* عالم مصريات: الفراعنة أول من اكتشفوا الفسيخ.. وأبدعوا فى صناعة الأسماك المملحة * بائع: رائحته عندى «زى الكباب».. وكثيرون حاولوا شراء «سر الصنعة» ورفضنا
لم يكن شادى يحب رائحة «الفسيخ»، عندما كان طفلا، لكن مع مرور الوقت وبقاء الفسيخ حاضرا كوجبة أسبوعية على مائدة أسرته، بدأ يتذوقه مرة بعد مرة. وتحول كره شادى للفسيخ إلى عشق، بعدما عرف قصة عائلته معه، التى حكاها له والده الحاج عبده شاهين، ليعرف أن «الفسيخ فتح باب الزرق واسعا أمام عائلته منذ عام 1910»، ففى هذا العام قدم جده الكبير شاهين من إحدى قرى الصعيد، وقرر فتح محل لبيع الأسماك المملحة فى القاهرة، حتى ذاع صيته وتوارث أولاده وأحفاده المهنة جيلا بعد جيل. الحج عبده شاهين بدأ تصنيع الفسيخ من سمك البورى، عندما كان عمره 12 عاما، وطور تصنيعه، بالاهتمام بنوعية أسماك البورى التى يشتريها من صيادى كفر الشيخ، وتخصيص ثلاجات من الرخام لوضع الأسماك بها، حيث يحافظ الرخام على نسبة معينة من البرودة، تحفظ الفسيخ لفترة طويلة. نقل شاهين المهنة لأولاده ومعها «سر الصنعة»، ويقول شادى إن وكلاء كثيرين حاولوا شراءها منا لتفح محال فى الخارج لكننا رفضنا، «وتظل جودة الأسماك التى نشتريها وحرصنا الشديد على الاهتمام بها، سببا فى ثقة الناس بنا». ويعتبر الشاب العشرينى أن رواج سوق الأسماك المملحة، سببه حب المصريين للأسماك منذ أيام الفراعنة، موضحا أنها أصبحت وجبة رئيسية على مائدة الصعايدة. شادى الذى التحق بكلية التجارة، فكر فى إنشاء مشروع خاص به عندما تخرج، لكنه عدل عن تفكيره وقرر أن يحمل على عاتقه استكمال مسيرة أجداده فى تطوير المهنة، بعدما حققت تجارتهم نجاحا كبيرا، وبدأوا فى التصدير لبعض الدول العربية. ويقول شادى إن مراحل تصنيع الفسيخ تبدأ من اختياره بعناية من مزارع السمك، ثم تنظيفه من رواسب البحر، وتجفيفه فى دفايات، ثم تمليحه بعد ذلك، ووضعه فى ثلاجات من الرخام. ويرى أن رائحة الفسيخ تبدو مزعجة لمن لا يحبه، لكنها شهية للغاية لمن يأكله، ويعتبر رائحة محله الكائن بوسط البلد، مثل رائحة أى كبابجى «هى رائحة تشعرنى بالسعادة»، ناصحا الناس بعدم الشراء من أى بائع مجهول، حتى لا يتعرضوا للتسمم. ويلاحظ شادى أن الأسماك المملحة لم تعد مرتبطة بموسم معين، حيث أصبحت وجبة حاضرة على مائدة المصريين أسبوعيا، وأن الفسيخ وجبة يعشقها المصريون منذ أيام الفراعنة، حيث تشير الكثير من البرديات إلى أن كانوا يتناولون هذه الوجبة، ويجيدون صناعتها. الدكتور بسام الشماع، الذى ألف عدة كتب فى علم «المصريات»، يتفق مع شادى فيما يخص ارتباط الفسيخ وشم النسيم بالمصريين القدماء، ويقول إن المصريين كانوا يحبون الاحتفالات عموما، وقد وصلت الأعياد فى عهد تحتمس الثالث إلى 54 عيدا. وكان المصريون القدماء يخصصون بداية كل موسم ليكون عيدا، حيث توزعت السنة على ثلاثة أعياد، عيد آخد، وهو أول يوم فى موسم الفيضان، وعيد بيرت وهو أول يوم فى موسم الشتاء، ثم عيد «شيمو» وهو أول يوم فى موسم الربيع والحصاد. وتطور عيد «شيمو» مع الزمن ليصبح شم النسيم، وظل محافظا على كل مظاهره القديمة من مأكولات وخروج للمتنزهات «ويعتبر الفراعنة أن أى شخص لا يتريض هو شخص كسول».. هكذا قال الشماع. وأضاف أن المصرى القديم كان يبدع فى صناعة الأسماك المملحة، فقد كانت وجبة الفسيخ موجودة على مائدة الفراعنة فى مدخل الربيع، موضحا أن معابد سقارة بها رسوم توضح عشق الفراعنة لصيد الأسماك، وأنهم كانوا يستعملون الشباك وأقفاص البوص للصيد فى سنوات ما قبل الميلاد. وأكد أنه لكثرة الأسماك توصل القدماء إلى طريقة للحفاظ عليها عن طريق تمليحها، فكان «الفسيخ» منذ القدم. لافتا فى الوقت ذاته إلى تحنيط الفراعنة بعض الأسماك مثل «قشر البياض»، الموجودة الآن بالمتاحف.