عندما توصل الفلسطينيون إلى اتفاق أوسلو الانتقالى مع إسرائيل فى الثالث عشر من أيلول (سبتمبر) عام 1993، اعتقدوا أنه سيكون الجسر الذى سينقلهم إلى الدولة المستقلة. لكن، بعد عشرين عاما، تبين لهم أن «الشريك» الإسرائيلى كان يخطط إلى شيء آخر، هو جعل اتفاق الحكم الذاتى المؤقت هذا اتفاقا نهائيا، تتخلص بموجبه إسرائيل من إدارة حياة الفلسطينيين، وتسلمها إلى السلطة الفلسطينية، لتعمل بدورها على السيطرة على الأرض، وتحويلها إلى المستوطنين، تمهيدا لضمها إلى الدولة العبرية. وتبين الاحصاءات الفلسطينية أن إسرائيل ضاعفت خمس مرات عدد المستوطنين منذ اتفاق أوسلو حتى اليوم، إذ كان عددهم، عندما تم التوصل إلى اتفاق اوسلو، 105 آلاف مستوطن، وارتفع خلال العشرين عاما الماضية ليصل إلى 630 ألف مستوطن، حسب الاحصاءات الإسرائيلية. ●●● وعملت إسرائيل خلال العقدين الماضيين من «السلام الانتقالى» على تجذير الوجود اليهودى فى الارض الفلسطينيةالمحتلة عبر ضم القدس والاعلان عنها «عاصمة أبدية للشعب اليهودى»، وزرع أكثر من 200 ألف مستوطن فيها، وإقامة المشاريع الاقتصادية، من مزارع ومصانع ومناطق صناعية ومناطق سياحية ومياه وطاقة، فى المستوطنات المنتشرة على طول وعرض البلاد. ويقول المراقبون إن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عملت خلال السنوات العشرين الماضية على اقامة حقائق على الأرض يصعب، وربما يستحيل على أية حكومة مستقبلية ازالتها، حتى لو ارادت ذلك. ونص اتفاق اوسلو على اقامة سلطة حكم ذاتى للفلسطينيين فى الضفة الغربية وقطاع غزة لمدة خمس سنوات، يجرى خلالها التفاوض بين الجانبين على الحل النهائى. واعترفت منظمة التحرير الفلسطينية فى هذا الاتفاق بدولة إسرائيل، واعلنت عن نبذ العنف، وتعهدت باعتماد المفاوضات وسيلة وحيدة للسعى للحصول على الحقوق الفلسطينية. ●●● ويعترف بعض السياسيين الفلسطينيين بالخطأ التاريخى هذا لأن اوسلو لم يشتمل على نص واضح يلزم إسرائيل بوقف الاستيطان. وقال أحمد قريع الذى توصل إلى الاتفاق فى مفاوضات سرية مع فريق إسرائيلى، فى أكثر من مناسبة بأن الرئيس الراحل ياسر عرفات كان يبحث عن موطئ قدم فى فلسطين ليحوله إلى دولة، ما جعله يقبل بدفع هذا الثمن الباهظ. ويقول رفاق عرفات بأنه عندما أدرك نوايا إسرائيل بإطالة أمد المفاوضات إلى عقود طويلة، يجرى خلالها نهب الأرض، وضمها، عمل على اطلاق الانتفاضة عام 2000. لكن إسرائيل قمعت الانتفاضة، وفرضت المزيد من الحقائق الجديدة على الأرض، خاصة جدار الفصل، الذى يضم حوالى عشرة فى المائة من الضفة الغربية، ويعزل القدس بصورة تامة عن باقى الضفة الغربية. ●●● وجرت خلال السنوات العشرين الماضية محاولات للتوصل إلى اتفاق نهائى، لكنها فشلت بسبب عدم وجود اتفاق فى المؤسسة السياسية الإسرائيلية عليها. وابتعدت فرص الحل السياسى كثيرا فى السنوات الأخيرة جراء التحول الذى شهده المجتمع الإسرائيلى نحو اليمين. ويرى كثير من السياسيين الفلسطينيين أن حل الدولتين لم يعد ممكنا أمام الحقائق الإسرائيلية المتسارعة على الأرض. وتتعمق المستوطنات الإسرائيلية بصورة يومية فى قلب الضفة الغربية. وباتت جميع المدن والقرى الفلسطينية اليوم محاطة بالمستوطنات. فمدينة رام الله، مثلا، العاصمة الإدارية للسلطة، محاطة بالمستوطنات والمعسكرات من الشرق، والجنوب، والشمال الشرقى، والجنوب الغربى. ولا تبعد بيوت مستوطنة «بيت إيل» عن بيت الرئيس محمود عباس سوى كيلومتر واحد. ووجد الفلسطينيون انفسهم بعد عشرين عاما على اتفاق اوسلو أمام خيارين: الاول، هو البقاء فى حكم ذاتى موسع على السكان الذين يعيشون فى حوالى 40 فى المائة من مساحة الضفة الغربية، دون اتفاق مع إسرائيل. والثانى، الاتفاق مع اسرائيل على اقامة كيان سياسى على ما بين 50 60 فى المائة من مساحة الضفة الغربية، دون القدس، ضمن اتفاق سياسى انتقالى جديد. وفتح انسداد افق الحل السياسى نقاشا بين الفلسطينيين حول اتباع مقاربة سياسية مختلفة تقوم على مطالبة إسرائيل الاعتراف بحقوق السكان الفلسطينيين ضمن الدولة العبرية، وهو ما يعرف باسم «دولة واحدة لشعبين». لكن إسرائيل الحريصة على الطابع اليهودى لها ترفض بشدة هذا الخيار، وتتمسك بالحكم الذاتى للفلسطينيين، معتبرة اياهم أقلية قومية على ما تسميه «أرض إسرائيل».