يأتى انسحاب الكاتب فؤاد حجازى من الأمانة العامة لمؤتمر أدباء مصر دليلا جديدا على الاتجاه العام لتمييع الثقافة وتفريغها من مضمونها. ففؤاد حجازى ليس فقط كاتبا كبيرا له دور وطنى مشهود وصاحب تجربة فارقة فى السجون الإسرائيلية سجلها فى روايته «الأسرى يقيمون المتاريس»، لكنه يلعب دور المعلم بمعناه الجميل إذ يتحلق حوله الكتّاب يناقشونه فى الأدب ومعضلات الحياة العامة، ولا يكتف بذلك بل يفتح لهم باب النشر على مصراعيه، فيكسر حاجز النشر الحكومى ويؤسس سلسلة «أدب الجماهير» فى المنصورة عام 1968 أى أنه باختصار يلعب دورا موازيا لهيئة الثقافة الجماهيرية. ما الذى يدفعه إذن للتخلى عن مساهمته فى الدور الجماهيرى للثقافة؟ ويجعله ينسحب بعد 25 عاما قضاها فى الأمانة العامة لمؤتمر أدباء مصر أو كما كان يطلق عليه مؤتمر أدباء الأقاليم كان يتم انتخابه خلالها عاما بعد عام كإحدى الشخصيات العامة والمؤثرة فى الحركة الأدبية. فى مكانه المتمسك به فى المنصورة حيث ولد عام 1938، يمكث فؤاد حجازى فى هدوء بعيدا عن ضجيج العاصمة لا يميل إلى الصخب الإعلامى، نسأله عن تسجيله لموقف ما بانسحابه من أمانة المؤتمر، فيجيب بتواضعه الجم «لا أريد أن أحدث إثارة إعلامية حول هذا الموضوع، فقد كان هناك اختلاف فى وجهات النظر فآثرت الانسحاب». إذ يرى حجازى أن المؤتمر تأسس منذ بداياته فى 1969 واستئنافه فى 1984 على فكرة مناقشة المشكلات العامة وطنية كانت أو مهمومة بنشر الثقافة مثل النشر والتوزيع والمكتبات، أى أنه جرت العادة على تخصيص جزء بحثى وآخر معنى بالهم العام. ولاحظ أن فى السنتين الأخيرتين أصبح الاتجاه أميّل إلى الاقتصار على الجزء البحثى وإهمال المشكلات العامة بعد أن كانت إحدى أهم ركائز المؤتمر. يتساءل حجازى ساخطا: «ما الحاجة إذن لتنظيم مؤتمر؟! فالدور البحثى ممكن أن تقوم به مؤتمرات المجلس الأعلى للثقافة أو الحلقات البحثية التى تقام فى الجامعات، أما مؤتمر أدباء مصر فالمنتظر منه شىء آخر تماما، ففى 1984 كان لى شرف أن أطرح توصية عدم التطبيع مع الجانب الإسرائيلى وكان هذا فى أوج مرحلة ما بعد السلام وكان الحديث فى هذه الأمور يتم تجريمه لمناقضته للموقف الرسمى، ولاقت التوصية الإجماع وأصبح يشار إليها باسم التوصية الأولى لأنها انتشرت فى جميع النقابات بعدها وأصبحت مطلبا شعبيا. إذن كان لنا دور سياسى مشرف فلماذا نريد أن ننفيه اليوم؟!» لم يستسلم صاحب أدب المقاومة لهذا الاتجاه، فقد قدم فى دورة العام الماضى ورقة بعنوان «نحو ثقافة وطنية ديمقراطية» وطالب أن تكون أحد محاور، ولمن عندما ارتفع «صوت» تحييد الثقافة هذا العام قرر حجازى الانسحاب، وحاول الجميع اقناعه بالعدول عن رأيه لكن دون أن يستجيبوا لمطلبه فى الاهتمام بالقضايا العامة التى أسهمت ولا تزال تساهم فى الحراك الثقافى العام. ويدافع حجازى عن وجهة نظره بأن الديمقراطية والإصلاح التى تشغل الدولة يجب أن تدرس ويتم مناقشة مدى تغلغلها وانعكاسها فى الإبداع، فهناك العديد من القضايا التى لو طرحت للنقاش فى مجال الثقافة ولقيت اهتماما ستعبر عن الإنسان الحقيقى فى مصر الذى لا يستطيع أن يحقق نفسه. ويضيف حجازى مستنكرا: «كيف أكتب عن الجسد ولا أكتب عن كفاحنا الوطنى وما يحدث فى سيناء، كيف أغفل البطالة وشخصية الدكتور الذى لا يبرح المقهى والمدرس النابغ الذى يتقاضى يوميته التى لا تزيد على جنيهين! أنا لست ضد الكتابة فى أى اتجاه فى الأدب لكن ما نراه بكثرة اليوم لا يعبر عن مشكلات المجتمع المصرى ولا يشغل الملايين». هل يعكس هذا الموقف اتجاها جديدا يجعل من الهيئة العامة لقصور الثقافة التى عرفت طويلا بالثقافة الجماهيرية هيئة نخبوية تحرص على تسكين مثقفيها فى أبراجهم، هيئة تسهر على ثقافة القصور وليست ثقافة الجماهير؟