الوجود» داعية أوباما لوقف ضغوطه على حكومة نتنياهو لوقف الاستيطان والضغط على القادة العرب للقبول بوجود دولة إسرائيل. وفى السياق ذاته، انتقدت لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية إيباك فى تقرير صادر فى 20 من يوليو 2009 تصريحات الرئيس مبارك حول عدم قبوله بيهودية دولة إسرائيل بدعوى وجود مواطنين عرب فى إسرائيل وأن ذلك يجعل إسرائيل هدفا لنشاط التنظيمات الإرهابية فى المنطقة واعتبرت المنظمة هذه التصريحات امتدادا لجمود العلاقات المصرية الإسرائيلية وتساءلت عن سبب إحجام مبارك عن زيارة إسرائيل منذ توليه للسلطة باستثناء حضوره لجنازة رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق إسحاق رابين. كما اقترنت مقترحات المنظمات اليهودية بالولاياتالمتحدة حول تعزيز العلاقات المصرية الإسرائيلية ومطالبة القاهرة بالتصدى لعمليات تهريب الأسلحة بتساؤلات حول مستقبل النظام الحاكم فى مصر وعملية انتقال السلطة فى مرحلة ما بعد انتخابات الرئاسة المصرية المقبلة فى عام 2011 وفى هذا الصدد نشرت مجلة ميدل ايست كوارترلى التى يصدرها منتدى الشرق الأوسط برئاسة دانييل بايبس الباحث اليهودى الموالى لإسرائيل فى عدد صيف 2009، دراسة بعنوان «هل مصر مستقرة؟» أشارت إلى أن معالم انتقال السلطة فى مصر غير واضحة لاسيما فى ظل إحجام الرئيس مبارك عن تعيين نائب له على غرار سابقيه، وأن احتمال سيطرة الإخوان المسلمين على السلطة ينطوى على تداعيات كارثية على أمن إسرائيل بحيث سيكون تدمير إسرائيل المبدأ الموحد للحكومات العربية». ونوه الكاتب إلى ما وصفه ببوادر عدم الاستقرار فى مصر نتيجة لتردى الأوضاع الاقتصادية وتضاؤل معدل النمو السنوى لدخل الفرد فى النصف الثانى من عام 2009 إلى حوالى 3% وتوقع تراجع معدلات النمو إلى حوالى 2.4% عام 2010 وفق المؤشرات الصادرة عن منظمة العمل الدولية وهو ما تواكب مع معدلات مرتفعة لنمو السكان وتصاعد البطالة بين الشباب. ورغم إقرار كل من ديفيد شينكر وسكوت كاربنتر بأن مصر تظل شريكا استراتيجيّا فى منطقة غير مستقرة، فى تقرير لهما صادر عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى فى 12 من أغسطس الجارى فإنهما نوها إلى أن مصر قد أضحت غير مستقرة وتواجه تحديات اجتماعية اقتصادية محذرين من أن النفوذ الإقليمى المصرى قد أصبح على المحك وفى سبيله للتراجع لاسيما مع توقف النظام المصرى عن مواصلة الإصلاح السياسى بعد حصول الإخوان المسلمين على 88 مقعدا فى الانتخابات البرلمانية عام 2005، داعية أوباما إلى عدم التغاضى عن المخاوف المتعلقة بمستقبل الحكم فى مصر وعملية التحول الديمقراطى خشية فقدان تعاون القاهرة فى مواجهة إيران وحركة حماس وألا يكون استعادة الأجواء الإيجابية مع القاهرة على حساب التطرق لتلك القضايا المحورية ومناقشته علنا قبل تأثر المباحثات. وفى ضوء هذه المطالب يصبح السؤال هو: هل تتأثر مباحثات مبارك وأوباما بضغوط المنظمات اليهودية؟ يمكن القول إن أوباما يؤيد بدء التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل وقد يكون ذلك أحد محاور مباحثاته مع الرئيس مبارك، ومن المرجح أن تكون المعادلة التى يطرحها أوباما هى تجميد الاستيطان مقابل التطبيع التدريجى، فى المقابل فإن الرئيس مبارك قد لا يستجيب لموقف أوباما لأن صفقة «تجميد الاستيطان مقابل التطبيع» تفتقد لعنصر جوهرى وهو التوافق بين الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى حول قضايا التسوية النهائية ولإدراك الرئيس مبارك أن تجميد الاستيطان يمثل ثمنا ضئيلا للتطبيع الكامل الذى يطلبه أوباما.