على مساحة 165 مترًا.. رئيس هيئة النيابة الإدارية يفتتح النادي البحري فى الإسكندرية (صور)    "المصريين": ثورة 30 يونيو ستبقى علامة فارقة في تاريخ مصر    حماة الوطن: نجدد الدعم للقيادة السياسية في ذكرى ثورة 30 يونيو    تحديث مباشر.. سعر الدولار اليوم في مصر    تباطئ معدل نمو الاقتصاد المصري إلى 2.22% خلال الربع الثالث من العام المالي 2024-2023    بن غفير ردا على كندا: إسرائيل ذات سيادة ولن تقبل إملاءات من أي دولة    حزب الله يهاجم بمسيرات هجومية موقع الناقورة البحري    إسبانيول: تفعيل ريال مدريد بند شراء خوسيلو وبيعه للغرافة القطري    فليك يطلب بقاء نجم برشلونة    حملات تموينية على الأسواق والمخابز والمحال بشمال سيناء    "مظاهرة حب".. أول حديث ل عمرو يوسف بعد إعلان مرض كندة علوش    كريم عبد العزيز يكشف موعد عرض فيلم الفيل الأزرق 3    ما هي الضوابط الأساسية لتحويلات الطلاب بين المدارس؟    إصابة 5 أشخاص فى حادث تصادم سيارة ميكروباص بعمود إنارة ببنى سويف    وكيل صحة الدقهلية يتفقد مستشفى نبروه المركزي (صور)    محمد مهنا: «4 أمور أعظم من الذنب» (فيديو)    أفضل دعاء السنة الهجرية الجديدة 1446 مكتوب    انطلاق مباراة الإسماعيلي والمصري في الدوري    قائد القوات الجوية الإسرائيلية: سنقضى على حماس قريبا ومستعدون لحزب الله    لطيفة تطرح ثالث كليباتها «بتقول جرحتك».. «مفيش ممنوع» يتصدر التريند    يورو 2024.. توريس ينافس ديباى على أفضل هدف بالجولة الثالثة من المجموعات    أيمن غنيم: سيناء شهدت ملحمتي التطهير والتطوير في عهد الرئيس السيسي    عبدالمنعم سعيد: مصر لديها خبرة كبيرة في التفاوض السياسي    فيروس زيكا.. خطر يهدد الهند في صيف 2024 وينتقل إلى البشر عن طريق الاختلاط    «الرعاية الصحية» تعلن حصاد إنجازاتها بعد مرور 5 أعوام من انطلاق منظومة التأمين الصحي الشامل    مستشار الأمن القومى لنائبة الرئيس الأمريكى يؤكد أهمية وقف إطلاق النار فى غزة    «رحلة التميز النسائى»    أيمن الجميل: تطوير الصناعات الزراعية المتكاملة يشهد نموا متصاعدا خلال السنوات الأخيرة ويحقق طفرة فى الصادرات المصرية    مع ارتفاع درجات الحرارة.. «الصحة» تكشف أعراض الإجهاد الحراري    بائع يطعن صديقة بالغربية بسبب خلافات على بيع الملابس    هند صبري تشارك جمهورها بمشروعها الجديد "فرصة ثانية"    وزيرة التخطيط: حوكمة القطاع الطبي في مصر أداة لرفع كفاءة المنظومة الصحية    لتكرار تجربة أبوعلى.. اتجاه في الأهلي للبحث عن المواهب الفلسطينية    شوبير يكشف شكل الدوري الجديد بعد أزمة الزمالك    مواجهات عربية وصدام سعودى.. الاتحاد الآسيوى يكشف عن قرعة التصفيات المؤهلة لمونديال 2026    حمى النيل تتفشى في إسرائيل.. 48 إصابة في نصف يوم    انفراجة في أزمة صافيناز كاظم مع الأهرام، نقيب الصحفيين يتدخل ورئيس مجلس الإدارة يعد بالحل    محافظ المنيا: تشكيل لجنة للإشراف على توزيع الأسمدة الزراعية لضمان وصولها لمستحقيها    "قوة الأوطان".. "الأوقاف" تعلن نص خطبة الجمعة المقبلة    بالصور.. محافظ القليوبية يجرى جولة تفقدية في بنها    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم بالطريق الإقليمي بالمنوفية    جهاز تنمية المشروعات يضخ تمويلات بقيمة 51.2 مليار جنيه خلال 10 سنوات    شيخ الأزهر يستقبل السفير التركي لبحث زيادة عدد الطلاب الأتراك الدارسين في الأزهر    21 مليون جنيه حجم الإتجار فى العملة خلال 24 ساعة    تفاصيل إصابة الإعلامي محمد شبانة على الهواء ونقله فورا للمستشفى    تفاصيل إطلاق "حياة كريمة" أكبر حملة لترشيد الطاقة ودعم البيئة    أمين الفتوى: المبالغة في المهور تصعيب للحلال وتسهيل للحرام    ضبط 103 مخالفات فى المخابز والأسواق خلال حملة تموينية بالدقهلية    أماكن صرف معاشات شهر يوليو 2024.. انفوجراف    بكاء نجم الأهلي في مران الفريق بسبب كولر.. ننشر التفاصيل    موسى أبو مرزوق: لن نقبل بقوات إسرائيلية في غزة    حظك اليوم| برج العذراء الخميس 27 يونيو.. «يوما ممتازا للكتابة والتفاعلات الإجتماعية»    حظك اليوم| برج السرطان الخميس 27 يونيو.. «يوم مثالي لأهداف جديدة»    الكشف على 1230 مواطنا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    شل حركة المطارات.. كوريا الشمالية تمطر جارتها الجنوبية ب«القمامة»    انقطاع الكهرباء عرض مستمر.. ومواطنون: «الأجهزة باظت»    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بوتين يبهر بخطاب جديد
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 12 - 2014

لم يعد العالم ينظر إلى فلاديمير بوتين بعدم اكتراث أو لا مبالاة، فالرجل عاد بعناده ومشكلات بلاده يفرض روسيا على العالم لاعبا فاعلا أو وهو الأهم لاعبا رئيسيا محتملا فى الساحة الدولية.
أكتب هذه المقدمة على ضوء قراءة متمعنة لخطابه الأخير فى الاجتماع السنوى للجمعية الاتحادية الروسية الذى انعقد قبل أيام قليلة بقصر الكرملين. توقفت مليا أمام ردود فعل السياسيين والمعلقين الغربيين على هذا الخطاب وقد تجاوز اهتمام أغلبهم مضمون الخطاب، بمعنى أنه بينما لم يجد المتتبع لخطب بوتين سواء فى لهجة هذا الخطاب أو مضمونه اختلافا واسعا مع لهجة ومضمون خطبه خلال السنوات السبع الأخيرة، ظهرت ردود كما لو كان فى الخطاب مفاجآت أو تطورات خطيرة فى السياسة الروسية.
تكمن أهمية الخطاب من وجهة نظرى فى أنه يعيد التذكير برؤية روسيا للعالم الخارجى كما صاغها فلاديمير بوتين فى خطابه الأشهر فى مؤتمر الأمن الذى عقد فى مدينة ميونيخ فى عام 2007، وهى الرؤية التى طورها وأكدها فى خطب أخرى منذ ذلك الحين كخطابه فى الجمعية الاتحادية فى ديسمبر من العام الماضى وخطابه فى القرم فى مارس 2014 وخطابه فى سوشى فى 24 أكتوبر من نفس العام وخطاب آخر فى القرم فى 4 ديسمبر الجارى.
•••
فى خطابه بميونيخ قبل 7 سنوات وصف بوتين النظام الدولى بأنه النظام الذى حفل بعدد من الحروب لم يشهدها أو يتسبب فيها نظام دولى سابق على نظام القطبية المنفردة، يقصد هيمنة أمريكا على النظام الدولى. كانت القطبية المنفردة كما رآها بوتين وقتذاك ولا تزال غطاء لاستخدام غير مبرر للقوة وتحقيق مصالح دول بعينها وغطاء لجهود كبيرة لتوظيف المنظمات غير الحكومية والأهلية لخدمة أهداف دول عظمى والتدخل فى شئون دول أخرى. هناك فى ميونيخ أعلن بوتين رفض روسيا لنظام القطبية الأحادية باعتبار أنها تكاد تصبح مستحيلة لسببين، أولهما أنها صارت تتطلب إمكانات هائلة، عسكرية واقتصادية وسياسية، لم تعد تتوافر لأى دولة فى العالم، وثانيهما أنها أى القطبية الأحادية صارت مستحيلة أخلاقيا.
هذا الجانب من رؤية روسيا للعالم أعاد بوتين تثبيته فى خطبه التالية وآخرها خطبته قبل أيام أمام الجمعية الاتحادية. عناصر هذا الخطاب لن تختلف كثيرا عن عناصر خطبه الأخرى، ولكن تغيرت اللهجة والكلمات فكانت أشد وأقوى، حتى إن بعض ردود الفعل بالغت ووصفت الخطاب بأنه «خطاب معركة». هناك بلا شك ما يبرر هذه المبالغة ولكنه لا يبرر على الإطلاق الأصوات الزاعقة التى راحت تتنبأ بحرب باردة ثانية، ولم يبرر بالتالى أى إجراءات على أرض الواقع تقوم بها دول لها مصلحة فى إثارة توترات عالمية أو إقليمية.
•••
لهجة الخطاب لها ما يبررها فقد عاد فلاديمير بوتين للتو من رحلة «عذاب» طافت به من الصين إلى استراليا إلى روسيا ليجد فى انتظاره عقوبات جديدة فرضتها الدول الغربية على بلاده، وروبل تدهورت قيمته إلى الثلث، وانخفاضات جذرية فى سعر النفط. إذا أضفنا هذه التطورات إلى وضع استثنائى فى علاقات روسيا الخارجية ترتب على انتفاضة كييف واستعادة روسيا شبه جزيرة القرم وضمها نهائيا إلى الوطن الروسى لربما اقتنعنا بأنها كافية لتجعل خطاب بوتين الأخير ساخنا. ولكنها بالتأكيد ليست كافية للحكم على الخطاب بأنه بمثابة إعلان عن نشوب معركة فى حرب باردة جديدة. أظن أن ما أثار بوتين أكثر من غيره هو تجدد حربه مع متمردى أقاليم الشيشان وجسارة المسلحين الذين أقدموا على خوض قتال فى وسط مدينة جروزنى، المدينة التى يعتقد بوتين وبحق أنه حقق فيها إنجازه الأول كرئيس عندما فرض بالقوة المسلحة استقرارا سياسيا وعسكريا شمل كل أقاليم الشيشان وجلب له شعبية كبيرة فى روسيا. كان بوتين فى خطابه صريحا وقويا عندما اتهم الولايات المتحدة ودولا أخرى بالغرب بإثارة عناصر التمرد من جديد فى الشيشان. أعتقد أنه اعتبر هذه المؤامرة أخطر على سلامة روسيا وعلى مشروعه بناء روسيا الكبرى من تمدد حلف الأطلسى والاتحاد الأوروبى فى دول الجوار.
•••
استمر بوتين فى إلقاء الخطاب سبعين دقيقة، تحدث خلالها بلهجة عنيفة عن دول الغرب التى راحت ترتدى ثياب النازية لتعزل روسيا وتحجزها وراء الأورال، وهى تعلم تماما كيف انتهت المحاولة النازية الأولى التى ستكون أيضا مصير المحاولة الثانية. تحدث عن تطوير القوات المسلحة الروسية والعقبات التى يضعها الغرب أمام هذا التطوير، ولكنه كان حازما فى التنبيه إلى أنه لن يدخل فى سباق تسلح فى إشارة بالغة الذكاء الى السباق الذى فرضه الرئيس ريجان على الاتحاد السوفييتى فى الثمانينيات من القرن الماضى وانتهى بانهيار الاقتصاد السوفييتى.
من ناحية أخرى حاول التأكيد على اعتقاده بأن الغرب يقف وراء الانتفاضة الأوكرانية. بوتين لا يخفى رأيه فى أزمة أوكرانيا من حيث إنها ليست أكثر من محاولة غربية جديدة ضمن سلسلة محاولات عبر القرون ومنذ عهود القياصرة لإضعاف روسيا، بل وأضاف أن من أهداف الدول الغربية تفكيك روسيا وتدميرها ونسف جهودها لتثبيت دعائم «الحضارة الروسية».
لم يفت على بوتين انتهاز الفرصة لينتقد قادة دول الجوار موجها حديثه إليهم بالقول «لم نعد نعرف مع من نتكلم فى هذه الدول، أنتكلم مع حكومات دول مستقلة أم مع السادة والرعاة فى الخارج ؟».
•••
الجديد فى هذا الخطاب، ولعله الجديد أيضا فى خطاب روسيا السياسى والتاريخى، إشارة بوتين إلى أن مكانة شبه جزيرة القرم بالنسبة للشعب الروسى تماثل مكانة جبل الهيكل بالقدس بالنسبة للشعوب الإسلامية والشعب اليهودى. هكذا يبدو بوتين وقد شعر بأن حال روسيا هذه الأيام ومشكلاتها المعقدة وحرب العقوبات المفروضة عليها ومحاولات احتوائها، تستدعى إثارة المشاعر القومية والدينية فى آن واحد. راح يستعير من التاريخ رواية الأمير السلافى فلاديمير الذى جرى تعميده مسيحيا فى شبه جزيرة القرم فى القرن العاشر الميلادى، فكان بهذا التعميد أول إعلان عن وصول المسيحية الى هذه المنطقة من العالم وما نتج عن دخولها، إذ توحدت القبائل والشعوب لتشكل «الأمة الروسية». الرسالة هنا هى: لا وجود لروسيا «الوطن أو القوم أو الحضارة» بدون القرم.
•••
ترك الخطاب فى نفوس المهتمين بالشأن الروسى أصداء شتى، تبدأ بتشبيه الخطاب بالخطب التى مهدت لنشوب الحرب الباردة الأولى وتنتهى بتوقعات متباينة عن مستقبل حكم الرئيس بوتين. أعتقد شخصيا أن أهم ما رشح من هذه الأصداء يلخصه رأيان متكاملان ومتضادان فى الوقت نفسه. الرأيان يتفقان على أن استمرار جهود احتواء روسيا وفرض العقوبات عليها سيؤدى بالضرورة إلى تصاعد حاد فى الشعور القومى والدينى. أما الاختلاف بين الرأيين فيظهر حين يعلن رأى من الرأيين عن ثقته بأن هذا التصاعد فى المشاعر القومية وبخاصة بعد مزجها بالدين «المسيحية الأرثوذكسية الروسية» وبالعرق «أى العنصر السلافى»، كفيل بأن يخلق ثقة أكبر فى النفس ويقضى على شعور الدونية المتجذر ضد الغرب فى الثقافة الروسية، ويشجع القادة الروس على التعامل باتزان واعتدال مع الغرب ومع دول الجوار.
أما الرأى الآخر فيعتقد أن هذا التصعيد كفيل بأن يلهب المشاعر الروسية المعادية للغرب والمعتمدة تاريخيا على رؤية للعالم الخارجى لم تتغير كثيرا عبر القرون. هذه المشاعر لو تصاعدت تستطيع أن تدفع بقادة روسيا إلى محاولة استعادة سياسات التوسع الإقليمى ومحاولات تنفيذ الحلم الإمبراطورى. من ناحية أخرى قد يدفع بالسياسة الخارجية الروسية فى اتجاه عرقلة جهود حل المشكلات والأزمات الدولية المستعصية، والاستفادة من العداء المتزايد للغرب فى العالم الإسلامى، والعودة الى أساليب إثارة الاضطرابات ضد المصالح الغربية فى آسيا وإفريقيا، والعمل تحت الأرض أسوة بما تفعله أمريكا ودول الغرب فى روسيا والشرق الأوسط. أصحاب هذا الرأى لا يستبعدون أن يبدأ الروس، إذا استمر الضغط عليهم والعقوبات ضدهم، فى فتح جبهة اضطراب خطيرة فى البلقان حيث المشاعر ضد الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو تغيرت وعادت تنحاز للجانب الروسى.
•••
أتصور أنه يتعين علينا فى الشرق الأوسط أن نستعد لتطورات تمس احتمالات عودة الاستقرار والأمن وتمس أيضا المصالح المباشرة للإقليم كنتيجة حتمية لتطورات هذا الصراع بين روسيا والغرب. مرة أخرى يتعين علينا أيضا أن نراقب سلوك تركيا فهى أقربنا إلى حدود الصراع الملتهبة وأكثرنا خبرة فى الاستفادة من صراعات روسيا الخارجية. ها هى بالفعل تستفيد من أزمة أنابيب الغاز الروسية لتسد حاجتها من الطاقة، ولتحصل على دخل نقدى كبير، وتواصل تجديد مزايا موقعها الاستراتيجى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.