مستوى التعليم فى مصر انخفض. وذلك هو السبب الرئيسى فى أن متوسط مستوى الطلاب ينخفض باستمرار. وهذا لا يعنى أنه لا يوجد فى مصر الآن طلاب مستواهم مرتفع للغاية، وقد يكون مستواهم أحسن من أقرانهم فى الماضى القريب والبعيد. فتكنولوجيا المعلومات والإنترنت أعطت للدارسين فرص متابعة ما يحدث عالميا. ولكن أهم أسباب تقدم المجتمعات (أساسا وليس كليا) هو وجود متوسط تعليم يرتفع مع الوقت، وهو ما لا يحدث. هذه نقطة. النقطة الثانية أن مصر شهدت على مر الستين سنة الماضية موجات هجرة للخارج بدأت مع نهاية حرب 48 وحريق القاهرة، وزادت فى الخمسينيات بهجرة اليهود والأجانب وبموجة أخرى من المصريين فى الستينيات وبموجات تتسارع تارة وتقل تارة أخرى حسب الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى مصر. ولم تشهد مصر سوى موجة واحدة ضعيفة من الهجرة العكسية (إلى مصر) إلا فى السنوات من 2005 إلى 2008. هذه ملاحظة عامة ولا يوجد هنا تحليل للأسباب ولا إذا كانت القرارات السيادية فى هذه الفترات من منظور وطنى صحيحة أم لا. والجدير بالإشارة أن الهجرات تكون فى المتوسط لأفراد يرون فى أنفسهم القدرة على المنافسة فى الخارج، وبالتالى فهم فى المتوسط على قدر أعلى من التعليم والخبرة والمبادرة. للسببين الماضيين نحن إذن أمام مجتمع انخفض فيه متوسط مستوى المتقدم لفرصة العمل. ومرة أخرى أركز أن الكلام هنا عن متوسط المجتمع، وهذا ليس معناه أنه ليس بين المصريين المقيمين فى مصر أُناس فى منتهى الكفاءة والمعرفة. النقطة الثالثة وهى خاصة بمؤسسات الدولة، وبالتحديد تتعلق بالقدرة الضعيفة لهذه المؤسسات على استقطاب أحسن العناصر المتاحة. فمع بداية سياسة الانفتاح عام 1974 فإن القطاع الخاص والأجنبى استطاع فى المتوسط استقطاب العناصر الأكثر كفاءة نظرا للمرتبات والحوافز الأعلى والمرونة فى اتخاذ القرارات وفرص التقدم المبنية على الكفاءة. وازداد تفضيل العمل فى القطاع الخاص مع الوقت حتى أصبح مستوى متوسط المتقدم للعمل فى الحكومة أقل كثيرا مع الوقت. مرة أخرى أركز هنا على أن الكلام يرتكز على متوسطات والكلام هنا ليس معناه أنه لا يوجد فى المؤسسات الاقتصادية للدولة كوادر وطنية قوية وصلبة. النقطة الرابعة، وهى أننا لأسباب ضغط النفقات سواء على مستوى الجامعة أو على مستوى المؤسسات الاقتصادية للدولة أوقفنا البعثات التعليمية والتدريبية للخارج. وبالتالى فإننا لم نجدد لفترة طويلة ولم تدخل إلينا أفكار جديدة كافية سواء فى المجال النظرى أو المجال التطبيقى. لقد استمررنا فى الاضمحلال لفترة طويلة، وانخفض مستوى أدائنا، بينما قفز العالم للأمام وزادت فجوة المعرفة والأداء. النقطة الخامسة هى أن مؤسسات الدولة قد فقدت عددا كبيرا من الكفاءات، التى لديها سواء ذلك عن طريق الهجرة إلى القطاع الخاص أو بسبب الخروج على المعاش. إن البحث عن وزراء أكفاء وعن مديرين يصلحون للمناصب العليا فى مؤسسات الدولة أصبح أكثر صعوبة من الماضى، وبالتالى فنحن أمام ملاحظة صحيحة. النقطة السادسة هى الكلام وتفعيله فى بعض الأحيان عن الحد الأقصى للأجور. كيف نريد من كفاءات تعمل فى القطاع الاقتصادى للدولة أن تقبل أن تأخذ خُمس ما يمكن أن تأخذه فى القطاع الخاص؟ إننا نطلب من هؤلاء إما أن يصرفوا من مدخراتهم أو أن يبحثوا عن بدلات غير منظورة فى قطاعاتهم أو أن يحصلوا على دخل غير مشروع، وهى خطيئة. تطبيق الحد الأقصى للأجور عبث. هذه الأسباب كلها معناها أن الكوادر فى مصر عامة وفى مؤسسات الدولة بالأخص قد تعرضت فى المتوسط للتآكل، وإننا ندفع الثمن فى صورة قرارات لا تتخذ فى الوقت المناسب أو فى صورة قرارات خاطئة بنسبة أكبر من السابق. مصر فعلا تستطيع أن تكون «قد الدنيا» ولكن رفع مستوى العاملين فى مؤسسات الدولة هو جزء من الحل.