كشفت تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا عن مفاجآت مذهلة فى قضية الرشوة الكبرى بالمشروع القومى للإسكان الذى أعلن الرئيس مبارك عنه فى برنامجه الانتخابى.. تورط فى القضية قيادات من وزارة الإسكان وشركة النصر للمبانى «إيجيكو» ومهندسون بمكتب حسين صبور للاستشارات الهندسية و5 من رجال الأعمال. وحددت محكمة استئناف القاهرة جلسة 2 أغسطس المقبل لبدء محاكمة المتهمين. تبين من التحقيقات التى حصلت «الشروق» على نسخة منها أن المتهم وائل فاروق مدير مشروع ابنى بيتك فى محافظة 6 أكتوبر و18 متهما طلبوا وأخذوا رشاوى بلغت 15 مليون جنيه، وبعضهم حصل على 4 ملايين جنيه مقابل التلاعب فى صرف مستحقات مالية من وزارة الإسكان قيمتها مليار جنيه من إجمالى 3 مليارات جنيه قرر الرئيس مبارك تخصيصها لبناء 500 ألف شقة سكنية فى المدن الجديدة مما أدى إلى إهدار أكثر من 200 مليون جنيه من المال العام فى تنفيذ مشاريع وهمية، بل إن أحدهم أثبت أثناء وجوده فى مدينة طابا أنه تم تنفيذ كل الأعمال المكلف بها شركة رجل الأعمال فى مدينة 6 أكتوبر دون التأكد من ذلك على الطبيعة، وقدم المتهمون تقارير لوزارة الإسكان تفيد قيامهم برفع كميات هائلة من الرمال وشق طرق ومد شبكات مياه، بينما تلك المناطق لا تزال صحراء قاحلة على الطبيعة. واتضح أن المسئولين من قيادات وزارة الإسكان وشركة إيجيكو كانوا يتفقون مع رجل الأعمال على صرف مبالغ غير مستحقة لشركاتهم مقابل حصولهم على الرشاوى من هذه الأموال المهدرة، مما يعنى أن الدولة كانت تدفع تكاليف الرشوة فضلا عن إهدار المال العام، وفور القبض على المتهمين فى فبراير الماضى أصدر المهندس أحمد المغربى تعليماته بوقف المتهمين عن العمل لحين الفصل فى قضيتهم. وكان المستشار هشام بدوى المحامى العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا قد قرر إحالة المتهمين للمحكمة الجنايات لمحاكمتهم بتهم الرشوة والتزوير والإضرار بالمال العام. وكشفت التحقيقات التى أشرف عليها المستشار طاهر الخولى المحامى العام للنيابة وعمرو فوزى ومحمد عادل وأحمد الطاهر رؤساء النيابة أنه من بين الرشاوى التى حصل عليها المتهمون هواتف محمولة وأجهزة حاسب آلى وكاميرا تصوير. تفجرت القضية عندما لاحظ معتصم فتحى الضابط بالرقابة الإدارية عدم تنفيذ البرنامج الانتخابى للرئيس مبارك فيما يتعلق بالمشروع القومى للإسكان، وأنه كان من المفترض أن يتم تسليم آلاف الشقق فى مواعيد سابقة، فتم تشكيل فريق من ضباط الرقابة الإدارية لمعرفة أسباب التأخير فى التنفيذ، وقرر الضباط الانتقال إلى مواقع العمل وقدموا أنفسهم إلى رجال الأعمال على أنهم عمال يرغبون فى الالتحاق بالعمل لكسب قوت يومهم، وظل ضباط الرقابة يعملون طيلة 3 شهور فى المشروع تمكنوا خلالها من التوصل إلى وجود شبكة ضخمة من المتهمين يتلقون رشاوى تصل بالملايين مقابل إسناد المشروعات على شركات بعينها، فضلا عن أن الشركات قامت بإعداد أوراق تفيد قيامها بمد الطرق ورفع الرمال من مناطق تمهيدا لبناء الشقق السكنية بينما لا تزال هذه المناطق كما هى. وقال محامى أحد المتهمين، فضل عدم ذكر اسمه، ل«الشروق» إنه عقب قيام الضابط بالقبض على المتهمين وعرضهم على نيابة أمن الدولة اتضح وجود معرفة سابقة بينهم، واكتشف رجال الأعمال أن الضباط انتحلوا صفة عمال طيلة الفترة الماضية للخداع والتمويه. وقدمت الرقابة الإدارية محضر تحريات لنيابة أمن الدولة طلبت فيه مراقبة هواتف المتهمين وائل فاروق مدير مشروع ابنى بيتك بمحافظة 6 أكتوبر ونائبه أشرف محمد البارى ورجال الأعمال أحمد عمر «صاحب شركة الهيثم للمقاولات»، وثابت حسنى ثابت «صاحب شركة الطارق للمقاولات» وعثمان درويش بدوى «صاحب شركة العالمية للتجارة والمقاولات» وأحمد صلاح عبدالعال صاحب شركة أحمد صلاح للهندسة والإنشاءات» ومجاهد سالم الجمال «صاحب شركة الجمال للمقاولات»، فقرر المستشار هشام بدوى المحامى العام الأول للنيابة مراقبة المتهمين وتصوير اللقاءات فيما بينهم، فقام ضباط الرقابة الإدارية برصد تحركات المتهمين وتمكنوا من معرفة مواعيد مقابلاتهم من خلال انتشار عيونهم فى مواقع العمل فضلا عن مراقبة الهواتف المحمولة، وتم رصد العديد من اللقاءات التى اتفق فيها المتهمون على مبالغ الرشوة، حيث تمكن الضباط من زرع كاميرات سرية فى المطاعم والمقاهى وأماكن العمل. وفى شهر فبراير الماضى فتح ضابط الرقابة الإدارية معتصم فتحى محضرا أثبت فيه أن المتهمين وائل فاروق مدير مشروع ابنى بيتك ونائبه أشرف عبدالباقى سيتقابلان مع رجل الأعمال المتهم أحمد عمر داخل مطعم للأسماك بمدينة 6 أكتوبر للاتفاق على مبالغ الرشوة بينهما، وأنه نفاذا لذلك انتقل مع قوة من الضباط والفنيين ومعهم الكاميرات وأدوات التسجيل، وعقب دخول المتهمين للمطعم جلس الضباط على منضدة قريبة ومعهم أجهزة تنقل ما يدور بين المتهمين، حيث بادر المتهمان وائل فاروق وأشرف عبدالبارى بالتأكيد له على أنهما على استعداد لإرساء عملية رفع كثبان رملية قيمتها 17 مليون جنيه على شركته مقابل أن يحصلا على نسبة من قيمة العملية وهى ٪10 وبعد مفاوضات بين الطرفين تم تخفيض النسبة على ٪5 فوافق المتهمون، على أن يتم تضمين مبالغ الرشوة فيما سيصرفه من مستحقات مالية لشركته ثم يقوم بعد ذلك بتسليمها لهما، فوافق على ذلك، ولتأكيد صدق نواياه أكد لهما أنه سيدفع لهما مبلغ 10 آلاف جنيه كعربون على أن يتقاسماه، وأخرج مظروفا من جيبه، فأسرع ضباط الرقابة الإدارية بالقبض على المتهمين وأحالوهم لنيابة أمن الدولة العليا. وفى التحقيقات قال رجل الأعمال أحمد عمر إنه يمتلك شركة الهيثم للمقاولات، وفى عام 2007 تولت شركته تنفيذ تركيب شبكات المياه والصرف الصحى فى مشروع ابنى بيتك جنوب مدينة السادس من أكتوبر بمبلغ 60 مليون جنيه، وعقب قيام شركته بمد شبكات المياه والصرف الصحى، قدم طلبا بصرف مستحقاته المالية من المتهم وائل فاروق مدير مشروع ابنى بيتك. وأضاف: فوجئت بعدم صرف مستحقاتى المالية لفترة طويلة، فتوجهت إلى مكتبه وسألته عن سبب التأخير فأكد أنه سيصرف المبلغ، ولكن ذلك لم يحدث، وبعدها فوجئت بأحد الموظفين يقول لى لماذا ترفض دفع حلاوة لأيمن بيه فاروق؟، فوافقت مبدئيا وطلبت منه ترتيب لقاء بيننا، وبالفعل تقابلنا فى أحد المطاعم وسلمته مبلغ الحلاوة عبارة عن 5 آلاف جنيه، وأبلغنى المتهم مدير المشروع بوزارة الإسكان أنه يبذل جهدا مضنيا وأن راتبه لا يكفى والوزارة لا تكافئه وأنه ينبغى على شركتى أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار ففهمت أنه يطلب مبالغ رشوة، فوعدته بتسليمه «ما فيه النصيب» عقب صرف كل جزء من مستحقاتى المالية، وبالفعل أخذ يصرف مستحقاتى المالية، وفى كل مرة كنت أسلمه مبلغا حتى بلغ ما استلمه منى 70 ألف جنيه. وواصل رجل الأعمال فى اعترافاته بأنه اكتشف قيام وزارة الإسكان بإجراء عدة مناقصات دون أن يتم إخطار شركته، فلما ذهب للمتهم الأول مدير المشروع واستفسر منه عن سبب عدم إخطاره رغم أنه لا يتأخر فى دفع مبالغ الرشوة بينهما، أوضح له أن المتهمين الثانى أشرف عبدالبارى والعاشر عماد محمد قطب هما المختصين بذلك وأنه يمكن ترضيتهما بدفع مبالغ مالية لهما حتى يهتما بإخطار شركته بالمناقصات، فاتصل بهما والتقاهما ودفع لهما مبالغ الرشوة التى طالبها. وأوضح أنه أثناء تنفيذ عمليات الحفر ظهرت بعض العقبات تحتاج لتذليها لشركات متخصصة، فاقترح المتهم الأول مدير المشروع والثانى نائبه أن يدفع لهما مبالغ رشوة جديدة على أن يتم إرساء أعمال الحفر الجديدة على شركته ولا داعى لعمل مناقصة لاختيار شركة متخصصة، فدفع لهما دفعات مالية أخرى من الرشوة بلغت 50 ألف جنيه. ويضيف أن المتهمين مدير المشروع ونائبه وجدا أن شركته سوف تصرف 17 مليون جنيه قيمة عمليات الحفر، فأكدا أنهما على استعداد لإسنادها لشركتى ولكن بشرط أن يكون لهما نصيب من العملية، وتواعدنا على التلاقى فى مطعم أسماك، وبالفعل توجهنا إلى المطعم، ودار بيننا نقاش حول مبالغ الرشوة التى سيطلبانها، ففوجئت بهما يطلبان مبالغ ضخمة وهى نسبة ٪10 فاعترضت، لأن ذلك يسبب خسائر لشركتى، وتم تخفيض النسبة إلى ٪5 فاقترحا أن تتحمل وزارة الإسكان مبالغ الرشوة، وأنهما سيصرفان له مبالغ زائدة على أن يحصل عليها، ولتأكيد اتفاقنا قمت بتسيلمهما 10 آلاف جنيه عربون مقابل أن يرسلا خطابا يفيد إسناد المتناقصة لشركتى، على أن يستلما بمبالغ الرشوة فيما بعد عقب المتفق عليه عندما تبدأ الشركة فى عمليات الحفر الجديدة، ولكن فوجئنا بمجموعة من الرجال يلتفون حولنا وأبلغونا أنهم ضباط من الرقابة الإدارية وألقوا القبض علينا واصطحبونا للنيابة. غدا: الحلقة الثانية.