رسمت قبائل سيناء حدودها بعد صراعات مريرة استمرت لأعوام، انتهت بالصلح الشهير بين قبيلتى الترابين والسواركة فى العام 1889، واستقرت أوضاع القبائل داخل نطاقات جغرافية محددة لا تجور فيها قبيلة على أخرى، حيث يخضع الجميع لتعليمات القضاء العرفى الصارمة التى تمنع تعدي طرف على آخر دون وجه حق. إلا أن السنوات الأخيرة دخلت سيناء فى دوامة عنف، وتردت الأحوال الأهلية بدخول لاعبين جدد، ومنهم تنظيم أنصار بيت المقدس الذي يعتبر نفسه فرعا للخلافة الإسلامية فى سيناء مطلقا على نفسه «ولاية سيناء» بعد مبايعته لأبو بكر البغدادي أميرا للمؤمنين، معلنا رفضه للتشكيلات التقليدية والاعتبارات الحاكمة لشرائح سكان سيناء المختلفة والحدود القبلية للأراضى. كما ضاعت تحت قوة سلاح التنظيم جميع الاعتبارات حتى أن القضاء العرفي كاد يختفى خلال الأعوام الأربعة الاخيرة، ونشأ قضاء بديل باسم القضاء الشرعي مع تنامى التيارات الدينية المتشددة بالمحافظة. وفي هذا السياق، دعت قبيلة الترابين بقية القبائل، بتفعيل أحد البنود الصارمة فى القوانين العرفية وهو بند «التشميس» الذي يرفع الغطاء القبلي عن الخارجين عن العادات أو المتورطين فى جرائم تجلب شرورا على عموم القبيلة، وعدم الانصياع لتعليمات وجهاءها وشيوخها بشكل صارخ، يعطى ضوءا أخضر بأن تبدأ مرحلة جديدة من مطاردة العناصر المطلوبة على ذمة قضايا ارهابية، دون تحمل القبائل نتائج تلك الملاحقة فى إجراءات التقاضي المستقبلية وفقا للأعراف السائدة. واعتبر الباحث فى شئون القبائل عبدالقادر مبارك، من قبيلة السواركة، أن مفهوم إعلان القبائل الانضمام لتحالفات لا يمكن أن يؤخذ بالشكل المطلق للتشكيل والتنظيم القبلي، فتشكيلات القبائل تعتد على العشائر والأرباع والأخماس، وكل تشكيل له شيخا، فلا يتم طرح أسم القبيلة بشكل جمعي سوي من يمثلها شيوخ التشكيلات التنظيمية للقبيلة فى الاجتماعات. ورجح الباحث، أن يعلن أفراد من القبائل بالانضمام للتحالفات بشكل فردي وليس بالشكل الجماعي الذي يحمل اسم القبيلة أو حتى العشيرة. وحتى الآن لم تعلن القبائل بشكل صريح موقفها من دعوة قبيلة الترابين للانضمام للتحالف القبلي ضد تنظيم أنصار بيت المقدس، فيما يرقب الأهالي باهتمام بالغ موعد انعقاد المؤتمر الذى دعت إليه الترابين فى 10 مايو الحالي فى منطقة السر والقوارير بوسط سيناء، الذى وجهت فيه الدعوة لكل القبائل للمشاركة. وهو المؤتمر الذى سيكشف موقف القبائل المشاركة، حيث لم تعلن أي قبيلة عبر شيوخها عن موقفها، وأكدت مصادر قبلية أن اتصالات سرية بين أبناء القبائل للتحضير للمؤتمر، وأن فرض السرية على تلك الاتصالات يأتي بشكل وقائي لعدم تمكين تنظيم بيت المقدس من معرفة أسماء المشاركين واستهدافهم قبل انعقاد المؤتمر. ويستخدم التشميس للمرة الثانية ضد الإرهاب حيث تم إعلان السير قدما فى نفس الإجراء فترة ما بعد تفجيرات طابا 2004 ضد أعضاء تنظيم التوحيدو الجهاد خلال ملاحقات الأمن لهم فى جبال سيناء، خاصة جبل الحلال. وخرج شيوخ عشائر القبائل بوثيقة تم التوقيع عليها بعد اجتماع حضره قيادات أمنية، إلا أن تلك الوثيقة لم تنجح فى الحد من تكرار الهجمات حتى العام 2007، واليوم يكرر أبناء القبائل هذا التاريخ بالدعوة الجديدة من خلال القيادي فى قبيلة الترابين موسى الدلح للتشميس خلال 10 أيام، قبيل انعقاد المؤتمر المزمع عقده فى يوم 10 مايو المقبل، الذي تراهن قبيلة الترابين على نجاحه بمشاركة أبناء القبائل الأخرى التى لم تعلن موقفها بعد.