لا أعرف كيف يحكم الناس على مبادرة سياسية من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء قراءتها؟!. ولا أعرف كيف وصل تفكيرنا السياسى إلى هذه الدرجة المتدنية؟!. قبل حوالى أسبوع كنت أتحدث مع الفقيه القانونى والمفكر الإسلامى الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، وعلمت منه بأمر مبادرته السياسية لتحقيق توافق وطنى. قلت له بوضوح إن الوضع العام قد لا يسمح بنجاح أى مبادرة لأن الإخوان غير مستعدين للحل. لكنه قال: إنه مادام يستطيع ان يفعل شيئا من اجل التهدئة فلماذا يتأخر؟. قلت له إن أصواتا كثيرة ستهاجمك وتتهمك بكل التهم وأنك تحاول إعادة الروح إلى جسد الإخوان الموشك على الموت، فرد قائلا: إن مصلحة مصر عنده أهم من أى أقاويل. تحدثت معه كثيرا هذا اليوم، ثم أرسل لى نص ورقته التى صاغها بعد لقائه مع محمد على بشر وعمرو دراج وعماد عبدالغفور، قرأت الورقة المكتوبة بخط يده وفيها بنود للمبادئ الأولية التى اتفق عليها أبوالمجد مع الإخوان، فوجدت أنها تقريبا تشبه خريطة الطريق، بل فيها تقدير واعتراف بالقوات المسلحة ودورها وضرورة التعاون معها، وفيها إصرار على عدم الاستقواء بالخارج وليس فيها أى ذكر لمحمد مرسى، وفيها دعوات لوقف الاعتقالات العشوائية السياسية.. والأهم ضرورة اعتراف الإخوان بثورة 30 يونيو وضرورة الاحتكام للشرعية الدستورية، أى باختصار الإبقاء على عنوان دستور 2012 حتى لو تم تغيير كل بنوده.؟! أبوالمجد طلب من الإخوان علنا التوقف عن المظاهرات والاشتباكات مع الشرطة والأهالى. وأن يقرأوا المشهد السياسى جيدا ويدركوا ان الشعب خرج ضدهم. ورقة أبوالمجد موجودة ومنشورة فى «الشروق» يوم الأربعاء الماضى، وأى شخص عليه ان يقرأها أولا ثم يحكم هل هى تريد إعادة إحياء الإخوان أم تطبيق حقيقى لخريطة الطريق . ما هى الجريمة التى ارتكبها ابو المجد؟. قبل يومين أيضا تحدثت مع الرجل وسألته نفس السؤال عن تخيله لرد الإخوان، فقال إنه ينتظر ردهم، فإذا جاء إيجابيا حمله إلى الحكومة، وإذا جاء سلبيا سيعلن ان المهمة لم تكلل بالنجاح. أعرف الدكتور أبوالمجد منذ أجريت معه سلسلة حوارات متصلة لجريدة العالم اليوم عام 1993 على ما أذكر عن مشواره السياسى. تناقشت مع الرجل الصعيدى ابن قرية بنى عدى بأسيوط عشرات المرات ووجدت فيه عقلا إسلاميا مستنيرا وعدوا أصيلا للتطرف، وآخر صفة يمكن أن تلصق بالرجل أن يكون إخوانيا. هو سخر نفسه لقضية فضح أولئك المتاجرين بالدين. ليست مشكلة أن يتعرض أبوالمجد لهجمات قطاع الطرق السياسية، لكن المرء يحزن لأن من يفترض بهم أنهم موضوعيون يصفون الرجل حينا بأنه إخوانى وحينا ثانيا بأنه ماسونى وينسون أنه ابن أصيل للدولة المصرية وليس لتنظيم الإخوان، وللأسف لا يعرفون أن أبو المجد كان محامى الحكومة فى قضية أرض سياج، وأن غالبية أعضاء لجنة الحكماء عام 2011 هم قادة جبهة الإنقاذ الآن ونجوم 30 يونيو. لندع حكاية الماسونية والصهيونية وهذا العبث ونسأل السؤال الجوهرى: ما الذى يضير أى شخص حتى لو كان موغلا فى الفلولية أن ينجح فى إقناع الإخوان بقبول خارطة الطريق؟!. لو أن أى شخص فعل ذلك لرفعنا له القبعة وفى المقابل يمكننا رجم أى شخص يحاول إعادة دمج الإخوان من دون محاسبتهم. تحية إلى أبوالمجد وجهده وتحية إلى أى شخص يسعى فى هذا الطريق متحملا رزالات وسخافات البعض، رغم إدراكى ان جماعة الإخوان مازالت مخطوفة ذهنيا وزمنيا ولن تقبل بخريطة الطريق.. لكن ألم تفكروا ان مبادرة أبوالمجد يمكنها فضح الجماعة وتصلبها؟!.