بعد التحقيق الاستقصائى الذى نشرته صحيفة نيويورك تايمز «أمس الأول» عن التمويل الذى تتلقاه مراكز بحثية أمريكية كبرى من دول وهيئات وأفراد أجانب، يحق لنا أن نتشكك فى أصابعنا، وبالتالى يحق لنا أن نتشكك أكثر فى كل التوصيات والدراسات والنتائج التى تخرج من هذه المراكز، طالما أن بعضها وربما كلها مدفوعة مقدما. قبل تقرير النيويورك تايمز كنت أعتقد أن إسرائيل وعبر اللوبى الصهيونى الأشهر « إيباك» هى الوحيدة التى تؤثر فى هذه المراكز خصوصا أن العديد من كبار الباحثين فيها إما أنهم يهود أو أمريكيون متهودين ومتصهينين أكثر من الصهاينة على غرار الباحثين الذين زينوا للمحافظين الجدد أيام بوش الابن وتشينى ورامسفيلد وولفويتز وبيرل غزو العراق، وتخريب وبلقنة المنطقة عبر سياسة الفوضى الخلاقة. وطبقا لما نقله موقع اليوم السابع الإلكترونى ظهر الأحد، وبحسب تحقيق نيويورك تايمز، فإن أكثر من 10 مراكز بحثية بارزة فى واشنطن تلقت عشرات الملايين من الدولارات من الحكومات الأجنبية فى السنوات الأخيرة، فيما عملت هذه المؤسسات على دفع مسئولى الولاياتالمتحدة لتبنى سياسات غالبا ما تعكس أولويات المانحين، وتقول الصحيفة إن الأموال الأجنبية حولت كبار مؤسسات الفكر إلى ذراع ضغط للحكومات الأجنبية على واشنطن، الأمر الذى يفجر أسئلة مقلقة حول الحرية الفكرية، ويقول بعض الباحثين إنهم تعرضوا لضغوط للتوصل إلى استنتاجات ترضى الحكومات التى تمول البحوث. طبقا للتقرير أيضا، فإن دولا مثل قطر دفعت لمركز الأبحاث الأمريكى الشهير بروكينجز فى عام واحد 14.8 مليون دولار، وتم تأسيس فرع للمركز فى الدوحة. وعندما التحق باحث زائر يدعى سالم على بالفرع قيل له بوضوح إن النتائج التى سيتوصل إليها ينبغى ألا تتصادم مع السياسات القطرية. بل إن الاتفاق نص على أن يقوم المركز بتقديم صورة مشرقة للحكومة القطرية. الإمارات.. دفعت أيضا مليون دولار لمركز آخر هو مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. وبهاء الحريرى يتولى تمويل مركز أمريكى يحمل اسم والده الراحل رفيق الحريرى. وقام أحد المانحين الأتراك بوقف دعمه لأحد المراكز لأنه انتقد سياسات رجب طيب أردوغان. ولا يتوقف الدعم على العرب والمسلمين فقط، فهناك النرويج ودول أخرى كثيرة قد لا تمول مراكز بحثية معينة بل لديها مجالس أو مراكز ضغط «لوبيات» كما تفعل الصين وتايوان وكوريا وأرمينيا التى تسخر فيها أعضاء كونجرس وإعلاميين وشخصيات عامة إضافة إلى حملات الدعاية المباشرة التى تتولاها شركات متخصصة. ولجأت الحكومات المصرية المتعاقبة إليها لتحسين صورتها لدى الرأى العام هناك. إذن فإن تبنى الولاياتالمتحدة لسياسة ما تجاه قضية معينة يعكس بطبيعة الحال مصالحها العليا، ثم مدى قدرة الإعلام ومراكز الأبحاث وشركات الدعاية على الترويج لهذه السياسة. وبالتالى فليذهب الحق والعدل والمبادئ. إلى الجحيم إذا كان أصحابها لا يملكون أموالا للدفع أو لا يملكون خيالا أو وسائل نافذة للوصول إلى صانع القرار الأمريكى. السؤال غير البرىء هو: هل وصلت الأموال الأجنبية إلى مراكز استطلاعات الرأى الأمريكية الشهيرة كما فعلت مع بروكينجز وغيره؟. لو أنها فعلت فستكون كارثة، لأننا نتعامل مع هذه الاستطلاعات باعتبارها الحق الذى لا يأتيه الباطل وعلى أساسها تتقرر السياسات. تخيلوا لو أن «قطر» مثلا أو غيرها وصلت بأموالها إلى مركز بحوث رأى عام وطلبت منه إجراء استطلاع عن شعبية الإخوان فى مصر والمنطقة فما الذى نتوقعه من نتائج؟!. الحقيقة المؤكدة الآن هى أن من يدفع للزمار ينتظر أن يؤدى له اللحن الذى يفضله!!!.