يتعرض رغيف الخبز فى مصر لعملية التفاف واحتيال حذر من جانب الحكومة، رفع الستار هذا الأسبوع عن أحد فصولها المثيرة. فقد كشفت صحيفة «الوفد» فى عددها الصادر يوم 3/8 الحالى عن صدور قرار وزارى يقضى بمضاعفة سعر رغيف الخبز من خمسة قروش إلى عشرة وعشرين قرشا. وقال الخبر المنشور إن القرار جزء من خطة استهدفت تقليل الدعم الذى تقدمه الحكومة كى يباع الخبز بأسعار فى متناول الجميع، وبمقتضى هذه الخطة فإن الرغيف الذى يباع بخمسة قروش سبقى ولكن كميات الدقيق المخصصة لإنتاجه ستقل، وفى الوقت ذاته فإن رغيفا بمواصفات ودقيق أفضل سيتم إنتاجه بحيث يباع بعشرة قروش إذا كانت زنته 85 جراما و20 قرشا إذا كان وزنه 140 جراما، وحسب القرار الذى نشرت «الوفد» صورة زنكوغرافية له فإن مواصفات الرغيف «المحترم» تحددت كالتالى: «أن يكون كامل الاستدارة والنضج، وغير ملتصق الشطرين وساخنا وطريا وخارجا من بيت النار مباشرة». ورغم أن هذه المواصفات تحتمل العديد من التعليقات التى تختلط فيها الدهشة بالسخرية، إلا أننا سنغض الطرف عن هذا الجانب مؤقتا، لأن هناك ما هو أهم. ذلك أن الصحيفة ذكرت أن وزير التضامن الاجتماعى الدكتور على مصيلحى انتهز فرصة عطلة مجلس الشعب (التى بدأت فى 18/6) وأصدر القرار فى غيابه (فى 7/7) بعد حصوله على الضوء الأخضر من رئيس الوزراء. فى نفس اليوم الذى نشر فيه الخبر أصدرت وزارة التضامن الاجتماعى بيانا ذكرت فيه أن التزام الدولة مستمر بإنتاج الرغيف المدعم الذى يباع بخمسة قروش، وأن 19 ألف مخبز بلدى مازالت تواصل تقديم تلك الأرغفة الرخيصة الثمن، حيث تنتج ما يقرب من 250 مليون رغيف يوميا، ونفى البيان أن هناك نية لرفع سعر الرغيف إلى 10 أو 20 قرشا. ما ذكره بيان الوزارة أيضا أن الرغيف الجديد (الطباقى) يتم إنتاجه منذ ثلاث سنوات فى بعض المحافظات، وأن القرار الذى صدر أخيرا استهدف تعديل مواصفات الرغيف الجديد «ليكون أكثر جودة». البيان غير مقنع وضعيف الحجة، لأننا لا نفهم أن يصدر قرار وزارى لمجرد تحسين جودة الرغيف «المحسن» الذى يباع بالسعر المضاعف، لأن الأولى بهذه الرعاية هو رغيف الغلابة الذى يباع بخمسة قروش، وأصبح شحيحا فى الأسواق، والمتوافر منه ساءت سمعته حتى أصبح الناس يتندرون عليه، قائلين إن الرغيف أصبح يمشى لوحده، بسبب كثرة الحشرات فيه. ولا يعقل فى ظل هذه السمعة أن يتجاهل الوزير ذلك الرغيف، ويوجه اهتمامه إلى تحسين جودة الرغيف الأعلى سعرا. ثم، إذا كان الأمر بريئا على النحو الذى عبر عنه بيان الوزارة، فلماذا انتظر الوزير حتى انفضت دورة مجلس الشعب فى 18/6 وأصدر قراره فى 7/7. وهو مالا يفسر إلا بحسبانه حرصا على إثارة الموضوع فى المجلس، مما قد يعرض الحكومة للنقد والحرج. ما يجرى الآن بخصوص رغيف الخبز شبيه بما حدث مع البنزين، حين أرادت الحكومة رفع سعره وفعلت نفس الشىء، إذ انتجت نوعية محسنة بسعر مرتفع (ثلاثة أضعاف سعر البنزين الرخيص). ثم وفرت النوعية الأعلى سعرا فى حين قللت من عرض الأرخص، حتى بدا وكأنه موجود وغير موجود. قال لى مسئول طلب عدم ذكر اسمه إن بيع الرغيف بخمسة قروش جريمة بحق البلد، لأن سعره الحقيقى عشرون قرشا، وأضاف أن المجتمع ينبغى أن يشترك فى تحمل العبء مع الحكومة. لم يخل الكلام من منطق وجدته غريبا. لأن الحكومة تريد من الناس أن يشتركوا فى الغرم وفى الوقت نفسه تصر على ألا يشتركوا معها فى القرار أو السلطة. ثم إن الحكومة تريد من الناس أن يتحملوا مسئوليتهم إزاءها، فى حين أن تقصيرها فى حق الناس لا يختلف عليه أحد، فى هذه النقطة قلت إن على الحكومة أن تنهض بواجباتها أولا بحيث تقدم لنا تعليما «محسنا» ومياها نظيفة ورعاية صحية تليق بالبشر و... إلخ. وبعد ذلك تطالب الناس بأن يقوموا بما عليهم.أما حين يحدث العكس فذلك هو اللعب بالنار حقا.