تدخل الأزمة اليمنية مرحلة مهمة من مراحل تطورها الدراماتيكي منذ سيطرة الحوثيين على كل مفاصل الدولة، بعد الإعلان الدستوري الذى أصدروه في صنعاء، ومع استمرار رفض الحوثيين لأي نوع من الحوار الهادف والبناء واتباعهم سياسة السيطرة على معظم المدن اليمنية. وإدراكاً منهم لخطورة التداعيات السلبية على أمن واستقرار المنطقة، طالبت دول مجلس التعاون الخليجي باستصدار قرار من مجلس الأمن ضد انقلاب الحوثيين يستند إلى البند السابع من ميثاق الأممالمتحدة، والذي يجيز استخدام القوة العسكرية المسلحة أو فرض العقوبات الاقتصادية بسبب تهديد السلم والأمن الدوليين. بدا تحول نوعي في مسار الأزمة اليمنية بعد رفض مجلس الأمن للطلب الخليجي واستمرار تدهور الأوضاع، وهروب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من قيد الإقامة الجبرية - التى فرضها عليها الحوثيون فى صنعاء - إلى عدن. وتمكن وزير الدفاع اليمني اللواء محمود الصبيحي من الخروج من العاصمة صنعاء على الرغم من الحصار الذي كان يفرضه عليه مسلحو جماعة الحوثي، ثم ترحيب دول مجلس التعاون الخليجي بعقد مؤتمر للحوار اليمني في الرياض بناء على طلب الرئيس اليمني، بهدف المحافظة على أمن واستقرار اليمن في إطار التمسك بالشرعية ورفض الانقلاب عليها، وعدمِ التعامل مع ما يسمى الإعلان الدستوري ورفضِ شرعنته، وأن يكون الحوار تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي. مسارات متعددة للدبلوماسية العمانية وفي إطار المساعي الخليجية للتحرك الدبلوماسي لحل الأزمة اليمنية وبعد أن قامت خمس دول من دول مجلس التعاون ما عدا سلطنة عمان بنقل مقر سفاراتها من صنعاء إلى عدن، تخوفاً من تدهور الأوضاع الأمنية، جاءت تحركات الدبلوماسية العمانية على أكثر من مسار وذلك لإيجاد الأرضية المناسبة لإجراء الحوار وحل الأزمة سياسياً، وتتمثل مسارات التحرك العماني في الآتي: أولا: تأكيد تقارير سياسية أن ثمة مساعي وساطة تقوم بها سلطنة عمان منذ نوفمبر الماضي بطلب يمني لحث إيران على التدخل بشكل فاعل للحد من التصعيد المطرد لأنشطة وتحركات جماعة الحوثي التوسعية والإسهام في مساعدة الحكومة الجديدة على توفير الأجواء المواتية لتنفيذ برنامج عملها لما تبقى من الفترة الانتقالية الذي تتصدره استحقاق استعادة السيطرة على الأوضاع الأمنية في كافة المحافظات واستكمال تنفيذ بنود اتفاق السلم والشراكة الوطنية. وتعزز التحرك العماني بعد تقرير صادر عن الوكالة الأمريكية للدراسات الإستراتيجية والاستخباراتية "ستراتفور". يذكر، أن "إيران تنقل أسلحة إلى الحوثيين في اليمن عبر طريق يبدأ من ميناء عصب الإريتري ويلتوي شرقا حول الطرف الجنوبي من بحر العرب في خليج عدن إلى مدينة شقرة التي تقع على الساحل الجنوبي لليمن، ومن هناك تتحرك الأسلحة برا إلى شمال مدينة مأرب شرقي اليمن وبعدها إلى محافظة صعدة شمالا على الحدود السعودية - اليمنية". ثانياً: أن سلطنة عمان وكعادتها دائماً تتبع سياسة مرنة تسمى ب "سياسة الباب المفتوح" والتي ترتكز على ضرورة الحفاظ على "شعرة معاوية" في علاقاتها الدولية والإقليمية حتى في أصعب الظروف، ولذا فإن سفارة سلطنة عمان هي الوحيدة التي لا تزال تعمل من صنعاء، في حين أن دول مجلس التعاون الخليجي أعلنت نقل سفاراتها إلى مدينة عدن التي باتت بحكم الأمر الواقع العاصمة السياسية لليمن. ويعد ذلك التصرف فيه بعد نظر للدبلوماسية العمانية، إذ أن بقاء السفارة العمانية مفتوحة، ربما يكون جزءا من الاستراتيجية الخليجية لإبقاء قناة اتصال مع الحوثيين وحليفتهم إيران، استكمالاً للدور الذي بدأته السلطنة في ما يخص ملف الأزمة في اليمن. ثالثاً: الرصيد الاستراتيجي للدور العماني في حل الأزمات الإقليمية والدولية ولعل أبرزها وأحدثها هو دور المحوري في رعاية المفاوضات النووية بين الغرب وإيران، والتي دخلت مرحتها النهائية وأنه ربما يتوصل أوباما إلى اتفاق نهائي مع إيران ينهي هذا الملف قريباً. تأتى احتمالات استضافة السلطنة للمفاوضات بين أطراف الأزمة اليمنية، فى سياق مواقفها التى تعكس الحرص على مواصلة القيام بأدوار ومبادرات يؤدى التنفيذ الفورى لها، وفى التوقيت المناسب دون إبطاء، إلى حقن الدماء والحيلولة دون تفاقم حدة الخلافات. وبذلك تسهم السلطنة تنفيذا للسياسات التي يوجه بها السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان، فى دعم الاستقرار الاقليمى وإحلال السلام العالمي وتعزيز سياسات حسن الجوار من خلال استخدام آليات متعددة. يعزز من دور الدبلوماسية العمانية في تهيئة الأجواء لحل الأزمة اليمنية، ثقة الدول الإقليمية مثل إيران التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع الجانب العماني في جميع المجالات، وكذلك ثقة الولاياتالمتحدةالأمريكية في قدرة الدبلوماسية العمانية بحكم العلاقات التاريخية بين البلدين، إذ كانت سلطنة عمان أول دولة عربية ترسل بعثة دبلوماسية إلي الولاياتالمتحدة عام 1840 وكان لها في نفس الوقت معاهدة صداقة مع كل من المملكة المتحدةوالولاياتالمتحدة، فضلا عن علاقات وثيقة مع فرنسا في إطار نوع من التوازن السياسي المبكر. وبينما شكلت التجارة جوهر علاقات عمان مع العديد من الدول، حملت السفن العمانية رسالة الود والسلام إلي الشعوب الأخري. ومن هنا فقد يتم اختيار السلطنة مركزا للتفاوض مع سائر الفرقاء اليمنيين. ويؤكد المحللون السياسيون، أن التحركات العمانية في الأزمة اليمنية لم تأت من فراغ وإنما جاءت ترجمة واقعية لمبادئها في السياسة الخارجية التي أسسها السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان، والتي أوجزها بقوله: إن السياسة العمانية تؤكد أواصر الصداقة مع جميع الدول والشعوب علي أساس من الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة، وعدم التدخل في الشئون الداخلية ومراعاة المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية، وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة، وبما يؤدي إلي إشاعة السلام والأمن بين الدول والشعوب. وتؤمن عمان بأن هذه المبادئ توفر المناخ الملائم والضروري للتنمية والسلام والأمن علي المستويات الإقليمية والدولية. ويقول السلطان قابوس: إن الالتزام بهذه المبادئ من قبل الجميع من شأنه أن يوجد تعاونا أوثق وتواصلا أعمق بين الأمم علي اختلاف مذاهبها، ويقلل من الأزمات والنزاعات الدولية، ويحد من الصراعات القومية والعرقية والدينية والطائفية، ويؤدي في النهاية إلي حلول عادلة للمشكلات الكثيرة التي تتفجر بشكل لافت في بعض أرجاء المعمورة. ويبقى التأكيد على حقيقة مهمة وهي أن الدور العماني لم ولن يكون انتقاصاً من الأدوار التي تقوم بها منظومة دول مجلس التعاون الخليجي وإنما هو دور مكمل للدور الخليجي في سياقه العام، وقد شددت عمان كثيرا علي أن الأمن ضرورة قصوي وأنه شأن خليجي صرف، ولابد أن تكون لدول الخليج العربية قواها الذاتية المشتركة التي تعمل علي نزع فتيل الأزمات. والتوصل إلي رؤية خليجية مشتركة للأمن يتطلب مناخ الوئام والحوار والثقة المتبادلة، وهذا هو ما تعمل عمان علي تحقيقه دون إقصاء أي طرف من الأطراف.