اختلط عشقه للكتابة بدمه منذ نعومة أظفاره، صاحب ريشة وقلم لم يُخلق مثلهم، ذو إطلالة مبهجة رغم الحزن الذي يرسو بين حروفه وكلماته، سمين الجسم خفيف الظل رحيم القلب، «عمنا صلاح جاهين» صاحب الإبداع الذي ليس له حدود، في ذكرى ميلاده الثالث والثمانين. في مثل هذا اليوم عام 1930، ولد للدنيا المبدع «صلاح جاهين» لم ولن يتكرر، أعماله الفنية التي ستخلد ذكراه عبر أجيال لم تره، لكنها عشقته حد الجنون، لأنه يجسد حالة شعب بكل ثناياها من حزن وفرح وسخرية وعشق للوطن. ولد بحي شبرا تحديدًا بشارع جميل باشا، ولع بالرسم منذ الطفولة ودرس الفنون الجميلة ،لكن تحولت دراسته للحقوق إرضاء لرغبة والده المستشار أحمد بهجت حلمي كعادة كل البيوت المصرية. قرر ترك الحقوق، ووجه قبلته إلى الرسم فبني عرش راسخ في الكاريكاتير في مجلة القاهرة، ومنها إلى جريدة روز اليوسف، ثم للصباح عام 1955، ليخرج لنا بعمله الذي لا ينسي «الليلة الكبيرة» بمسرح العرائس عام 1958، كانت من تنفيذ الراحل صلاح السقا، وانتهى به المطاف إلى رسم الكاريكاتير وانضم الأهرام 1964، وظل كاريكاتيره بابًا ثابتًا حتى اليوم، لم يستطع أحد ملء الفراغ الذي تركه العم جاهين، بالرغم من مرور نحو 27 عامًا على رحيله في إبريل 1986. بزغ نجمه في الشعر في سن العاشرة أو يزيد قليلاً، وذاع صيته عقب ثورة 1952، فقدم بصوت عبد الحليم حافظ ولحن كمال الطويل، مجموعة أغاني وطنية نقشت على قلوب الناس ولازالت تتردد على ألسنتهم أشهرها «صورة» و«بالأحضان». اشهر ما كتب عمنا جاهين في قاهرة المعز بحالة حيرة بين حبه للوطن وبين اكتئابه من حالها «على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء أنا مصر عندي أحب وأجمل الأشياء.. باحبها وهي مالكه الأرض شرق وغرب، وباحبها وهي مرميه جريحة حرب.. باحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء، واكرهها وألعن أبوها بعشق زي الداء.. واسيبها واطفش في درب وتبقى هي ف درب، وتلتفت تلقيني جنبها في الكرب.. والنبض ينفض عروقي بألف نغمة وضرب». عمل مع عمالقة الفن لن تمحى أسماءهم من تاريخ مصر مثل يوسف شاهين في «عودة الابن الضال»، وسندريلا الشاشة المصرية الراحلة سعاد حسني في «خلي بالك من زوزو»، و«أميرة حبي أنا»، وشفيقة ومتولي. ظهر جاهين كممثل في أعمال سنيمائية منها «اللص والكلاب» و«موت أميرة»، «المماليك» و«لا وقت للحب» و«شهيدة الحب الإلهي». الشاعر الثوري العاشق الساخط على أحوال بلده أصيب بحالة من الاكتئاب الشديد عقب نكسة 1967، وخاب أمله خاصة بعدما غنت الست أم كلثوم أغنية راجعين بقوة السلاح عشية النكسة، وبدء على إثرها كتابة الرباعيات التي ستظل محفورة بتعجبه على حائط الخُلد إلى أن تقوم الساعة. من أشهر رباعياته «يا طير يا طاير في السما طز فيك.. ما تفتكرش ربنا مصطفيك.. برضك بتاكل دود وللطين بتعود.. بتمص فيه يا حلو، ويمص فيك.. وعجبى»، ورباعية «خرج ابن آدم من العدم قلت ياه.. رجع ابن آدم للعدم قلت ياه.. تراب بيحيا.. وحي بيصير تراب..الأصل هو الموت والا الحياه، عجبي!».