مع إعلان التلفزيون الرسمي الإيراني فوز رجل الدين حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، خرج مئات الآلاف محتفلين في شوارع إيران. وكان البعض من أولئك يحتفلون بانتهاء الفترة الرئاسية لسلفه محمود أحمدي نجاد، وخرجوا يهتفون: "وداعًا أحمدي!" فالعديد من الإيرانيين يرون أن أحمدي نجاد الذي جرى انتخابه مرتين في انتخابات مثيرة للجدل كان سببا في توجيه إيران نحو الدمار الاقتصادي والصدام مع العالم الخارجي. وربح روحاني تفويضا يستحق الاعتبار، ليقدم للإيرانيين وعدا بإبعاد إيران عن حافة الهاوية من خلال العمل على تخليصها من العقوبات الدولية المفروضة عليها وإنهاء حالة التضخم الآخذة في الارتفاع. فهل سيتمكن من ذلك؟ ونعرض في هذا التقرير أهم التحديات التي سيكون على روحاني مواجهتها بعد توليه ذلك المنصب.
المعتقلون السياسيون
لا يزال المعارض البارز مير حسين موسوي رهن الإقامة الجبرية. على الرغم من أن الإيرانيين يواجهون ضغوطا اقتصادية قاسية من ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات البطالة، إلا أن المطلب المباشر الذي يطالب به العديد من الإيرانيين الرئيس الجديد الآن يتمثل في إطلاق سراح المعتقلين السياسيين. وكان ذلك جليا في الشعارات التي خرج بها المحتفلون إلى الشوارع فور إعلان فوز روحاني في الانتخابات، كما كان ذلك مطلبا واضحا أيضا في المسيرات التي خرجت أثناء حملته الانتخابية قبل ذلك. وطبقا لتحقيق أجرته صحيفة الغارديان البريطانية، تضم السجون الإيرانية خلف جدرانها ما يقرب من 800 من المعتقلين السياسي ومعتقلي الرأي، أبرزهم بالطبع القياديون في الحركة الخضراء المعارضة مير حسين موسافي وزوجته زهرة راهنافارد، إلى جانب مهدي كرّوبي الذي جرى اعتقاله خلال العامين الماضيين داخل منزله دون محاكمة. إلا أن مسجوني الرأي يضمون أيضا صحفيين وقضاة وناشطين حقوقيين ومدونين، ومن يدافعون عن المساواة بين الجنسين، إضافة إلى بعض القساوسة المسيحيين ورجال الدين من السنة، إلى جانب جميع قيادات المذهب البهائي في إيران وغيرهم. وتعتبر قدرة روحاني على تأمين إطلاق سراح هؤلاء أول اختبار لتمكنه من السلطة، كما أن إطلاق سراحهم سيعمل أيضا على تهدئة الأجواء في إيران ويضع نهاية لحالة السيطرة السياسية القمعية.
العلاقة بالمرشد الأعلى
للمرشد الأعلى الكلمة الأخيرة في الكثير من القضايا السياسية. كما سيعتمد آداء روحاني في العديد من القضايا على علاقته بالمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي يعتبر فعليا زعيم القيادات الدينية المتشددة في إيران، كما أن لديه سلطة القرار الأخير فيما يتعلق بالعديد من القضايا الاستراتيجية والحاسمة في البلاد. إلا أن روحاني لا يحسب أيضا على التوجه الليبرالي بشكل واضح، فقد كان يشغل بعض المناصب القيادية في الحكومة لعدة سنوات، ويعتبر أحد المطلعين على دخائل الأمور. ومع أن روحاني يريد من المتشددين أن يتعاونوا معه، فهم يريدون منه أيضا أن يخرج النظام من تلك المعضلة التي يجد نفسه أمامها، حيث إن العقوبات الدولية وسوء الإدارة الاقتصادية ينخران في سلطة ذلك النظام من الداخل. ويبدو روحاني شخصا يمكن للمرشد الأعلى أن يتعامل معه. كما أن علينا ألا ننسى أن التفويض بالتغيير والتحديث الذي حصل عليه روحاني من اللجنة الانتخابية يأتي بمثابة خيبة أمل كبيرة لسياسات المرشد الأعلى الانعزالية والمتطرفة. فعملية التصويت قد أضعفت بشكل كبير موقف خامنئي.
الاقتصاد
تأثر الاقتصاد الإيراني كثيرا خلال حقبة أحمدي نجاد. ومع النمو السلبي في إيران، تشهد الأوضاع الاقتصادية حالة من الركود. حيث بلغ معدل التضخم في البلاد ما يقرب من 36 في المئة حسب التقارير الرسمية، أما التقارير غير الرسمية فتشير إلى معدلات أعلى من ذلك بكثير. حيث إن معدل التضخم في أسعار الغذاء بلغ نسبة 55 في المئة، بينما تأخذ معدلات البطالة في الارتفاع بعد بلوغها نسبة 12 في المئة. كما أن تلك الأوضاع من سوء الإدارة لم تشهدها البلاد من ذي قبل، وزادت العقوبات الدولية من حجم الكارثة أيضا، حيث تسببت العقوبات على صادرات النفط الإيراني في إحداث تأثير على مصدر إيران الرئيسي للدخل بما يقارب 65 في المئة. كما كان للعقوبات المصرفية أيضا تأثيرا على التبادل التجاري بين إيران والعالم الخارجي، حيث كان من المستحيل لها أن تجلب الدولارات البترولية مرة أخرى إلى داخل البلاد. ومن ثم، حدث العجز في العملة الصعبة الذي أدى إلى انخفاض شديد في قيمة الريال الإيراني بما يقرب من 80 في المئة خلال العام الماضي. ويمكن لروحاني أن يأمل في تطوير أسلوب إدارة بعض النواحي الاقتصادية، ومن الصعب أن يكون أداؤه أسوأ من ذي قبل. إلا أن عليه أن يعمل على إنهاء فرض تلك العقوبات إذا ما كانت إيران تريد استعادة تعافيها اقتصاديا.
المواجهة النووية مع القوى العالمية
تعرضت إيران لعقوبات دولية بسبب برنامجها النووي. وكان المرشح الرئاسي سعيد جليلي يواجه انتقادات من قبل جميع المرشحين الرئاسيين تقريبا، بمن فيهم المحافظون الإسلاميون والمتشددون، في المناظرات التي كانت تبث تلفزيونيا ما قبل إجراء الانتخابات الرئاسية في البلاد، وذلك لإضاعته الفرص في العديد من جولات المحادثات بين إيران والقوى العالمية فيما يتعلق بقضية إيران النووية. حيث كان جليل، الذي حصل على ثالث أكبر نسبة من الأصوات الانتخابية (11 في المئة)، يعتبر كبير مفاوضي إيران النوويين منذ عام 2007. وجرى اتهامه من قبل المرشحين الآخرين بالإخفاق في تحقيق أي تقدم في المحادثات الدولية، وهو ما أدى إلى تحمل إيران لمزيد من العقوبات. وكان من الواضح أن ثمة انقسامات عميقة بين القيادات في الحكومة في كيفية التعامل في تلك المفاوضات. وقال روحاني إن إيران بإمكانها أن تحافظ على برنامجها النووي وتعمل في الوقت نفسه على طمأنة القوى الدولية، مقترحا أن تكون إيران أكثر استباقا وشفافية في محادثاتها حول أنشطتها النووية. وأكد على أنه يريد الوصول إلى موقف من الثقة المتبادلة بين إيران والقوى العالمية. إلا أن التطبيق أصعب بكثير من القول. وإذا ما تمكن روحاني من إيجاد طريقة لحل تلك الأزمة، قد يؤدي ذلك لأن يلقى دعما من المرشد الأعلى. أما إذا فشل في ذلك، فإن شبح الحرب سيظل يطارد إيران. العلاقات الخارجية
تعهد روحاني بإنهاء عزلة إيران. تعتبر العلاقات الخارجية هي المنطقة التي يمكن أن تكون للرئيس الجديد بصمة فيها أسهل من كل القضايا الأخرى التي يواجهها. فقد وعد روحاني بتطوير العلاقات مع العالم الخارجي. حيث إن لديه من الخبرة الدبلوماسية ما يمكنه من ذلك، فهو كان يشغل لعدة سنوات منصب كبير المفاوضين النوويين لإيران، وكانت له تعاملات على أعلى مستوى مع القوى الغربية. ويمكنه أن يبدأ في استعادة بناء العلاقات مع بريطانيا، وذلك بعد إغلاق الأخيرة لسفارتها في طهران عام 2011 بعد مهاجمتها من قبل بعض العصابات، ثم أمرت بريطانيا بإغلاق السفارة الإيرانية في لندن. كما كان أول رد فعل أمريكي على انتخاب روحاني متمثلا في اقتراح محادثات مباشرة مع طهران حول ملفها النووي والعلاقات الثنائية بين البلدين. ومع هذا الجو الجديد من البهجة التي تعم أرجاء طهران، يرى كثيرون أن أي شيء قد أصبح ممكن الحدوث.