بندوات توعية.. «تعليم الفيوم» تشارك في تفعيل المبادرة الرئاسية بداية جديدة لبناء الإنسان    «بتروجاس»: إمداد السوق المحلية ب 3.6 مليون طن بوتاجاز خلال 2023-2024    محافظ الفيوم يوجه بتوفير مساعدات مالية ومعاشات للحالات الأولى بالرعاية    300 غارة صهيونية على جنوب لبنان واستشهاد 182 شخصًا وإصابة أكثر من 700    غارة إسرائيلية عنيفة تستهدف محيط مستشفى مرجعيون الحكومي جنوبي لبنان    إسرائيل صنعت «البيجر» بنفسها ثم فخخته    عاجل| بشراكة «استادات» واتحاد الكرة.. «المتحدة للرياضة» تطلق مشروع دوري مصر للناشئين    «هيئة الدواء»: ضبط مكان غير مرخص لتصنيع المستحضرات الصيدلية بالعاشر من رمضان    حسين فهمي يلتقي رئيس اتحاد تليفزيونات منظمة التعاون الإسلامي    دانيا الحسيني: اليوم أسوأ الأيام على لبنان منذ أكثر من 20 عاما    تكريم الشركة المتحدة في المنتدى الدولي للاتصال الحكومي بالشارقة    محمد محمود عبد العزيز يكشف كواليس تصوير «برغم القانون».. السر في كبوت العربية    خالد الجندي: بعض الأشخاص يحاولون التقرب إلى الله بالتقليل من مقام النبي    تقديم 84 مليون خدمة مجانية ضمن «100 يوم صحة» خلال 53 يوما    كاتب صحفي: مشاركة منتدى شباب العالم في قمة المستقبل نجاح كبير    أستاذ فقه يوضح الحكم الشرعي لقراءة القرآن على أنغام الموسيقى    انطلاق ورشة "مدرسة السينوغرافيا" ضمن فعاليات مهرجان الإسكندرية المسرحي.. صور    السيطرة على حريق اندلع بهايبر ماركت في نصر النوبة بأسوان    إعلام بنها ينظم ندوة "حياة كريمة وتحقيق التنمية الريفية المستدامة".. صور    لأول مرة.. شراكة بين استادات الوطنية والمتحدة للرياضة واتحاد الكرة لتدشين دوري الأكاديميات    الإعلان عن التشكيل المثالي للجولة الخامسة من الدوري الإنجليزي.. موقف محمد صلاح    جوارديولا يكشف تفاصيل إصابة دي بروين ومدة غيابه عن مانشستر سيتي    Natus Vincere بالصدارة.. ترتيب اليوم الرابع من الأسبوع الأول لبطولة PMSL للعبة ببجي موبايل    المفتي يهنئ محمد الجندي بتوليه منصب الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية    تنازل وطلب براءة.. كواليس محاكمة الفنان عباس أبو الحسن | خاص    السجن 10 سنوات للمتهم بتهديد سيدة بصور خاصة بابنتها فى الشرقية    نتيجة تنسيق كلية شريعة وقانون أزهر 2024/2025    محافظ دمياط: مبادرة المشروعات الخضراء تعكس جهود الدولة للتعامل مع البعد البيئى (صور)    عاجل - حماس تطالب الجنائية الدولية باعتقال قادة الاحتلال: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في لبنان وغزة    الإحصاء: 21.5 مليار دولار صادرات مصر لأكبر 5 دول بالنصف الأول من 2024    "أزهر مطروح" يطلق "فاتحة الهداية" بالمعاهد التعليمية ضمن مبادرة بداية    كل ما تريد معرفته عن ضوابط عمل اللجان النوعية بمجلس النواب    حصوات الكلى: المخاطر وطرق العلاج الممكنة تبعًا لحجم الحصوات    الجيش الإسرائيلي يطالب سكان منطقة البقاع الموجودين داخل أو قرب منزل يحوي أسلحة لحزب الله بالخروج خلال ساعتين    اليوم العالمي للغات الإشارة: هل تختلف بين البلدان؟    رئيس اقتصادية قناة السويس يستقبل وفدًا صينيًّا من مقاطعة "جوانجدونج".. ويؤكد: نعتز بالشراكة الناجحة ونسعي لاستقطاب المزيد    مهرجان مالمو للسينما العربية يعلن عن مواعيد الدورة الخامسة عشرة    تعيين قائم بأعمال عميد "فنون تطبيقية بنها"    قبل XEC.. ماذا نعرف عن متحورات كورونا التي حيرت العلماء وأثارت قلق العالم؟‬    جامعة الجلالة تحصل على الاعتماد الدولي IERS لبرنامج تكنولوجيا العلاج التنفسي    جامعة الأمم المتحدة للسلام تحتفل باليوم العالمي.. وتتتعهد بتقديم تعليم ملهم للأجيال القادمة    الجيش الأردني يحبط محاولة تهريب مواد مخدرة محملة بواسطة طائرة مسيرة    وكيل الأوقاف بالإسكندرية يشارك في ندوة علمية بمناسبة المولد النبوي الشريف    وزيرة التنمية المحلية تلتقي بنقيب أطباء أسنان القاهرة    تصالح فتاة مع سائق تعدى عليها فى حدائق القبة    العين الإماراتي: الأهلي صاحب تاريخ عريق لكن لا يوجد مستحيل    وزير الصحة: النزلات المعوية بأسوان سببها عدوى بكتيرية إشريكية قولونية    وزير المالية: فخورون بما حققناه جميعًا.. حتى أصبح البنك الآسيوي أسرع نموًا    بيراميدز يكشف حجم إصابة محمد حمدي ومدة غيابه    استقالة موظفى حملة المرشح الجمهورى لمنصب حاكم نورث كارولينا    قطع أثرية مقلدة.. رحلة مباحث القاهرة للإيقاع بعصابة المشاغبين الستة    محافظ المنوفية: مبنى التأمين الصحي الجديد أسهم في تخفيف الزحام والتكدس وصرف الأدوية    شوبير يكشف أسرار عدم انتقال سفيان رحيمي للأهلي.. موسيماني السبب    ضبط تشكيل عصابي نصب على المواطنين في القاهرة    تشييع جنازة اللواء رؤوف السيد بمسجد الثورة بعد صلاة العصر    علي جمعة: ترك الصلاة على النبي علامة على البخل والشح    حالة الطقس اليوم الاثنين 23-9-2024 في محافظة قنا    محمد عدوية وحمادة الليثي.. نجوم الفن الشعبي يقدمون واجب العزاء في نجل إسماعيل الليثي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سقوط الدولة العربية بين «داعش» وإسرائيل
نشر في الشروق الجديد يوم 19 - 11 - 2014

بقدرة قادر، أو بسحر ساحر، أخرج «العرب» أنفسهم من ميدان المواجهة مع تنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» واسم الشهرة «داعش»، وتركوا الأمر لصاحب الأمر حامى حمى الإسلام (والعروبة؟): الولايات المتحدة الأمريكية، ومن تختار من حلفائها الغربيين (وبعض العرب) ممن يرغب فى تخليص عالم القرن الحادى والعشرين من هذه الآفة الخطيرة التى تهدد الحضارة الإنسانية، وتسعى لتدمير التاريخ وإعادة العالم العربى الإسلامى إلى الجاهلية.
من قبل، حدثت تجربة مماثلة وحققت نجاحا باهرا: أخرج العرب أنفسهم، بأكثريتهم الفاعلة (جيوشا ومالا وخبرات) من ميدان الصراع العربى الإسرائيلى، وتركوا لصاحب الأمر حامى السلام والاستقرار فى «العالم الحر»، قضيتهم المقدسة، فلسطين، يقضى فيها بما تشاء عدالته، وجلسوا ينتظرون... ولأن إجراءات العدالة الدولية بطيئة والعدو الإسرائيلى يعرف أهمية الوقت، بينما العرب يؤمنون بالمقادير، فقد انتهى الأمر بأن خرج العرب من فلسطين نهائيا وتركوها للعدالة الدولية التى تحرسها العين الأمريكية الساهرة معززة بالسلاح الإسرائيلى المتفوق، حتى من قبل مفاعل ديمونة النووى.
أين وجوه التشابه فى الميدانين؟
إنها أكثر من أن تُحصى! ليس أولها الغفلة العربية التى تتمثل فى ألف وجه ووجه، قد يكون أهمها أن «الدولة» بين أنظمتهم الحاكمة نادرة الوجود، وأنها حيثما وجدت فهى «مصادرة» من حاكمها وحاشيته أو من أصحاب المال... والمال صاحب نفوذ لا يحد، ثم أنه يملك «مشروعه»، ولديه القدرة على تطويع «النظام» الآتى من خارج الإرادة الشعبية، أى تلك اللعنة المسماة ب«الديمقراطية»، لمصالحه التى يمكن أن تصبح شركة مساهمة لكل قادر فيها نصيب بحجم قدراته!
وفى العودة إلى «داعش» وقدراتها غير المحدودة فى خلخلة ما كان يسمى قديما «النظام العربى»، والذى كان قد باشر مسيرة انهياره عبر انتفاضات الميدان، انطلاقا من تونس، قبل أربع سنوات، فإن مصدر قوتها الأساسى كما دلت التجربة تمثلت فى ضعف الأنظمة التى واجهتها أكثر مما فى جحافل غزوها الآتى من الجاهلية بسيارات يابانية وآليات تواصل أمريكية وتسهيلات تركية وتشكيلة سلاح «أممية».
كانت السماوات العربية مفتوحة والأرض تمتد أمامهم بلا حدود ولا من يحرس الحدود، لأن الجيوش كانت مشغولة ومبعثرة ومنهكة بصراعات الداخل التى لم توفر أى سلاح، بما فى ذلك المحرمات كالطائفية والمذهبية والجهوية والعشائرية فى «حروبها» على السلطة... وبالتالى فقد كانت «الدول» مغيبة ومتهالكة، تتوزع أرجاءها تنظيمات مسلحة هى انعكاس للصراع على السلطة بين «المكوّنات الفاعلة» التى استدعت «التدخل الدولي» سياسيا، فى البدايات، ثم مخابراتيا، إلى أن تلاشت «الدول» المعنية وبرزت إلى السطح صراعات القوى الفاعلة وذات القدرة على التأثير، على أطراف السلطة، خصوصا وأن «المال العام» قد صار منهوبة مفتوحة، فصارت الطريق سالكة وآمنة أمام «التدخل من فوق» أى بالطيران الحربى، ثم تبدت الحاجة إلى العمل العسكرى على الأرض، فاستُقدم «الخبراء» ثم «الأدلاء» وبعدهم المدربون أصحاب الخبرات فى «الحروب الأهلية»، وقد نظموا أو شاركوا فى الإشراف على العديد منها فى مختلف أنحاء العالم.
اختلف الزمان وتبدلت المعايير... وهكذا فتح العرب سماواتهم وأرضهم أمام طيران «الحلفاء الجدد» ممن كانوا يوصفون ب(الامبريالية) أمريكا والاستعمار القديم (بريطانيا وفرنسا) ومعهم من رغب فطلب من أصدقائهم (أهل الأرض) الحكام العرب، ففتح هؤلاء خزائن الذهب، وتحملوا الخسائر المقصودة فى مداخيلهم من النفط والغاز... بل إن هؤلاء «المحررين» قد طلبوا فاستجيب إلى طلبهم بأن يشارك بعض طيرانهم الحربى بأعلامه العربية المميزة بطيارين وطيارات (كان ظهورهن أمرا مفرحا..) من أبنائهم وبناتهم، فلذات أكبادهم المتحدرات من «قحطان»، فى هذه الحرب المقدسة ضد مشوّهى الدين الحنيف.
لقد جمع «العدو الجديد» الآتى من أعماق الجاهلية، معززا بأحدث الأسلحة وآخر ما تم ابتكاره فى عالم الاتصالات، أشتاتا من الناقمين والغاضبين والمحبطين والمغامرين فى أربع رياح الأرض العربية، وكذلك فى المغتربات الأوروبية على وجه الخصوص، ثم الأمريكية، تحت لواء «القاعدة» فى البدايات، ثم بالاستقلال عنها بعدما انتبه المنظمون الجدد من أعضاء ذلك التنظيم الذى باغت العالم كله بقدراته، إلى ابتعاد «القاعدة» عن الشئون والشجون فى البلاد العربية وأولها وأخطرها: إسرائيل.
فى الماضى القريب، وإلى ما قبل اتفاقات الصلح مع من كان يحتكر صفة «العدو» بالنسبة للعرب، إسرائيل، كانت فلسطين هى «القضية»... فى ظلال الكفاح من أجل تحريرها يتلاقى «المجاهدون» مع الأنظمة التى وصل رجالها إلى السلطة باسم «فلسطين» وحكموا طويلا باسمها.
أما وقد تراجعت «القضية المقدسة» عن موقع الصدارة فى اهتمامات النظام العربى الذى قامت «شرعيته» على أساس «أنه ذاهب إلى فلسطين»، ثم وجد من الأعذار ما يشغله عنها: فلا بد من بناء «الدولة» بجيشها أولا، ثم بمؤسساتها المؤهلة والقادرة على الإسهام فى بناء الدولة القوية والمؤهلة للانتصار... وعلى هذا فلا بد من «تصفية كل القوى المعادية التى ترتبط بالإمبريالية والاستعمار»، ولا بد من العمل على توحيد العرب وبناء قدراتهم المؤهلة لمواجهة هذه «الدولة العصرية» التى يحتضنها الغرب كله ويحرص على جعلها الأقوى من العرب مجتمعين..
كانت العقبة تتمثل فى القوى السياسية المنظمة، قومية، تقدمية، وطنية. وكان لا بد من استيعابها بمختلف الوسائل، الرشوة بالوظيفة أو بإشراكها فى المغانم، وإلا فالسيف والسجن.
وعبر صراع الأنظمة مع المجتمعات التى حكمتها، تمت تدريجيا إعادة الاعتبار إلى الشعار الدينى، باعتباره قد يكون طريق الخلاص... ولقد ساهمت هذه الأنظمة فى تعزيز بعض التنظيمات الإسلامية، سواء عن طريق إشراكها فى السلطة بموقع خلفى، أو عن طريق تشجيعها على العمل فى الأرياف لاستقطاب المتدينين وضمان ولائهم للسلطة.
تعددت الرايات الإسلامية بتعدد الأحزاب والحركات السياسية التى رفعت شعار «لا إله إلا الله».. وسُفكت دماء غزيرة فى العديد من الأقطار العربية (والإسلامية) باسم الدفاع عن الدين أو تحت راية إعادة الدين إلى مواقع الحكم، وبالخلافة أساسا.
ارتدى عسكريون يحكمون شعوبهم بالانقلاب ملابس الأولياء الصالحين، وتقدموا الصفوف يؤمون صلاة الجمعة ويخطبون موظفين الآيات البينات لأغراض سياسية مباشرة.
نبت فجأة مشايخ بعمامات بيضاء أو سوداء، تديّنهم محدث... واتُّهم ملايين الملايين من المسلمين البسطاء بالكفر أو الزندقة، وصار الحكم على التدين «سياسيا» من خارج منطق الإيمان.
سقطت رايات النضال الوطنى والقومى والتقدمى لأن حملتها اشتبكوا فى ما بينهم، وانقسموا فاشترت «الأنظمة» بعضهم ووظفتهم فى خدمتها وفى محاولة تبييض سجلها أمام «رعاياها».
سقطت الحصانات المعنوية (والمادية) للأنظمة، التى بشكل أو بآخر عادت إلى «بيت الطاعة»، فأوقفت حربها على «الامبريالية» بمعاهدات الصلح مع إسرائيل أو بمهادنة العدو القومى.
دُمّرت غزة مرات ومرات، والرايات الاسلامية خفاقة فوق بيوتها التى جعلها القصف الإسرائيلى المنهجى أثرا بعد عين.. فلم يتحرك نظام عربى للدفاع أو للتهديد بقطع العلاقات، أو لمطالبة الصديق الأمريكى الكبير بالتدخل.. ولو لمنع المزيد من الإحراج!
برغم ذلك، رأى «الخليفة» الآتى من سجن طويل فى بغداد، أن الوقت قد حان لإعلان «الدولة الإسلامية فى العراق والشام»، فالكل مشغول عنه... والصراعات السياسية التى اتخذت مضمونا طائفيا قد تفجرت حروبا فى كل من سوريا والعراق، ورمت بانعكاسات ثقيلة الوطأة، على جوار هاتين الدولتين وصولا إلى اليمن، مما أكد تهمة التدخل على إيران، بما تستثيره من ذكريات الماضى البعيد بصراعاته المذهبية..
ولقد وجد «الخليفة» فى موقف العداء التركى لسوريا، والخلافات التركية مع العراق والسعودية، ما يشجعه، فانطلق بغزوته مفيدا من نقاط الضعف قاتل الدولتين فى كل من سوريا والعراق..
وهكذا فتح «الخليفة»، بالتواطؤ من موقع التضاد مع الأنظمة الحاكمة، الباب على مصراعيه أمام عودة الاستعمار بالطلب، بل بالرجاء، وبشروطه، لترفع اسرائيل رايات الانتصار خفاقة على العرب والمسلمين مجتمعين... لا سيما وقد مد الإرهاب نفوذه الدموى فى اتجاه مصر ليشغلها فيصرفها، ولو إلى حين، عن دورها القيادى الذى لا يعوض: عربيا وإسلاميا.
ابحث عن تركيا، بحكمها الإسلامى، داخل حلف الأطلسى، وتحالفها الاستراتيجى مع إسرائيل، و«التسهيلات» التى قدمتها وما تزال لجيوش «الخليفة» الذى يبيع النفط المصادر من أهله ل«السلطان» التركى بأقل من سعر الكلفة.
... والكفاح دوار!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.