تعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون التصالح في بعض مخالفات البناء    المشوار الأخير.. مقتل سائق توكتوك على يد شاب في عين شمس بسبب الأجرة    مدرب يوفنتوس: لدينا حماس كبير قبل مواجهة شتوتجارت فى دوري أبطال أوروبا    وزير الدفاع الأمريكي يعلن عن حزمة مساعدات ب400 مليون دولار لأوكرانيا    استشارية صحة: النسخة الثانية من مؤتمر للسكان تمثل الإطلاق الحقيقي ل"بداية"    بالصور.. وزير البترول ونظيره القبرصي يتفقدان مواقع انتاج الغاز الطبيعي بادكو    ماكرون لنتنياهو: مقتل السنوار يفتح الطريق أمام محادثات جديدة لوقف إطلاق النار في غزة    وزير الطاقة الإسرائيلي: اتخذنا القرار بضرب إيران وكل الخيارات مطروحة    المصري يخوض مبارياته على ستاد السويس الجديد    وزير الخارجية يعقد لقاء افتراضياً مع أعضاء الجالية المصرية في الرياض    الفيوم: تأجيل محاكمة المتهمين بخطف مواطن وإجباره على توقيع إيصالات ب3 ملايين جنيه لجلسة الغد    حصتهما الأولى في الجنة.. أول صور للطفلين مصطفى وحنين ضحايا حادث قطار العياط    وزير الإسكان يعقد اجتماعًا موسعًا لمتابعة موقف تنفيذ "حديقة تلال الفسطاط" بقلب القاهرة التاريخية    محافظ أسوان يستقبل ضيوف مهرجان تعامد الشمس بمطار أبو سمبل الدولي    فصائل فلسطينية تعلن مقتل محتجزة إسرائيلية في شمال قطاع غزة    بالصور.. انطلاق تصوير فيلم "درويش" الذي يجمع للمرة الثانية عمرو يوسف ودينا الشربيني    ضمن «بداية».. تنظيم بطولة كاراتيه للمرحلتين الإعدادية والثانوية بالمنوفية    لمناقشة تنظيم البطولات وتطوير الكرة.. موتسيبي يجتمع بجمال علام    ضمن «بداية»| محافظ المنيا: ندوات بالمدارس لتعزيز الثقافة الأثرية والسياحية    جامعة بنها تتقدم 105 مراكز بمؤشر التأثير العلمي بتصنيف ليدن الهولندي    3%علاوات و45 يوما إجازات....مزايا ومكتسبات في قانون العمل الجديد    منها «قاسم والمكنسة».. أشهر نوات تضرب الإسكندرية فى 2024    إصدار مشروع إنشاء مدرسة الرعاية المجتمعية المتخصصة بقنا    شريف الصياد رئيساً ل«التصديري للصناعات الهندسية»    اليابان والاتحاد الأوروبي يبحثان تعزيز التعاون الأمني وتطورات الأوضاع في أوكرانيا    حزب الله استطاع تعطيل 25 مدرعة إسرائيلية    محاضرة لمحافظ شمال سيناء للمشاركين في برنامج أهل مصر    تقديم خدمات علاجية ل17 ألف شخص على نفقة الدولة في المنيا خلال سبتمبر    تعديلات في قانون التأمين الصحي الشامل لضم المستشفيات النفسية والحميات    موعد مباراة الأهلي والزمالك في نهائي كأس السوبر المصري    البورصة والدعاية ومكافحة الحرائق.. أنسب 10 مهن ل برج الحمل    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم أتوبيس وسيارة على كورنيش الإسكندرية    محمود أبو الدهب: شوبير يستحق المشاركة أساسيًا مع الأهلي    محافظ شمال سيناء يلقي محاضرة للمشاركين في برنامج «أهل مصر»    الأزهري يعزز التعاون الديني بين مصر وإندونيسيا بزيارة جمعيتي نهضة العلماء والمحمدية    استشاري: الدولة نجحت في القضاء على فيروس سي بتوجيهات القيادة السياسية    غدا.. آخر موعد للتقديم في مسابقة الأزهر السنوية للقرآن الكريم    سيطرة مصرية على المشاركة في تحدي القراءة العربي.. وجوائز العام 11 مليون درهم    رئيس الوزراء يتابع انتظام الدراسة بمدرسة "الندى للتعليم الأساسي"    12 نافلة في اليوم والليلة ترزقك محبة الله .. 4 حان وقتها الآن    الحكومة تكشف حقيقة خفض "كوتة" استيراد السيارات بنسبة 20%    النواب يناقش إقتراح أبو العلا بإضافة بند 10 إلى اختصاصات الوطني للتعليم والبحث العلمي    هيئة الاستثمار تبحث مع وفد اقتصادي من هونج كونج فرص الاستثمار بمصر    شاهد.. حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن الأقصر (صور)    الصحة: 50% من الأفراد يستفيدون من المحتوى الصحي عبر الدراما    محفوظ مرزوق: عيد القوات البحرية المصرية يوافق ذكرى إغراق المدمرة الإسرائيلية «إيلات»    كيف أقصر الصلاة عند السفر.. اعرف الضوابط والشروط الشرعية    أزمة نفسية.. تفاصيل إنهاء عامل حياته شنقا من مسكنه في المنيرة الغربية    أهلي جدة في مهمة صعبة أمام الريان بدوري أبطال آسيا    ناقد رياضي: على «كهربا» البحث عن ناد آخر غير الأهلي    الأمريكي صاحب فيديو كلب الهرم: تجربة الطائرة الشراعية في مصر مبهرة    وزيرة التضامن الاجتماعي تبحث مع سفير قطر بالقاهرة تعزيز سبل التعاون    الحوار الوطنى يكشف التأثير الإيجابى للدعم النقدى على القدرة الشرائية للأفراد    المرور تحرر 29 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    إطلاق رشقة صواريخ من لبنان    علي جمعة يكشف حياة الرسول في البرزخ    حسام البدري: الزمالك عانى أمام بيراميدز.. ومصطفى شلبي لم يقدم أي إضافة للأبيض    هل كثرة اللقم تدفع النقم؟.. واعظة الأوقاف توضح 9 حقائق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة يوليو.. قصة نجاح أخفقت
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 07 - 2009

إن كل محاولة نهضة معاصرة لم تضع الديمقراطية فى قلبها انهارت كمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به. إن الديمقراطيات قد تتعثر وتواجه مشاكل لكن قدرتها على استنشاق هواء الحرية وتصحيح أخطائها بتغيير القابضين على الحكم فيها بشكل دورى وحر ونزيه يجعلها قادرة على أن تبحث عن استجابات متجددة لما تواجهه من تحديات. وهذا ليس غريبا فالديمقراطية تعطى الفرصة لأصحاب الرأى والفكر على تنوعهم أن يقدموا اجتهاداتهم بلا خوف ومن ثم أن يسهموا فى نهضة مجتمعاتهم. أما الديكتاتوريات سواء كانت ناعمة لينة تسمح للناس بحرية التعبير أو خشنة غليظة تكمم الأفواه فهى كجسد فاسد يحتفظ بكل مخلفاته وسمومه داخله ويطرد كل ما ينفعه خارجه. ما علاقة هذه المقدمة بثورة يوليو فى مصر؟ لقد ربط عدد من قراء الشروق بين مقال الأسبوع الماضى عن ثورتى يوليو فى الولايات المتحدة (1776) والأرجنتين (1816) وبين ثورة يوليو فى مصر، وكيف كانت ثورة مصر أقرب فى نتائجها إلى ثورة الأرجنتين فى إخفاقاتها بسبب طبيعة القيادة التى تولت السلطة فيها ومدى التزامها بالديمقراطية كمكون أصيل من مكوناتها.
إن ثورة يوليو فى مصر جسدت آمال المصريين وطموحاتهم بأهدافها العظيمة لكنها وضعتنا جميعا فى مأزق تقييمها لأنها تركت لنا سجلا مختلطا من النجاح والفشل حتى فى حدود ما حددته لنفسها من أهداف.
فالهدف الأول وهو القضاء على الاستعمار وأعوانه كان موضع إجماع ولا شك، لكن الرئيس عبدالناصر أبى إلا أن يتركنا حيث وجدنا فمن الإنجليز فى القناة والمقاومة مستعرة ضدهم عند نشوب الثورة إلى الصهاينة فى سيناء بعد أن ابتلعوا الجولان والضفة والقطاع بهزيمة مخزية راح ضحيتها نحو 20 ألف جندى مصرى، معظمهم لم يحارب من الأصل، فى مواجهة 150 جندى إسرائيلى ماتوا فى معركة خذلت فيها القيادة شعبها. والدرس المستفاد أن من يرد الخروج للقتال، فليعد له عدته دون أن ينسى أن أهم ما ينبغى أن نعده للقتال، فضلا عن إذاعة صوت العرب، هو الجيش نفسه. وهو الدرس الذى تعلمناه فى حرب 1973 حين فوجئ الجميع، بما فيها الإذاعة، أننا قد حاربنا بل وعبرنا. تأخرنا عدة سنوات فى تعلم الدرس، ويا لها من تكلفة عالية، سنظل، وأمتنا العربية والإسلامية، ندفع فاتورتها لعقود طويلة قادمة.
وقد كان الهدف الثانى للثورة، أى القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم، حلما نبيلا لكل المصريين ولكنهم اكتشفوا أن الثورة أعلنت الهدف وما اتبعت الوسائل. إن أدوات محاربة الاحتكار وسيطرة المصالح الخاصة لبعض ذوى النفوذ كانت تقتضى عكس كل ما أقدمت عليه الثورة من قرارات لاسيما المرتبطة بتقريب أهل الثقة واستبعاد أهل الخبرة، وما نتج عن ذلك من محسوبية أضاعت مصداقية الثورة نفسها. لكن الدرس المستفاد هو أن مجرد إعلان الرغبة فى القضاء على احتكار السلطة من قبل القلة لا يكفى وإنما لابد لها من آليات متعارف عليها عند أهل الاختصاص؛ وإن كنا غير مستعدين للاستفادة من العلوم المختلفة فى هذا المجال، فنحن كمن يعطى لابنه دواء فاسدا فيقتله من حيث أراد أن يعالجه.
أما الهدف الثالث فهو القضاء على النظام الإقطاعى، وقد نجحت الثورة قطعا فى ضرب قوى الإقطاع التى كانت موجودة قبل الثورة لكنها من أسف مهدت الطريق وخلقت البيئة الملائمة لظهور إقطاعيين آخرين. فمشكلة الإقطاعيين ليست فى أنهم أثرياء ولكن فى أنهم يستغلون ثراءهم لظلم الآخرين وتفويت الفرص عليهم من أجل حياة أفضل، والأهم تدمير حقهم فى تقرير مصيرهم ومصير من يحكمهم. وقد استبدلت القرارات الاشتراكية للثورة أرستقراطية الأعيان بأوليجاركية (أى حكم القلة) متشابكة المصالح من قيادات الجيش وكبار موظفى الدولة وسياسى الاتحاد الاشتراكى ليكتشف فقراء مصر أنهم استفادوا ماديا ومعنويا لكن ليس للدرجة التى تجعلهم قادرين على أن يحددوا مصيرهم ويختاروا من يحكمهم. والدرس المستفاد هو أن القضاء على الإقطاع لا يكون بخلق إقطاع مضاد يكون أكثر شراسة فى اساءة استغلال السلطة ويتعلم أدوات أكثر حرفية وغلظة فى التمسك بالسلطة حتى لا يفقدها كما فقدها السابقون عليه.
ومع الأسف فقد ترتب على الخلل فى تحقيق الأهداف السابقة ألا يحقق هدف العدالة الاجتماعية غايته المطلوبة رغما عن أن قطاعا واسعا من العمال والفلاحين انتقلوا من طبقة الفقر المدقع إلى ما هو أعلى منها، لكن استدامة هذه النقلة أتت على حساب حق المواطن فى أن يكون صاحب قرار فى قضايا وطنه؛ حتى الطبقة الوسطى الواسعة التى ظهرت فى أعقاب الثورة كانت طبقة وسطى من موظفى الدولة والمؤتمرين بأوامرها وليست طبقة وسطى مستقلة عنها وراغبة فى أن تكون الدولة فى خدمة المجتمع، على نحو ما ظهر فى مع ثورة 1919، بما يفضى إلى عدالة أشمل من مجرد مكاسب مادية فى مقابل استقالة سياسية.
أما هدف بناء جيش وطنى قوى فيبدو أنه لم يكن أفضل حظا من الأهداف الأربعة السابقة. فالرئيس عبدالناصر حكم دولة دُمر جيشها فى حرب 1948 وترك نفس الدولة بجيش مهزوم فى حرب 1967، لكن ما لاشك فيه أن مصر لم تحقق نصرا عسكريا واحدا خلال فترة حكم الرئيس عبدالناصر، وهو ما جعل البعض يشير إلى أن واحدة من أسباب انتصار مصر فى عام 1973 أن الرئيس السادات تبنى استراتيجية عسكرية مختلفة تماما عما اعتاده الرئيس عبدالناصر من إرسال إشارات لفظية ودبلوماسية زاعقة تستفز العدو أو على الأقل تكشف له نوايانا، ولا ننسى بعد كل هزيمة أن نلقى اللوم على مؤامرات الآخرين علينا. وهو ما لم يكن بعيدا عن تصريحه فى 28/5/1967، بعد إغلاق خليج العقبة «احنا أخذنا هذه الإجراءات لإعادة الأمور إلى طبيعتها، ومستنيين دلوقت إسرائيل حتعمل إيه. إذا إسرائيل تحرشت بنا أو بأى دولة عربية أو بسوريا فاحنا كلنا مستعدين ان احنا نواجه إسرائيل، إذا أرادت إسرائيل الحرب - زى ما قلت - فأهلا وسهلا بالحرب.» هذه ثقة نحن نعلم يقينا أنها لم تكن فى محلها.
ويبقى أخيرا أن الديمقراطية كهدف الثورة السادس كان أول ما ضحت به فى سنينها الأولى. ومن هنا حملت الثورة داخلها الكثير من أسباب إخفاقها. والدرس المستفاد هو أول سطر فى هذا المقال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.