أبنية متفحمة وأكوام من الأوراق المتناثرة وأدخنة متصاعدة تغطى سماء مدينة بنى سويف التى خلت شوارعها من السكان، وأصبحت أشبه بمدينة أشباح.. منشآت حيوية تصدعت، وأصبح بعضها حطاما على الأرض بعد تعرضها لقصف الإخوان وهم يثأرون من الشعب بعد فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة. اقتحم الإخوان مبنى المحافظة، والأمن الوطنى، وقسم الشرطة ومدرسة الراهبات، التى تحتوى على دير بداخلها والمدرسة العسكرية. وبنى سويف من أكثر المحافظات التى حصل فيها الدكتور محمد مرسى على أصوات فى انتخابات رئاسة الجمهورية، من قبل عام وذلك نظرا لكثرة أعداد الإخوان بها. شهدت المحافظة منذ فض الاعتصامات يوم الأربعاء الماضى حالة من حرب الشوارع بين الشرطة والإخوان تم على إثرها إحراق جميع المبانى الحكومية، وكأنهم يعلنون وفاة المحافظة حيث تم حرق كل المستندات الخاصة بالضرائب والاستثمار والزراعة، وجميع الملفات الخاصة بالعاملين، وكل ما يخص المحافظة، بالإضافة إلى مستندات الأمن الوطنى الذى التهمت ألسنة النيران كل جدرانه وتم نهبه من قبل بلطجية. تمتلئ المدينة بسيارات الشرطة المحترقة، ومازالت رائحة دخان الحريق والغاز المسيل للدموع عالقة بمبنى ديوان عام المحافظة، رغم أن الحريق مر عليه نحو أسبوع الآن. مبنى متهالك لا يحتوى إلا على الجدران التى سقطت معظمها وأوراق ومستندات عدة ملقاة على الأرض.. سمعت صوت امرأة تصرخ وتبكى بصوت عالٍ «الإخوان دمروا المبنى وحرقوا كل المستندات الخاصة بالمحافظة»... هكذا بدأت أم كريم، إحدى العاملات بالمحافظة، وهى تمسك فى يدها عصا كبيرة تتوعد أى إخوانى يقترب من المبنى. أم كريم التى كانت شاهدة عيان على اقتحام الإخوان للمبنى، قالت: فى التاسعة صباحا فوجنا بغياب معظم الموظفين الذين ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين والعدد القليل منهم المتواجد قام بتسهيل دخول أنصار المعزول إلى المبنى من باب الجراج الخلفى حتى يتمكنوا من ضرب الشرطة والاحتماء بالمبنى. بدأ الاقتحام فى التاسعة والنصف عندما فتح العاملون بالمحافظة من الإخوان الأبواب للمسيرات التى كانت تجوب شوارع المدينة بهتافات مناهضة للجيش ويتوعدون للشرطة بإعطائهم درسا قاسيا. وأضافت: الإخوان بدأوا بحرق المبنى من الخلف حيث تجمعوا أمام مسجد عمر بن عبد العزيز بعد فض الشرطة لاعتصام رابعة العدوية، وبعد إبلاغ الشرطة قامت قوات أمن مركزى وسيارتان مصفحتان بالتواجد أمام المحافظة، وأطلق الإخوان الرصاص عليها من أعلى سطح مركز ثقافة بنى سويف، ثم أشعلوا النيران فى سيارات الإطفاء حتى لا تتمكن من إطفاء المبنى، وفوجئت الشرطة بمحاصرة مؤيدى المعزول لها من شارع الكورنيش وخلف المحافظة، ما أدى لقفز بعض الجنود فى النيل خلف المبنى للهروب من طلقات الرصاص. وأكدت أم كريم أنها رأت العساكر وهم يقفزون فى النيل والإخوان يعتلون مبنى المحافظة من الناحية الأخرى، ويطلقون الرصاص عليهم، بعد نفاد ذخيرة الشرطة، التى اضطرت للانسحاب، فقام الإخوان باقتحام المبنى من الجزء الأمامى وإضرام النار فى كل محتوياته بداية من حجرة المستشار العسكرى حتى الطوابق العليا، حتى وصلت ألسنة اللهب إلى السماء. واضطر معظم المسيحيين الذين تقع عقاراتهم بجوار المحافظة إلى الهروب خوفا من اشتعال النيران فى منازلهم، وبعضهم تخفى بوضع حجاب على رأسه حتى لا يتعرف الإخوان عليهم أثناء العمليات. وقال أحمد عيسى من العاملين بالمحافظة إنه كان متواجدا فى أثناء الاقتحام وقفز فى النيل عندما رأى أعدادا كبيرة تقتحم المبنى، ومعها أسلحة ومولوتوف. ويحكى أنه رأى امرأة تخبئ فى الإسدال التى كانت ترتديه رشاشا وقامت بإعطائه لأحد المقتحمين قائلة له «اضرب فيهم لازم تموتهم الكفرة».. والمقصود بذلك هم العساكر حسب شهادته. بينما قالت لمياء محمود، مسئولة الاستثمار بديوان المحافظة إن الإخوان اصطحبوا البلطجية معهم لمساعدتهم فى إحراق المبنى وسرقته وكسر الخزينة، وسرقة ما بها من أموال ومستندات مهمة تخص المحافظة، مؤكدة أن هناك 7 سيارات خاصة بالمحافظة تم إحراقها وسيارات شرطة وسيارتان خاصتان بالمطافى وثلاث سيارات مصفحة للشرطة. وقال أحد أعضاء جماعة الإخوان الذى تواجد بالديوان إنه تم اختطاف جندى جيش بالمدرعة عندما تركه زملاؤه وقفزوا فى النيل عندما اقتحم البلطجية المحافظة، وليس الاخوان، موضحا أنهم اختطفوه بالمدرعة وتم تعذيبه على يد البلطجية لمدة يوم ولم يتم التحقيق فى الواقعة لأن الداخلية تأكدت أن الإخوان ليست لها علاقة بعملية الخطف. وعلى بعد أمتار ليست بقليلة شوارع مغلقة يقف أمامها جنود القوات المسلحة بالدبابات وممنوع تواجد أى شخص بالقرب منها وذلك لمحاولة أنصار المعزول لاقتحام الاستاد، الذى تجمع به ضباط وجنود القوات المسلحة، ومبنى الأمن الوطنى الذى أحرقه الإخوان يوم الأربعاء الماضى. ورغم أعمال الحرق والتخريب إلا أن مبنى «سيتى ماركت» وهو هايبر كبير ملك لنائب المرشد الإخوانى، خيرت الشاطر، لم يصبه أذى، وأكد أحد موظفى الأمن بالهايبر أن الإخوان اقتحموا مبنى الامن الوطنى فى الحادية عشرة ولم يتعرض أى شخص للهايبر لأنهم يعلمون أنه ملك للشاطر وهذا دليل على أن الإخوان من أشعلوا النيران بالمبنى حسب قوله. وأكد العامل الذى رفض ذكر اسمه أن الإخوان اقتحموا وكان معهم بلطجية معروفون بالمنطقة وهو ما ساعد على سرقة محتويات مبنى الأمن الوطنى حتى الأبواب تم خلعها ولمبات الكهرباء، مشيرا إلى أن الإخوان أحرقوا سيارتين تابعتين للأمن الوطنى وأحرقوا سيارة المطافئ. وأضاف محمود فايز، أحد سائقى التاكسى بالمنطقة أنه رأى اقتحام مسيرات الإخوان للمدرسة العسكرية المجاورة لمبنى الأمن الوطنى وفى جولة ل«الشروق» أمام مبنى الأمن الوطنى والمدرسة العسكرية قال فاروق عطية، مدير المدرسة، إنه لا يعلم شيئا عن الأشخاص الذين نهبوا المدرسة، وأن الموظفين فوجئوا يوم الخميس بسرقة جميع محتويات المدرسة حتى الأبواب الخاصة بحجرات المدرسين تمت سرقتها. وأضافت صفية سليمان، مدير الشئون الإدارية بالمدرسة أنه تمت سرقة 22 ألف جنيه من خزينة المدرسة، وكل محتويات المدرسة حتى المرواح تم خلعها من الأسقف بالإضافة إلى أنه تمت سرقة 140 قطعة زى عسكر خاصة بالطلبة، وفوجئ الموظفون يوم السبت الماضى أن صبيا يقوم يبيع الملابس ب 5 جنيهات بعد أن حصل عليها فى الشارع بالقرب من المدرسة. وتحطنت مدرسة الراهبات بالكامل، وكانت تحتوى على مبنى آخر داخل المدرسة، وهى دير خاصة بالراهبات وفى مفارقة غريبة أنه أثناء تواجد محررة «الشروق» بالمدرسة لم تجد أى من العاملين بها، وعندما صعدت إلى الطابق الثانى فوجئت ب7 شباب يقومون بفك لمبات الكهرباء، وأحواض المياه فى دورات المياه. وأكد هؤلاء ل«الشروق» أنهم يبيعون كيلو النحاس والحديد ب 30 جنيها، وأنهم شباب ليست لهم علاقة بالإخوان، لكنهم يقومون ب «تنفيض المبانى من محتوياتها»، حسب تعبيرهم، ويقصدون سرقة أى شىء داخل المقار المحترقة، وكان معهم سيارة نصف نقل ينقلون فيها كل ما يحصلون عليه. وأضافت أنه تمت سرقة جميع محتويات الدير والمدرسة بالكامل، مشيرة إلى أن المدرسة مر عليها 115 عاما، وأنها أقدم مدرسة فى محافظة بنى سويف. وأنكر عبد المطلب يوسف، أحد أنصار المعزول ما يقوله الأقباط بأن الإخوان هم من حرقوا مبانيهم، متهما الكنيسة بأنها وراء حرق المدرسة والدير حتى تتم محاكمة الإخوان واتهامهم بالإرهاب، مؤكدا أنه فى نفس توقيت إشعال البلطجية النيران فى مدرسة الراهبات قام بلطجية آخرون بحرق مقر الحرية والعدالة الذى لم يبعد سوى 10 امتار عن الدير. وفى شارع بورسعيد الجهة المقابلة للدير تجمع الأهالى لمشاهدة سقوط المحكمة الابتدائية التى تم احراقها، وأكدت إحدى السيدات أن جزءا كبيرا من المحكمة تم هدمه ببلدوزر بعد حرق كل أركانها، مؤكدة أن المبنى أثرى من سنوات عدة وكان سقفه من الخشب، وهذا ما ساعد على اشتعاله وسقوطه. وأمام مبنى المحكمة يوجد أنصار المعزول فى محيط مسجد عمر بن عبد العزيز يخرجون فى مسيرات يضربون ويشعلون النيران فى أى شىء يقع فى طريقهم، وهو ما جعل المحافظة خالية من السكان خوفا من استخدامهم العنف بالأسلحة مرة أخرى من الجيش. وعلى بعد 20 مترا من مدرسة الراهبات بشارع الرياض يقع قسم شرطة بنى سويف الذى تحول المشهد أمامه إلى ثكنة عسكرية لحمايته، وبجوار العساكر يقف بعض أهالى المنطقة لحمايتهم من أى تعدٍ آخر عليهم، بعد أن تم حرق مبنى القسم بالكامل. وقال بعض أفراد الشرطة الذين تواجدوا أثناء لحظة الاقتحام ل«الشروق»، إن عددا ليس بقليل منهم ذهب إلى مبنى المحافظة عندما علموا بخبر اقتحامه من قبل أنصار المعزول وبعد تحرك قوة الشرطة فوجئت باقتحام القسم وإلقاء المولوتوف عليه، وإشعال النار فى جميع سيارات الشرطة الواقفه امام القسم. وأكد المجند على صابر، أن قوات الشرطة التى كانت بداخل القسم انسحبت بعد نفاد الذخيرة والتهام النار للجزء الأسفل من القسم، مضيفا جاءت لنا تعليمات بالانسحاب بعد إصابة كل القوة وساعدنا بعض الأهالى على الخروج وبيننا جنديان متوفان. وقال أحد العاملين بالمطاعم القريبة من القسم أن العساكر كانوا يفرون فى الشوارع وهم ينزفون الدماء وملابسهم كلها ملطخة بدماء زملائهم الذين لقوا حتفهم على يد مسلحين كانوا مندسين داخل مسيرات الإخوان التى بدأت فى التاسعة صباحا يوم الأربعاء الماضى. وتوجهت «الشروق» إلى مدينة الواسطى التى تم اقتحام قسم شرطتها والاستيلاء على السلاح الموجود به وإضرام النيران فى سيارات الشرطة المتواجدة أمامه بالكامل، علاوة على تهريب السجناء من المركز. وشهدت المدينة حالة من الكر والفر بين البلطجية والإخوان ومعارضى مرسى وأطلقوا الرصاص من أعلى أسطح المنازل على أى شخص يحاول إنقاذ الشرطة، حسب شهادة بائعة فاكهة بجوار قسم الشرطة. وقالت البائعة «هناك نساء منتقبات طلبن منى عدم الجلوس لبيع الفاكهة هذا اليوم بالقرب من القسم عشان الضرب هيشتغل»، مضيفة وفى أثناء محاولتى أخذ بضاعتى وترك المكان بدأ اطلاق الرصاص من مجموعة كبيرة من الشباب ومعهم أعلام سوداء فجلست فى مدخل عمارة بالقرب من الحادث لمدة 5 ساعات وأنقذنى سكان العمارة.