حوار طويل ومناقشات أخذت منا الكثير من الوقت حول مستقبل الإعلام المسموع، وهل تستطيع الإذاعة المصرية استعادة مجدها المفقود أمام سطوة الفضائيات. زميلنا خالد محمود كان يرى أن المسألة ستكون غاية فى الصعوبة لأن الإذاعة العريقة بدأت تفقد مصادر تميزها فى هوجة التطوير وأصبحت تسعى للسير فى طريق المحطات الخاصة التى هى أقرب إلى مشروعات تجارية تبحث عن الربح المادى بصرف النظر عن القيمة والرسالة، وقال إن محطة «راديو مصر» الإخبارية خرجت بعد تطويرها نسخة مكررة من «راديو سوا». وفى المقابل كانت تصريحات طارق أبوالسعود لزميلتنا إيناس عبدالله تكشف هذا الاتجاه بوضوح، فالقائمون على التطوير فى الإذاعة يؤمنون تماما بفكرة أن النموذج الوحيد هو محطة نجوم إف. إم. التى استطاعت أن تعيد الجمهور للاستماع للإذاعة، وأن مصدر تميز محطات الإف. إم والإنترنت هو تلك الأغانى الخفيفة وجو البهجة التى تنشرها الألحان الراقصة حول الراديو، واستشهد مدير محطة الأخبار بردود الأفعال الإيجابية لحملة تطوير راديو مصر على موقع «الفيس بوك» الشبابى، وكيف أصبحت آخر روشنة وقال إن من وجهة نظره يرى الأخبار مادة ثقيلة لن يتحملها المستمع لفترة طويلة، ومن هنا يريد تخفيف الحكاية بالتحرر من اللغة العربية، وإضافة أغانى عمرو دياب وتامر حسنى وسعد الصغير وغيرهم، وربما فات على أبوالسعود أن يشير إلى الاستعانة بأغنيات النجمات هيفاء ونانسى وأليسا لإضفاء البعد العربى على توجهات الحطة الإخبارية، وهذا هو المنطق الذى يتعامل به القائمون على ملف التطوير مع كل الأمور، فالسطحية هى المسيطرة والسباق أصبح محموما تجاه التقليل من قيمة وخصوصية كل محطة، الكل يسعى وراء نجوم الغناء باعتبارهم الأكثر شهرة وجماهيرية لتحقيق مساحة من الانتشار على حسابهم، بصرف النظر عن نوعية ومستوى الجمهور الذى تخاطبه كل محطة، وحتى إذاعة الأغانى التى كان لها تجربة فى تحقيق نجاح جارف قبل أعوام، وكان مصدر نجاحها هو إحياء أغانى نجوم الطرب التى سقطت من ذاكرة الأجيال فى غفلة من الزمن، إلا أنها دخلت لعبة المنافسة مع نجوم إف. إم. على إذاعة أحدث الأغانى فى سوق الكاسيت لتفقد بذلك برقيها وجمهورها، وعندما سألنى أحد الأصدقاء «لما أحب أسمع طرب قديم فى الإذاعة ألاقيه فين»؟ لم أجد لدى إجابة عن السؤال فقررت أن أعيد طرحه على السادة فى ماسبيرو لعلهم يعيدون النظر فى تطويرهم لمحطة مصر ويجدون لنا مساحة على الهامش لإذاعة كنوز الإذاعة الغنائية التى كانت دوما صوت مصر وأحد أسرار تميزها الإعلامى.