على متن رحلة جوية متجهة إلى بغداد جلس إلى جواري مسافر يدعى حيدر وينتمي إلى الطائفة الشيعية في العراق في أواخر الأربعينيات من عمره. تبادلنا الحديث خلال الرحلة، وقال لي حيدر، الذى قضى أعواما في بريطانيا، إنه ذاهب إلى العراق لرؤية أسرته. مررنا عبر مكتب الجوازات إلى صالة استقبال المسافرين حيث كان شقيقه في انتظاره، وسأله حيدر عن شقيقه الأصغر قائلا "أين عليّ؟" بعدها انفجر شقيقه بالبكاء، وقال "لقد قتل في تفجير سيارة ملغومة الأسبوع الماضي ولم نخبرك حتى تصل إلينا". تركت الاثنين وهما يتعانقان حزنا. يبدو أن العراق يتجه نحو حرب أهلية من جديد، فلم يكن علي سوى واحد من بين ألف عراقي قتلوا في شهر يوليو، ما يجعله أسوأ الشهور من حيث سقوط ضحايا خلال سنوات، فضلا عن سقوط 4000 آلاف شخص هذا العام في سلسلة أعمال عنف. ويعلن تنظيم دولة العراق الإسلامية السني المتشدد، وهو جناح القاعدة في العراق، المسؤولية عن تنفيذ معظم الهجمات التي تستهدف الأحياء الشيعية في شتى ارجاء العراق. ذهبت إلى بعض هذه المناطق للتحدث مع بعض المواطنين. غليان في المنطقة ولا ينحي الشيعة باللائمة على عموم الطائفة السنية فيما يتعلق بما يحدث. وقالت سيدة تدعى أم زينب إن العراقيين لا ينبغي لهم التصرف بطريقة تخدم أهداف القاعدة الرامية إلى التحريض على إذكاء موجة من العنف الطائفي مثل التي شهدها البلد عامي 2006 و 2007. أضطررت إلى عبور الكثير من نقاط التفتيش الأمنية في سبيل الوصول إلى وسط العاصمة العراقية بغداد. كان الجنود ورجال الشرطة في كل مكان، فالعراق لديه نحو مليون عنصر أمن وعلى الرغم من ذلك فهو مازال يعاني من عدم السيطرة على وضعه الأمني. والشيعة، الذين عانوا لفترة طويلة من ممارسات قمعية في عهد نظام حكم صدام حسين العلماني، ولكن بهيمنة سنية، يحكمون البلد الآن ويسيطرون على قوات الأمن والجيش. على الرغم من وجود نحو مليون عنصر أمن في العراق، ما زال الوضع الأمني مترديا. سألت المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد سعد معن لماذا أخفقت الحكومة في توفير الأمن على الرغم من جميع ما لديها من موارد متاحة. أجاب قائلا "يتعين عليك التفكير في نطاق التحديات الأمنية التي تواجهنا، ليس في العراق فحسب، بل في عموم منطقة الشرق الأوسط التي تغلي." وأضاف "ربما تكون أعدادنا كبيرة لكن العراق بلد كبير، ونحن ننهض بوظيفتنا ونتعقب الإرهابيين ونحيلهم إلى العدالة". غير أن جهود الأمن التي تبذلها الحكومة تعرضت لضربة قاسمة في الشهر الماضي عندما شن متشددون مسلحون هجوما استهدف أكبر سجون العراق، وهو سجن أبو غريب، حيث أعلن تنظيم القاعدة المسؤولية عن تنفيذ هذا الهجوم. إذ استطاع عشرات المقاتلين اقتحام السجن المشدد أمنيا وأطلقوا سراح 500 سجين من بينهم الكثير من الأعضاء البارزين في التنظيم. استغلال الشكاوى شهدت الآونة الأخيرة سلسلة من التفجيرات التي استهدفت مناطق يغلب على سكانها السنّة، ولم يعلن أحد المسؤولية عن تنفيذ مثل هذه الهجمات. غير أن السنّة يتهمون الحكومة التي يتزعمها رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي بغض الطرف عن هذه الأنشطة التي ينهض بها النشطاء الشيعة، إن لم تكن تدعمها. وينظم السنّة على مدار أشهر احتجاجات ضد المالكي، حيث يتهمونه بالتمييز ضدهم. لم أستطع الذهاب إلى غرب العراق، معقل السنّة، نظرا لمنع الحكومة ذهاب الصحفيين لاسيما اولئك الذين ينتمون إلى وسائل الإعلام الدولية. وذهبت بدلا من ذلك إلى حي الأعظمية السنّي في العاصمة بغداد وقال لي الشيخ مصطفى البياتي، وهو رجل دين سني وزعيم احتجاج، إن التظاهرات ليست بدافع طائفي. وأضاف "لم ننهض لمواجهة الشيعة، نحن نعيش معهم منذ قرون، نحن نقف أمام الحكومة التي زجت برجالنا في السجون بمنتهى الأجحاف وانتهكت حقوق الإنسان. هذا ينبغي وقفه". ينظم السنّة على مدار أشهر احتجاجات ضد المالكي، حيث يتهمونه بالتمييز ضدهم وقال "إما أن نحيا بكرامة أو نموت بكرامة". منذ فترة ليست ببعيدة انقلب المجتمع السنّي ضد تنظيم القاعدة، واليوم تسعى الجماعة المتطرفة إلى استغلال الشكاوى والتظلمات الراهنة. لقد أصبح الكثير من المناطق السنية خلال ذروة أعمال العنف الطائفي مناطق محظور على الشيعة دخولها والعكس صحيح أيضا. ثم تحسنت الأوضاع وأصبحت أحياء كثيرة تضم مزيجا من الطوائف، غير أن المواطنين يعربون عن قلقهم حيال مستقبل هذا البلد الذي أصبح منعدم الاستقرار منذ فترة طويلة. ينتابك الشعور، عندما تتحدث إلى المواطنين، برغبتهم في العيش معا، فهم لا يزالون يعتقدون أن كيان العراق ينبغي أن يبطل الطائفية. وفي طريق عودتي إلى المطار قال لي سائق سيارة أجرة، وهو شاب سنّي في الثلاثين من عمره، إنه يحلم بمغادرة العراق. وقال "العراق بلد غني، لكننا لا نشعر بذلك. أريد السفر كي أعيش في مكان أفضل، في أوروبا أو أمريكا أو أي مكان أخر." ثم وضع قرصا مدمجا في مشغل الأقراص الخاص بسيارته وبدأ الاستماع لأغنيات ملؤها الشجن والحزن، وعندما وصلنا إلى المطار ظل عالقا ببصره طويلا يشاهد إحدى الطائرات وهي تقلع من المطار مغادرة العراق وقال "السعادة مفقودة في العراق، لم أشعر بها قط".