لو خرج الرئيس السورى بشار الأسد الآن وخاطب شعبة قائلا: «من أجل سوريا ووحدة أراضيها والحفاظ على ما تبقى من شعبها أعلن استقالتى»، فسوف ينتهى الجزء الأكبر من المأساة السورية. بشار قاتل ونظامه الدموى هو المسئول الرئيسى عن الكارثة غير المسبوقة التى حلت بسوريا، لكن معظم المعارضة صارت دموية مثله، عندما تخلت عن سلميتها أو أجبرت على ذلك وبدأت تنفذ أجندات إقليمية ودولية لا تريد أن ترى سوريا موحدة. الآن الجدل لا ينبغى أن يستمر بشأن من هو المسئول عن المأساة، نفعل ذلك منذ اندلاع الأحداث فى مارس 2011. الآن هناك شعب تتم إبادته بطريقة منظمة، ووطن معرض للضياع فعلا وليس مجازا. كتبت فى هذا المكان أكثر من مرة منتقدا «الجزار السورى فى دمشق»، لكن تطورات الأحداث كشفت ان هناك جزارين آخرين فى المعارضة يحاربون النظام ليس من أجل التحرر ولكن من أجل فرض ايديولوجية ظلامية وتقسيم سوريا لمصلحة غربية إسرائيلية. المأساة ان المواطنين العاديين هم الذين يدفعون ثمن جنون النظام وجزء كبير من المعارضة. مجنون أو معتوه من يصدق أن أمريكا تريد انقاذ الشعب السورى من استبداد الأسد، لأنها هى نفسها التى حاصرت الشعب العراقى ثم قتلته وانتهت ديمقراطيتها بعد عشر سنوات الى زيادة نفوذ إيران وفك الجيش ارضاء لإسرائيل وتقسيم البلد فعليا بين سنة وشيعة وأكراد. فى كل مكان تدخلت فيه امريكا لإرساء نموذجها الديمقراطى لم تترك إلا الخراب والطغاة الصغار، فعلت ذلك فى أفغانستان والسودان وباكستان وليبيا.. فما الذى يجعلنا نراهن على تدخلها فى سوريا اليوم؟!. لابد من حل عاجل للمأساة السورية، ولو ان بشار لديه ذرة من وطنية وخوف على بلده كما يزعم لبحث عن حل سياسى حقيقى، أو لذهب إلى «جنيف 2» وسلم السلطة لتحالف وطنى حقيقى يكون هدفه الأساسى الحفاظ على وحدة سوريا. بشار لم يقرأ التاريخ ولو انه تأمل ما حدث فى المنطقة مؤخرا لربما اتخذ قرارات مختلفة، لو ان صدام ترك السلطة لربما ما كان الغزو الأمريكى للعراق عام 2003، ولو ان القذافى استجاب لشعبه طوال أربعين عاما لجنب بلاده الكثير. فى هذه النقطة تحديدا يكون حسنى مبارك تصرف بأفضل صورة حينما تخلى عن السلطة وكذلك زين العابدين بن على، وإلى حد ما على عبدالله صالح فى اليمن رغم تأخره فى اتخاذ القرار. المؤامرة الغربية والإقليمية ضد سوريا والمنطقة لا تحتاج إلى لبيب كى يدركها، لكنها ما كان يمكن لها ان تكون لولا بطش ودموية النظام السورى، وما كان يمكن لها ان تكتمل لو اصرار الطرفين على إعادة سوريا مئات السنين إلى الوراء. أمام بشار الأسد فرصة تاريخية كى يخفف من آثار دماء شعبه، عليه فقط أن يرحل عن الحكم، ويتولى شخص من نظامه، لم تتلوث يداه بدماء شعبه السلطة، وبعدها يمكن وقف إطلاق النار والبحث فى صيغة للحكم أو تقاسم السلطة المؤقت تقود لصيغة خلاقة تحافظ على استقرار سوريا. من مصلحتنا كعرب ان نبذل كل الجهود لوقف المحرقة المقبلة، خصوصا ان تقسيم سوريا أو تسليمها للظلاميين سيكون أكبر هدية يمكن تقديمها لكل من لا يريد لمصر خيرا والمنطقة.