تلعب الإمارات دورًا محوريًا فى مساندة الاقتصاد المصرى بعد 30 يونيو، كان من أبرز خطواته مشاركتها للحكومة المصرية فى تنظيم ملتقى استثمارى ضخم بالقاهرة للشركات الخليجية مطلع الشهر الجارى، وهى الجهود التى تهتم بها الحكومة الانتقالية فى ظل ضعف التدفقات الدولارية مع استمرار الاضطراب السياسى، بعد أسابيع من عقد الملتقى. حاورت «الشروق» كريم هلال، خبير الاستثمار الذى يتمتع بتاريخ متميز فى مجال استشارات وإدارة الاستثمارات بالسوق المصرية، ويترأس حاليا شركة أبوظبى الإسلامى كابيتال. وحول ما لمسه من انطباعات المستثمرين الخليجيين ورؤيته لأبرز العوائق التى تقف أمام تدفق المال الخليجى إلى السوق المصرية. كان الحضور الكبير لشركات خليجية عالية المستوى، فى ملتقى الاستثمار المصرى الخليجى مطلع الشهر الجارى، أمرا لافتا لأنظار عدد من خبراء الاستثمار، ككريم هلال، رئيس شركة أبوظبى الإسلامى كابيتال، الذى يعتبر ان حكومة الامارات لعبت دورا رئيسيا فى جذب تلك الشركات لزيارة مصر والاطلاع على فرص الاستثمار التى عرضتها الحكومة. وكانت الامارات قد قدمت مساعدات مالية وبترولية لحكومة ما بعد 30 يونيو بقيمة خمسة مليارات دولار، الا ان وزير الدولة الاماراتى سلطان الجابر، أكد فى المؤتمر الصحفى التحضيرى لملتقى الاستثمار بالقاهرة على ضرورة اعتماد مصر على الاستثمارات فى الفترة القادمة. ومن واقع خبرات هلال فى تجارب سابقة لجذب الاستثمارات الاجنبية، فإن الاموال الخليجية لن تأتى لمصر بمجرد عرض الفرص المتاحة فى السوق المصرية، ولكن مع التأكد من وجود «مشروعات قابلة للتنفيذ»، حيث ان طرح عناوين المشروعات الكبرى المتاحة فى مصر لا يكفى لجذب المستثمر كما يؤكد هلال معلقا «انا سمعت الكلام ده 30 الف مرة». ويدلل على ذلك بتجربة خاضها شخصيا منذ خمس سنوات لجذب الاستثمار الاسيوى لمصر بعد ان اثرت الأزمة المالية العالمية على تدفق الاستثمارات الغربية للبلاد، وهى التجربة التى وضعته فى «موقف محرج» على حد تعبيره، فبعد ان قدمت له الحكومة آنذاك قائمة من الفرص الاستثمارية كان «شكلها حلو جدا» فى رأيه، قام بعرضها على المستثمرين الاسيويين الذين أبدوا اهتماما وبدأوا يسألونه عن بعض التفاصيل الخاصة بتلك المشروعات، فلم يجد ردودا واضحة لدى الحكومة. ولكن الانطباعات المبدئية لهلال عن الفرص المعروضة مؤخرا على الاستثمار الخليجى تبدو ايجابية، حيث يقول انه لمس وجود عروض جادة فى قطاعات مثل الطاقة والنقل والسياحة، ولكن «اكيد لاتزال هناك اوجه قصور» كما يستدرك. قواعد اللعبة ومن أبرز اوجه القصور فى رأى هلال عدم وجود اطار تشريعى يضمن تنفيذ مشروعات المشاركة بين القطاعين العام والخاص بشكل أكثر مرونة، بحيث لا تؤجل الموافقة على تنفيذ تلك المشروعات بسبب تعدد الجهات الحكومية المسئولة عنها، وعدم وجود التنسيق الكافى بينها، «التحضير لمشروعات ضخمة من هذا النوع يكلف وقتا وملايين الجنيهات، يجب ان يكون جاهزا على التنفيذ». وضوح نظم التعاقد بين الحكومة والمستثمرين أيضا من أبرز العوامل التى تطمئن المستثمر، كما يضيف هلال، مشيرا إلى تأثير تجارب اعادة الدولة للتفاوض على تعاقدات الاراضى بعد الاحكام القضائية التى صدرت ضد تلك التعاقدات، لأنها لم تخصص بما يتفق مع قانون المناقصات والمزايدات، «اعتبر انك تدعو الناس للعب مباراة كرة قدم، لا يمكن فى وسط المباراة ان اغير قواعد اللعبة». أرباح معقولة المشروعات الحكومية المطروحة تشمل العديد من القطاعات الذى لم يكن معتادا دخول الاستثمار فيها، فى مجال البنية الاساسية والخدمات العامة، وهو ما يمثل تحديا اخر نظرا إلى ان تسعير بعض هذه الخدمات يتم بناء على معايير اجتماعية. ويوافق هلال على أن «المشروعات الخدمية ليس لها ربحية عالية بطبيعتها» ولكنه يشير إلى ان بعض المشروعات العامة ممكن ان تولد ارباحا جيدة، كمشروعات الطرق السريعة والطاقة المتجددة والخدمات اللوجيستية كالموانئ وخدمات التخزين، ودخول القطاع الخاص فى هذه المجالات سيخفف العبء على الدولة لتمويل المجالات الاجتماعية الاخرى. ويمثل توفير الاستثمارات الملائمة للبنية الاساسية تحديا امام الحكومة فى ظل معدلات العجز التى بلغت حتى العام المالى الاخير 14% من الناتج الاجمالى. «قبل الثورة واجهت الحكومة الركود الناتج عن الازمة المالية العالمية بحزمة استثمارات فى البنية التحتية، لم يكن الهدف منها التنشيط فقط، ولكن لأن البنية التحتية متهالكة، ولا تمكن الاقتصاد من تحقيق معدلات نمو مرتفعة... وهو ما نحتاجه الآن» يضيف هلال. وان كانت عوائد مشروعات الخدمات العامة ليست مرتفعة، فكونها فى مجالات اساسية لا غنى عنها يجعلها جاذبة للاستثمار، كما يوضح هلال «فى الصيف السابق للثورة دعوت رئيس الصندوق السياسى الصينى لزيارة مصر.. وقبل رحيله قال لى انه يبحث عن فرص استثمارية ذات عائد معقول بين 8% و10% على ان يكون مستقرا وطويل الاجل، هذا ما تبحث عنه ايضا الصناديق السيادية فى الخليج لأنها تستثمر للأجيال القادمة». مخاطر العملة بيئة الاستثمار فى مصر تجتمع فيها العديد من العوائق أمام الاستثمارات الخليجية التى يحتاجها الاقتصاد فى الوقت الحالى، بعضها قديم والآخر مستجد، «لدينا بيروقراطية عنيفة ومحسوبية عنيفة» كما يعلق خبير الاستثمار. وهناك أيضا مخاطر العملة، وهى المشكلة التى تسبب فيها الانخفاض لاحتياطيات النقد الأجنبى لفترة طويلة بعد الثورة، وتراجع بسببها الجنيه أمام الدولار بأكثر من 10% خلال 2013. وبالرغم من استقرار الاحتياطى حاليا عند مستوى 17.7 مليار دولار، ولكن الحديث عن مخاطر العملة استحوذ على مساحة مهمة من مناقشات ملتقى الاستثمار المصرى الخليجى، «اى انخفاض جديد فى سعر العملة يعنى اننى سأخسر نسبة مهمة من رأس مالى الدولارى»، كما يقول هلال. «وحتى لو كنت اعمل فى النشاط التصديرى، وأحقق ايرادات بالدولار، فعمليا البنوك قد تتأخر فى توفير رصيدى الدولارى عند طلبه»، كما يضيف هلال. عروض إماراتية الا ان هلال يعتبر ان مخاطر العملة مرتبطة باستقرار الوضع السياسى، الذى يسمح بعودة تدفق الإيرادات الدولارية بشكل طبيعى فى مجالات كقطاع السياحة، «الاستثمار الاجنبى بصفة عامة لديه رؤية اننا على الطريق الصحيح.. اعتقد ان الاستفتاء على الدستور سيكون الاختبار الحقيقى». العوائق الحالية فى بيئة الاستثمار لا تمنع المستثمرين الخليجيين من دراسة فرص الاستثمار فى مصر، كما يقول هلال، مدللا على ذلك بعروض أتته من شركات اماراتية للاستثمار فى مصر بعد انتهاء الملتقى الاستثمارى «المشروعات فى قطاعات الزراعة والصناعات الغذائية واللجوستيات» كما يقول هلال، مشيرا إلى انها استثمارات ضخمة قد تصل إلى مئات الملايين من الدولارات، ويأتى الاهتمام بدراستها مدفوعا بالرغبة فى الاستعداد لدخول السوق المصرية مع تحقق الاستقرار، فى رأيه. وكان صافى الاستثمارات الاماراتية قد بلغ فى 1.03 مليار دولار فى عام 2008 2009 ولم تحقق هذا المستوى فى السنوات التالية التى تخللتها الأزمة المالية والاضطرابات التالية للثورة، حيث حققت فى 2012 2013 صافى استثمارات بنحو 480 مليون دولار. «الاستثمارات الاماراتية كانت فى اتجاه تصاعدى خلال سنوات النمو القوى التى سبقت الازمة المالية، وهى لم تصل بعد إلى درجة التشبع، لاتزال لدينا مقومات ضخمة قادرة على جذبها» كما يقول هلال.