سماسرة الهجرة غير الشرعية إلى ليبيا لا يصعب العثور عليهم بمحافظة المنيا، يكفيك أن تنزل إلى أى من قرى المحافظة التى تضم 8 مدن، وتطرح سؤال: «عايز حد بيسفر ليبيا هرابى؟» على شباب القرية، فتجد ألف من يدلك وكأنه يخبرك عن مكان «سوبر ماركت» أو طبيب عام. التقينا أحد هؤلاء فى قرية تابعة لمركز «مغاغة»، وهو يمتلك سيارة ميكروباص يستخدمها فى تهجير الشباب الذين لا يخرجون عن ثلاثة أصناف، فى مقدمتهم الهاربون من التجنيد أو الشباب صغير السن الذى يسعى لإيجاد فرصة عمل قبل دخول الجيش، أما النوع الثانى فيتمثل فى أولئك الذين صدرت ضدهم أحكام قضائية وأدرجت أسماؤهم على قوائم الممنوعين من السفر فى المطارات والموانئ البحرية، هذا إلى جانب الشباب المصاب بفيروس (c). ويلفت إلى أن السلطات الليبية لم تكن تمانع فى دخول المصابين بمرض التهاب الكبد الوبائى قبل الثورة، فى حين اشترطت مؤخرا إجراء تحاليل طبية للوافدين المصريين، عند مداخل المدن الحدودية للتأكد من عدم إصابتهم بهذا المرض. وأضاف السمسار الذى رفض نشر اسمه أن غلق الحدود من قبل السلطات الليبية مؤخرا، هو السبب الرئيسى وراء تنامى هروب الشباب المصرى إلى هناك سيرا على الأقدام فى الصحراء لفترات طويلة واتخاذ ما سماه ب«الطريق القبلى»، مشيرا إلى أن الدخول إلى الأراضى الليبية بطريقة غير شرعية لم يكن مقتصرا على ذلك الطريق عندما كانت المعابر مفتوحة. ويوضح: «أبناء قبيلة (أولاد على) يدفعون عمولات للموظفين فى المعابر، حتى يمر الشباب الهارب بطريقة طبيعية، ثم يتولى مرشدون ليبيون توصيلهم إلى منطقة عملهم داخل الأراضى الليبية، بموجب تنسيق مسبق مع السماسرة المصريين. وذلك مقابل مبلغ مالى أكبر من تكلفة التسلل عبر الحدود». السمسار يعمل فى هذا المجال منذ عام 2006، ولا تقتصر مهمته على تسهيل السفر بطريقة غير شرعية، لكن أيضا يتولى دخول آخرين بشكل رسمى بعد حصولهم على تأشيرات، شريطة أن يكون موقف الشاب سليما من ناحية التجنيد والحالة الجنائية والصحية، ومن ثم يكون من السهل دخوله إلى ليبيا والعمل بها. ويتكلف ذلك 5500 جنيه، فى مقابل ثلاثة آلاف للهجرة غير الشرعية. ويشير إلى أن رحلات الهجرة غير الشرعية أكثر ربحا: «الرحلة غير الشرعية الواحدة لا أخرج فيها بأقل من 20 مهاجرا، وبالتالى تصل عمولتى فى المجموعة الواحدة إلى عشرين ألف جنيه. وفى أغلب الأحيان يتم تحصيل المبلغ قبل الرحلة بأيام أو بساعات، ويطلب البعض سداد جزء من المبلغ مقدما، على أن يسدد الباقى بعد وصوله لمنطقة عمله أو يتولى أهله فى مصر تسديد المطلوب، بعد التأكد من سلامة وصوله». السمسار لا يواجه عناء كبيرا خلال أداء مهمته، إذ يقوم بتسليم المهاجرين إلى سمسار آخر من أبناء قبيلة «أولاد على» فى «رست» مشهور يقع على طريق السلوم، ويدفع له مبلغ 2000 جنيه عن كل فرد، يتقاسمها السمسار الجديد مع المرشدين وآخرين داخل الأراضى الليبية. وتابع حديثه قائلا: «أولاد على» حافظين الصحراء عن غيب، وهناك فرع من قبيلتهم بمدينة (مساعد) الليبية التى تقع بعد مدينة السلوم المصرية مباشرة، وهم يتولون مسئولية التحرك بالشباب المهاجر داخل الأراضى الليبية. ولفت السمسار النظر إلى أن مسئولية السمسار المصرى تنتهى عند دخول الشاب المصرى المهاجر هربا إلى الأراضى الليبية فقط، موضحا أنه غير مسئول عن إيجاد فرص عمل. لكن 99 % من الشباب المهاجر بطريقة غير شرعية يكون على اتصال مسبق مع أحد أقربائه فى الداخل لترتيب أموره بمجرد الوصول، على حد قوله. «بمجرد أن يشتغلوا، تقل احتمالات اكتشاف أمرهم أو ترحيلهم، فنادرا ما تقوم الشرطة الليبية بمراجعة موقف العاملين فى المزارع التى تقع فى المناطق الصحراوية النائية»، فهذه تكون بعيدة كل البعد عن أقسام ودوريات الشرطة.