كتب جون سكوت وروبرت زاريتسكى، رئيسا قسم العلوم السياسية فى جامعة كاليفورنيا، وأستاذا التاريخ فى جامعة هيوستن، مقالا نشر بجريدة نيويورك تايمز، تناولا فيه كتاب «الأمير» وهو يعد أشهر ما كتب مكيافيلى على الإطلاق، جاء بالمقال: لم يكن الرائع فى كتاب «الأمير» ما كتبه مكيافيلى فقط، لكن كون مكيافيلى استطاع الكتابة أصلا! فقبل عشرة شهور فحسب من كتابته، كان يعانى إجباره على «الوضع المقلوب»: ربط اليدين خلف ظهره وتعليقه فى سقف السجن ثم إسقاطه على الأرض، مرارا. ففى ذلك الوقت كان قد تولى مهمة الإشراف على السياسة الخارجية والدفاع، ثم أطيح به من المنصب، عندما عادت عائلة ميديتشى إلى السلطة. فقد اشتبه الحكام الجدد بأنه يتآمر ضدهم وأرادوا إجباره على أن يقول ما يريدون. وكان مكيافيلى يفخر بأنه لم يتفوه بكلمة واحدة. ويرى الكاتبان أن كتاب «الأمير» يعتبر دليلا توجيهيا لأولئك الذين يرغبون فى الفوز بالسلطة والاحتفاظ بها. وكان عصر النهضة زاخرا بمثل هذه الإرشادات، ولكن كتاب مكيافيلى كان مختلفا. فقد كان يقدم المشورة للأمير بشأن كيفية التصرف تجاه أعدائه، باستخدام القوة والاحتيال فى الحرب. ولكن وجه الجدة الحقيقى يكمن فى كيف ينبغى أن نفكر فى أصدقائنا. وكتب مكيافيلى أنه على المرء أن ينحى جانبا ما يحب أن يتخيله بشأن السياسة، وأن يتجه مباشرة إلى حقيقة الكيفية التى تسير بها الأمور، أو ما يسميه «الحقيقة الفعالة». وسوف يرى أن الحلفاء فى السياسة، سواء فى داخل الوطن أو خارجه، ليسوا أصدقاء. وربما كان آخرون قد خدعوا بشأن الفارق بين المفهومين، لأن كلمة الأصدقاء باللغة الإيطالية تعنى كليهما. وينذر مكيافيلى من يتخيل أن الحلفاء أصدقاء، بأنه يضمن دماره بدلا من بقائه. وربما لا يكون هناك من يحتاج إلى هذه الرؤية، أكثر من الشباب. ويهدف مكيافيلى، مثل وعاظ السياسة، إلى التشكيك فى الاعتقاد السائد بأن القائد ينبغى أن يكون فاضلا: سخيا ورحيما، صادقا ومخلصا. غير أن مكيافيلى ينصح بأنه فى عالم لا يضم طيبين كثيرين، يجب أن تتعلم كيف يمكنك ألا تكون طيبا. حيث تتعارض الفضائل التى تدرس فى مدارسنا الدينية والعلمانية مع فضائل يجب على المرء أن يمارسها لحماية تلك المؤسسات نفسها. ويعتبر أن قوة الأسد وذكاء الثعلب: هى الصفات التى ينبغى أن يسخرها الزعيم للحفاظ على الجمهورية. ويكون الحلفاء، بالنسبة لمثل هذا القائد، أصدقاء عندما يكون ذلك فى مصلحته. بل، ويقول مكيافيلى ما هو أكثر من ذلك؛ حيث يجب على القادة فى بعض الأحيان أن يثيروا الخوف ليس فقط فى نفوس خصومهم ولكن حتى فى نفوس حلفائهم بل وفى نفوس وزرائهم. ويتساءل الكاتبان عما كان من الممكن أن يظنه مكيافيلى عندما اعتذر الرئيس أوباما عن الفشل الذريع لمشروع قانون الرعاية الصحية؟ كان سيقول، إنه لم يحصل سوى على الاحتقار، بدلا من كسب الاحترام. ومن الأمثلة التى يفضلها مكيافيلى، قول سيزار بورجيا، أنه ينبغى أن تتدحرج رؤوس فى بعض الأحيان. (وإن كان بورجيا يعنى المعنى حرفيا، على الرغم من انه كان يفضل تقطيع الأجساد إلى نصفين وتركها فى ساحة عامة). ويشير الكاتبان إلى أنه كان هناك دائما من يطلق على مكيافيلى «معلم الشر». ولكن مؤلف كتاب «الأمير» لم يشجع أبدا الشر من أجل الشر. فهو يرى أن الهدف السليم للزعيم هو الحفاظ على دولته (لا وظيفته، بالمناسبة). وأن السياسة ساحة يؤدى فيها اتباع الفضيلة إلى خراب الدولة غالبا، فى حين يؤدى اتباع ما يبدو أنه رذيلة إلى الأمن والرفاه. وباختصار، ليست هناك خيارات سهلة أبدا، وتتكون الحكمة من التعرف على سمات القرارات الصعبة التى تواجهها واختيار أقلها سوءا، باعتباره أكثرها جودة. أما أولئك الذين يرون العالم، بمفاهيم أهل السينما على الأقل، إن لم يكن من منظور المانوية (أى الصراع بين قوى النور والظلام)، فسوف يتراجعون. وربما نكون محقين فى ذلك، ولكن من الخطأ استبعاد هذه الأفكار تماما. وإذا كانت تعاليم مكيافيلى بشأن الأصدقاء والحلفاء فى السياسة مقلقة للغاية، فذلك لأنها تمس جوهر قناعاتنا الدينية والأخلاقية. وهذا ما يفسر لماذا لا يزال مكيافيلى يلقى التبجيل، مثلما يلقى اللعنة، فى عصرنا اليوم، كما كان فى عصره.