كليات جامعة القاهرة تواصل تنظيم اللقاءات التعريفية مع الطلاب الجدد    التنمية المحلية تعلن استضافة مدينة الإسكندرية ليوم المدن العالمي 31 أكتوبر    سفير كوريا الجنوبية بالقاهرة: مصر وجهة استثمارية واعدة لرؤوس أموال رواد الأعمال الكوريين    إطلاق دفعة صاروخية من جنوب لبنان باتجاه إصبع الجليل    مندوب إسرائيل بالأمم المتحدة: سنرد بشكل محسوب على إيران.. ولا نريد حربا شاملة    ميسي يقود إنتر ميامي للتتويج بلقب درع المشجعين    تفاصيل مناظرة النيابة لجثة شخص سقط من الطابق السابع بعين شمس    درجات الحرارة اليوم الخميس 03 - 10- 2024 في مصر    حريق بشركة خاصة فى سوهاج والحماية المدنية تدفع بسيارتي إطفاء للسيطرة عليه    بعد إلغاء اشتراطات البناء.. هل تتراجع أسعار الحديد قريبًا؟    سبب مفاجئ وراء استبعاد حسام حسن ل إمام عاشور من قائمة منتخب مصر.. عاجل    موعد مباراة الأهلي وبرشلونة في كأس العالم للأندية لكرة اليد والقنوات الناقلة    زيادة 80 جنيها.. تعرف على سعر الذهب اليوم الخميس 3 أكتوبر    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الخميس 3 أكتوبر 2024    حزب الله يعلن استهداف تجمع لقوات إسرائيلية في موقع حانيتا بقذائف المدفعية    الفنانة منى جبر تعلن اعتزالها التمثيل نهائياً    تفاصيل حفل افتتاح مهرجان الموسيقى العربية في دورته ال32    إسعاد يونس تكشف موعد اعتزالها التمثيل عبر its show time    موعد مباراة مرموش مع فرانكفورت أمام بشكتاش اليوم في الدوري الأوروبي والقناة الناقلة    غداً.. قطع المياه لمدة 5 ساعات عن عدد من مناطق القاهرة    حركة تنقلات محدودة في «تموين كفر الشيخ»    هجوم جديد ضد أحمد بلال بعد سخريته من الزمالك قبل السوبر الإفريقي    الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ ضربات دقيقة على الضاحية الجنوبية لبيروت    إعلام لبناني: 17 غارة للاحتلال الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية خلال الساعات الماضية    حكم الشرع في أخذ مال الزوج دون علمه.. الإفتاء توضح    «البلدي.. لا يوكل» في الذهب| خبراء: حان وقت الشراء وخاصة السبائك    قوتها تصل ل265 حصان... شاهد سكودا سوبيرب الجديدة    نجيب ساويرس: الواحد مبقاش عارف مين بيمثل ومين حقيقي    رامي صبري يتراجع عن إلغاء حفل احدى الجامعات الخاصة.. ويوجه رسالة تحذير    "فوز ليفربول وهزيمة الريال".. نتائج مباريات أمس في دوري أبطال أوروبا    بشرى سارة.. علاج امرأة مصابة بالسكري من النوع الأول    منها تقليل خطر الزهايمر.. 7 فوائد لشرب القهوة    ما هي الصدقة الجارية والغير جارية.. مركز الأزهر يوضح    كيفية إخراج زكاة التجارة.. على المال كله أم الأرباح فقط؟    نجوم 21 فرقة تضىء مهرجان «الإسماعيلية للفنون الشعبية»    هانئ مباشر يكتب: غربان الحروب    أمل جديد لمرضى القلب.. تصوير مقطعي لتقييم تدفق الدم    "قومي المرأة" بالمنيا يناقش تفعيل مبادرة "بداية" لتعزيز التنمية البشرية وتمكين المرأة    محافظ الفيوم يُكرّم الحاصلين على كأس العالم لكرة اليد للكراسي المتحركة    حقيقة مقتل النائب أمين شري في الغارة الإسرائيلية على بيروت    الانقلاب يدعم المقاومة الفلسطينية بتجديد حبس 153 شاباً بتظاهرات نصرة غزة ً وحبس مخفياً قسراً    حرب أكتوبر.. اكتئاب قائد المظلات الإسرائيلي بعد فقد جنوده أمام كتيبة «16 مشاة»    حظك اليوم| برج الأسد 3 أكتوبر.. «يوما مليئ بالإنجاز والفرح»    عبد العزيز مخيون يكشف تفاصيل مشاركته في الجزء الثاني من مسلسل جودر    ضبط بدال تمويني تصرف فى كمية من الزيت المدعم بكفر الشيخ    وزير الصحة الأسبق: هويتنا تعرضت للعبث.. ونحتاج لحفظ الذاكرة الوطنية    فوز مثير ل يوفنتوس على لايبزيج في دوري أبطال أوروبا    نشرة التوك شو| الزراعة تتصدى لارتفاع أسعار البيض والبطاطس.. وتأثر النفط والذهب بالضربات الإيرانية    تعدد الزوجات حرام.. أزهري يفجر مفاجأة    حدث ليلا| حقيقة زلزال المعادي.. وحقوق المنوفية توضح تفاصيل واقعة سب أستاذ للطلاب بألفاظ نابية    قتلت زوجها بمساعدة شقيقه.. الجنايات تستكمل محاكمة "شيطانة الصف" اليوم    حظك اليوم| برج الميزان الخميس 3 أكتوبر.. «فرصة لإعادة تقييم أهدافك وطموحاتك»    دمياط.. انطلاق فعاليات المبادرة الرئاسية بداية بقرية شرمساح    «احذر خطر الحريق».. خطأ شائع عند استخدام «الإير فراير» (تعرف عليه)    عمرو موسي والسفير العراقي بالقاهرة يبحثان القضايا العربية على الساحة الدولية    ضبط 3 أطنان لحوم حواوشي غير مطابقة للمواصفات في ثلاجة بدون ترخيص بالقليوبية    اغتيال صهر حسن نصر الله في غارة إسرائيلية على دمشق    أستون فيلا ينتزع فوزا صعبا من بايرن ميونخ في دوري الأبطال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى البحث عن المشترك
نشر في الشروق الجديد يوم 01 - 09 - 2013

كنت فى الطائرة صباح ذلك اليوم؛ الرابع عشر من أغسطس 2013؛ الذى كانت كل الشواهد تدل بوضوح «رغم أوهام الهتافات» أننا سائرون اليه.. ثم إلى ما بعده. ورغم أن القاعدة البصرية تقول إن الصورة قد تكون أوضح وأكثر تكاملا إذا نظرت إليها من بعيد، إلا أننى لم أكن أتصور أن المشهد الذى بدا يومها معقدا يمكن اختزاله، ولو إلى حين فى خبر واحد فقط. إلا أننى أحسب أن هذا ما كان. فما أن استقر بى المقام مساء ذلك اليوم فى الفندق «اللندنى» البعيد، حتى نعى لى الناعى أننى «شخصيا» فقدت اثنين كانا يعتبرانى، مجازا أبا لهما، بل وكثيرا ما التقيتهما معا. ولعلها ليست مفارقة أن أحدهما من «القوات الخاصة»، والثانى من الذين كانوا فى «رابعة».. ولعل فى هذا «مع الإقرار بأن لله الأمر كله؛ من قبلُ ومن بعد»، تلخيصٌ لما كنا قد وصلنا اليه. أو بالأحرى لما أوصلونا اليه.. كما يبقى فى حقيقة أن الدماء ربما قد اختلطت، بعد أن امتزجت قَطْعا بتراب «وطن واحد» أهمية «البحث عن المشترك»..
هكذا أنهيت مقالى الأحد الفائت، ويهذا أبدأه هذا الأحد.
●●●
«فى البحث عن المشترك» كان عنوانا اخترته لمقال تأسيسى مهم لواحد يعرف لهذا الوطن قْدرَه وقَدَره؛ «طارق البشرى» نشرته له «وجهات نظر» فى فبراير 2009 ، وقد لا يحتاج المرء أن يقرأ المقال، على أهميته الفكرية ليكتشف كم هى المساحة المشتركة بين أبناء وطن انصهر فى بوتقة حضارة تمتد بتاريخه المركب آلاف السنين. إذ يكفيه أن ينظر الى تلك اللحظة العبقرية التى ردد فيها المصريون جميعهم؛ مسلمون ومسيحيون، أغنياء وفقراء، شيوخ وشباب، رجال ونساء، محجبات وحاسرات الرأس… دعاء القنوت خلف الشيخ محمد جبريل فى ميدان التحرير ظهيرة الحادى عشر من يناير 2011 حين كان المصريون «يدًا واحدة» قبل أن تفرقهم أوهام «مشروع» من أحاط نفسه بمرايا لا يرى فيها إلا نفسه. وثقافة «آرية» تمايز نفسها عن «الأغيار».
وسط حالة «اللا يقين» الوبائية التى تجتاح مجتمعا غرق فى بحر من الأوهام والمبالغات والادعاءات والأكاذيب.. والدماء، يقول الاختصاصيون أن الناس يلوذون عادة بأحد الجانبين، يتمترس كل منهم فى أيهما داخل «صندوق مغلق» من أفكار مسبقة يجد فيها راحته النفسية واطمئنانه «الخادع أحيانا» أنه على صواب. شىء من هذا حدث فى مصر التى تقف الآن فى «مربعين» يصم كلا منهما الآخر، دون تحرير للمصطلحات وتدقيق للمعانى، إما بالإرهاب أو بالإنقلاب.
ولأن المشهد فى حقيقته «وخطورته» أكثر اتساعا من واقعة هنا أو حدث هناك، وأكثر عمقاً مما قد يبدو للكثيرين، وأكثر تعقيدا من قواميس جامدة للعلوم السياسية، يظل النقاش حول «تفاصيل» ما جرى مضيعة للوقت واستنزافًا للوطن.
لكل طرف روايته الخاصة «المتحيزة بالضرورة»، ووسط حال هكذا يحتاج الوطن الى من يرحمه من التيه فى بحور التفاصيل ومن ضياع الوقت والجهد فى «التحقيق» فى أوراق قضية امتلأت بشهادات الزور والروايات المتناقضة.
تحت العنوانين الكبيرين «إرهاب / انقلاب» يبدو وكأن الطرفين مختلفان حول «كل» شىء .. وذلك صحيح فقط لمن لا يريد أن يفكر خارج صندوقه المغلق. فإذا كان «المشترك» تعريفا هو ما يتفق عليه الجميع (بعد أن نطرح ما اختلفوا عليه جانبا) ما رأيكم إذن فى أن نضع جانبا هذه الاختلافات غير القابلة واقعيا للاتفاق حولها. ونمضى للأمام بما يمكن أن يكون «إن أردنا الحفاظ على هذا الوطن» محلا لاتفاقنا جميعًا. أو بالأحرى ما لا يمكن أن يختلف عليه اثنان، وأظنه كثير، أو أتمنى ذلك. ويمكن أن نراه بداية لا بد وأن يندرج فى إطار محددات ثلاثة أشرت اليها هنا مرارا وتكرارا ”وقبل أن تسيل الدماء”:
1 - أن الوطن قبل كل ما نقول أننا نريده لهذا الوطن. وأن أمن مصر القومى ووحدة أراضيها فوق كل اعتبار. وأن «تماسك جيشها» وقوته هما الضمان الأول لأمن مصر وشعبها. وعلى الجميع مصريين «وأشقاء» أن يدرك حقيقة أن جيش مصر هو الجيش «العربى» الوحيد الباقى فى المنطقة، بعد أن جرى ما جرى فى العراق وليبيا وسوريا.
2 - أن عثرات الطريق وارتباكاته «وخطاياه» لا ينبغى أن تثنينا عن المضى قدما على طريق الديموقراطية «الحقيقية» لنبنى دولة حديثة معاصرة «لجميع أبنائها بلا استثناء» تليق بمصر فى عالم اليوم. ولا تسمح بالعودة الى نظام فاسد مستبد خرج الناس يطالبون بإسقاطه فى 25 يناير. (راجع «الشروق» 28 يوليو 2013).
3 - أن الاشتراطات الخمسة المتعارف عليها للتحول الديموقراطى Transitional Justice والتى غابت «أو غُيبت» عن المرحلة الانتقالية الطويلة (عامان ونصف حتى الآن) ينبغى أن تعود لمكانها الطبيعي؛ فهما وإدراكا وسياسات، وإصلاحًا للمؤسسات لا «هدمًا» لها. أملا فى أن نلحق بما فاتنا، وحتى لا نبكى مرة أخرى على اللبن المسكوب (راجع «الشروق»: 24 فبراير 2013).
إذا اتفقنا على ذلك. وأظن أحدًا ليس بوسعه أن يجاهر «صراحة» بغير ذلك يمكن لنا أن نقرأ «بصدر يتسع، وعقل يتفهم» ما طُرح من مبادرات وبيانات بعضها رسمى مثل مبادرة زياد بهاء الدين التى تبنتها الحكومة المؤقتة، وبعضها غير رسمى حاوله الكثيرون من المهمومين بهذا الوطن. منه ما نشر، ومنه ما ينتظر. ولعل المساحة هنا لن تتسع لتفصيل كل ما لا بد وأن يكون ملتزما بإطار هذه المحددات الثلاث، وإن كنت قد أشرت الى بعض منها هنا (الشروق 28 يوليو 2013)، كما حاولت بلا فائدة استدعاءها بطرح «أسئلة غائبة» لم يجب عنها أحد، وأخرى كان مصيرها كذلك.
فقط أضيف أنه حتى وإن كان حقيقيا أن لا عاقل أو منصف بوسعه أن يدافع عن ما فعله الإخوان ببسطائهم وجماعتهم والوطن. كما لا عاقل أو منصف بوسعه أن يغض الطرف عن جرائم ترتكب يوميا بحق جنود بسطاء «لا وزر لهم» فى سيناء وفى غيرها، إلا أن لا أحد أيضا بوسعه أن يغض الطرف عن ما وصلت اليه تحقيقات النيابة بشأن ما حدث فى سيارة الترحيلات، أو عن «عداد للضحايا» من الجانبين تتراقص أرقامه أمامنا كل يوم وساعة. كما لا أحد بوسعه أن يتقبل كل هذا التجاوز الإعلامى لحقوق الانسان، وكل تلك الجرائم «المهنية» التى نراها على شاشات التليفزيون. ولأن الجريمة لا تبرر الجريمة، فلست مع الذين يقولون بأن جرائم منصة رابعة، وهى كانت أكثر من أن تحصى؛ تحريضًا وكذبًا وخداعًا للمحتشدين بتسويق أوهام دحضها الواقع، تبرر خطابًا إعلاميا «مجَرَّمَا» بالتعريف. وعلينا جميعًا أن نعود سريعًا الى ما ينبغى أن يكون عليه الإعلام؛ التزاما بمهنية أخذها الهوى بعيدًا بعد أن سحقتها سنابك التطرف والتطرف المضاد. باختصار، كما أن صيحات «التكفير» مرفوضة، كذلك صيحات «التطهير» أو الإقصاء. وكما أن الحفاظ على الوطن يتطلب إدانة «ومحاسبة» كل ما كان ومازال من محاولات هدمه أو حرقه، فإن الحفاظ على مستقبل هذا الوطن يتطلب أيضا كل ما من شأنه الحفاظ على تماسكه ولحمته الوطنية، فضلا عن حرص لا بد منه على «ديمقراطية المستقبل»، وأننا وإن اضطررنا الى إجراءات استثنائية استوجبتها «مؤقتًا» أوضاع استثنائية. فالأطباء منا يعرفون أن محاولة علاج المرض بجرعة «زائدة» من الدواء قد تودى بحياة المريض. فاقتصدوا يرحمكم الله.
●●●
وبعد..
فرغم حقيقة ما تعلمناه من أن «الأثر يدل على المسير»، إلا أننا واقعيًا للأسف قد لا نعترف، أو نتفق أبدا حول من الذى “تسبب” فى أن نصل الى تلك النقطة الحرجة التى وصلنا اليها. ولكنى، رغم ذلك أدعو الله أن يكون هناك بقية من عقل تسمح بأن نتفق على خطورتها وعلى ضرورة أن نخرج منها.
ثم.. قد يكون من الحقيقى أن بين المصريين من تاه بين حقائق ومبالغات وهواجس وأكاذيب من يخيرونهم «قسرًا وافتراءً» بين ما يصفونهما بفاشيتين؛ دينية وبوليسية، يخوفهم هؤلاء من هذه، ويخوفهم الآخرون من تلك. وكأن لا بديل آخر. أو وكأنهم لا يستحقون بديلا آخر. إلا أننى متفائلا أتذكر ما قاله لى مواطن بسيط أشرت الى مقولته هنا قبل أسابيع. إذ ربما لا يعرف المصريون تحديدا ماذا يريدون. ولكنهم فى الأغلب يعرفون بوضوح «ما لا يريدون». فهم ببساطة، كما أوجز لي: لا يريدون مبارك «وجماعته» ولا مرسى «وجماعته» كما لا يريدون دولة «بوليسية» تتنكر لما عرفه العالم الحديث من حريات وحقوق إنسان.
أحلام المصريين بسيطة جدا. وممكنة جدًا.
أن يتركهم كل هؤلاء وهؤلاء. يستمعون الى إذاعة القرآن الكريم فى الصباح.. والى إذاعة أم كلثوم عند الخامسة بعد الظهر. ويربوا أبناءهم فى مجتمع يحكمه «العدل والحق والمساواة”. هل تريدون أن تعرفوا كم هى مساحة المشترك بيننا؟ إهدأوا قليلا.. واسألوا بسطاءكم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.