إن كل من يعتقد أن الواقع الذى كان سائدا فى منطقة الشرق الأوسط لايزال قائما، إما أعمى أو منعزلا عن الواقع. فلم يعد الآن ثمة وجود لأنظمة وجيوش ودول سيادية كان بالإمكان التوصل إلى اتفاقيات معها، وحلت مكانها كيانات إقليمية هشة تسيطر عليها عصابات مسلحة وعنيفة تتحكم فيها تنظيمات مثل القاعدة والجهاد العالمى والسلفيين لا تتحلى بأى مسئولية ولا يمكن أن تتحلى بها فى المستقبل. والأنكى من ذلك أن كل المناطق التى انسحبت إسرائيل منها فى الماضى سرعان ما وقعت فى أيدى عصابات كهذه كما حدث فى كل من شبه جزيرة سيناء وجنوب لبنان وقطاع غزة. وبناء على ذلك، أعربت أوساط كثيرة فى إسرائيل أخيرا عن ارتياحها إلى عدم إقدام إسرائيل على الانسحاب من هضبة الجولان وإعادتها إلى سوريا التى تشهد حربا أهلية لا يعرف أحد متى تنتهى. وتدرك هذه الأوساط أن الانسحاب من مناطق يهودا والسامرة (الضفة الغربية) سيكون أخطر بكثير من الانسحاب من هضبة الجولان. والتوقعات السائدة لدى هذه الأوساط أن أى أرض تنسحب إسرائيل منها فى يهودا والسامرة ستقع في يد منظمات جهادية وسلفية من كل العالم العربى، وعندها سيصبح مطار بن جوريون الدولى ووسط إسرائيل عرضة لتهديدات ومخاطر كما هى الحال فى المناطق المحاذية لسيناء وقطاع غزة. ولن يكون أعضاء المنظمات الجهادية بحاجة إلى إطلاق أكثر من صاروخ واحد فى الشهر كى يتسببوا بشل الحياة فى وسط إسرائيل. وبناء على ذلك، لا يجوز التفكير الآن بأى انسحاب قط من مناطق يهودا والسامرة. ثمة من يدعى أن الهدوء السائد فى المناطق (المحتلة) منذ عدة أعوام نتيجة أداء الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية. وهذا ادعاء غير صحيح بتاتا، لأن هذا الهدوء أولا وقبل أى شىء راجع إلى سيطرة إسرائيل أمنيا على هذه المناطق. وللعلم فقط، فإن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تقوم كل ليلة باعتقال مطلوبين من المناطق (المحتلة) بشبهة التخطيط للقيام بعمليات «إرهابية». ويمكن افتراض أن هذه الاعتقالات هى التى تحول دون وقوع الكثير من العمليات «الإرهابية» فى تلك المناطق. على جميع المسئولين والرأى العام فى إسرائيل إدراك أن الربيع العربى غير وجه منطقة الشرق الأوسط برمتها. ولذا يجب الكف عن التمسك بجميع الأوهام المتعلقة بالتنازلات الإقليمية، وأن نرى أن هذه المنطقة باتت بالنسبة إلى إسرائيل أكثر عنفا وتطرفا مما كانت عليه فى السابق.
محلل سياسى «يديعوت أحرونوت» نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية