اختصت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين مصر بتقرير شامل عن أوضاع ممارسة مهنة الصحافة بها، بالتزامن مع اليوم العالمى لحرية الصحافة، حيث رأت أن الإعلام المصرى حرص على الإيحاء بقوة خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة بأن وزير الدفاع آنذاك، عبدالفتاح السيسى، هو الخيار الأوحد، مع تحييد جميع المرشحين الآخرين للرئاسة أو إسقاطهم من الاعتبار أو حتى «تسفيههم على نحو مستهتر». واعتبر التقرير أنه بفضل هذا الدعم الإعلامى للسيسى، أصبح المشهد جاهزا للعودة إلى إعلام صوت واحد مصطف مع الدولة، حيث وقعت حالات من التدخل الحكومى المباشر أو الرقابة، من قبيل إغلاق القنوات الإسلامية المعارضة، لكن معظم عمليات الرقابة تصدر الآن عن مؤسسة إعلامية متحمسة ومتحالفة مع الدولة. وقال التقرير إن النتيجة هى أن الإعلام فى مصر بات يمثل بشكل أساسى صوت الدولة، حيث تجلى هذا الاتجاه بكل وضوح فى فترة الاستعداد للانتخابات، ففى المقابلات الحوارية التى أجرتها قنوات تلفزيونية كبرى خاصة مع السيسى وحمدين صباحى (الوحيد الذى صمد كمرشح معارضة)، كان الفرق فى المعاملة واضحا تماما. وأوضح التقرير أن العلاقة بين النظام والإعلام تتخذ طابعا عصيبا خلال الأيام الأولى للسيسى فى السلطة، فيما أدى الانشغال الواضح للدولة بدور الإعلام إلى النتائج المنشودة، فقد حول الإعلام تغطيته نحو دعم الحكومة، وقد أفضى ذلك حتما إلى تغطية منحازة ورقابة ذاتية. وتابع التقرير أن الصحفيين يجدون أنفسهم فى أغلب الأحيان معرضين لخطر مادى فى الميدان أو واقعين فى ورطة قانونية لها صلة بحالة عدم الاستقرار السياسى، كما تعكف هيئات التحرير فى الصحف العامة والخاصة على إبعاد، أو على الأقل إسكات، الشخصيات المؤثرة التى تتضارب رؤاها مع رواية النظام، التى تتطلب وطنية مفرطة وصوتا سياسيا موحدا من أجل محاربة الإرهاب فى الظاهر، لافتا إلى أن «مقدمى البرامج الحوارية الذين أيدوا السيسى اسميا لكن كانت لديهم نزعة للنقد على نحو صادق فقدوا مواقعهم على الشاشة أو فى الصحف على الرغم من الشهرة التى يتمتعون بها والجمهور العريض الذى يشاهدهم». وقال رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، خالد البلشى، فى التقرير، إنه «بعد ثورة 25 يناير مباشرة كانت السلطة فى الشوارع، لذا كان على الإعلام أن يسير فى ركابها، لكن عاد الآن رجال الأعمال الذين يسيرون الإعلام لصالح الدولة»، معتبرا أن «الدولة أساءت للصحافة عندما تعاملت بقسوة مع المراسلين الذين أغضبوها بفرض قيود على إمكانية الحصول على المعلومات وإجراءات قانونية مختلفة». وأضاف البلشى: «نحن إما أننا ننتظر نظاما قمعيا فى مصر يديره تحالف بين الشركات الخاصة والدولة التى ليس أمامها إلا أن تصبح أكثر قمعا فى المستقبل، أو أن لدينا بصيص أمل فى قانون تقدمى جديد من شأنه إذا ما طبق أن يفضى إلى صحافة حرة بحق». وأضاف أن النقابة تأمل فى تغيير الأوضاع الحالية من خلال سن تشريعات جديدة، مضيفا أن اللجنة تعكف على عمل مشروع لتحرير الإعلام والصحف المملوكة للدولة. وأشار إلى أن الانتهكات بحق الصحفيين المصريين لا زالت مستمرة، مضيفا أن هناك 8 من أعضاء النقابة لا يزالون قيد الحبس الاحتياطى، منهم لاتهامات تتعلق بقضايا نشر ومنهم لاتهامات تتعلق بموقفهم التنظيمى. من ناحيته اعتبر التقرير أن عبارة إعطاء «الأولوية للمصلحة الوطنية»، وهو موضوع متكرر لدى المسئولين الحكوميين والإعلاميين، هى عبارة مفتوحة على كل التفسيرات والتى تكون ضمن نطاق فهم الحكومة إلى حد بعيد، لافتا إلى أنه بالنسبة لكثير من الصحفيين المصريين فإن دعم مواقف الحكومة واجب، بل إنه لا ينظر إليه على أنه تحيز. وأوضح التقرير أنه منذ الأيام الأولى للجمهورية المصرية الجديدة، كان كل رئيس يعين وزيرا للإعلام يقوم بتنظيم وإدارة المؤسسة الإعلامية برمتها فى مصر، وذلك من خلال التنسيق المباشر مع النظام الممسك بزمام السلطة، والآن تم إلغاء هذا المنصب فيما يجرى إنشاء المجلس الوطنى للإعلام كبديل عنه بموجب التوجيهات التى وردت فى المادة 211 من الدستور المصرى لعام 2014، ومما تنص عليه المادة إضافة إلى أشياء أخرى أن المجلس مسئول عن ضمان وحماية حرية الصحافة والإعلام وصون استقلاليتها وحيدتها وتعدديتها وتنوعها، ومنع الممارسات الاحتكارية.