أثار كشف إدوارد سنودن لأسرار تجسس المخابرات الأمريكية على الإنترنت موجة عاصفة من الانتقادات الداخلية والخارجية لإدراة الرئيس الأمريكى باراك أوباما، فيما واصلت جميع الصحف الأمريكية والبريطانية صاحبة السبق الصحفى تحليلاتها ومتابعتها وطرح أسئلة لما بعد الفضيحة. فقد اجتاحت إدارة أوباما أمس حالة من الغضب غير مسبوقة بعد أن كشف مسرب المعلومات عن هويته، على برامج «برزم» للتجسس عبر الإنترنت وشبكات الهاتف التى أنشأتها بهدف إحباط أى تهديدات إرهابية خارجية.
إذ اتهم السناتور ديان فاينشتاين رئيس لجنة المخابرات فى الكونجرس، إدوارد سنودن الموظف السابق فى الوكالة المركزية، ب«الخيانة» وقال إنه تجب محاكمته.
وأفادت وكالة رويترز للأنباء، بأن مسئولين من ألمانيا والاتحاد الأوروبى أصدروا شكاوى صيغت بهدوء ولكن بنبرة حازمة.
كما رفض وزير الخارجية البريطانى وليام هيج تأكيد أو نفى وجود برنامج سرى، للتعاون بين المخابرات البريطانية والأمريكية، يسمح بالتجسس على الحسابات الشخصية للأفراد على الإنترنت.
ومن جانبه، أكد وزير الدفاع الكندى بيتر ماكاى أنه سمح لجهاز مخابراته بمراقبة اتصالات دولية معينة وفحص بيانات خاصة بالهواتف والإنترنت بسبب نماذج مشتبه بها، حسبما ذكرت صحيفة «جلوب آند ميل» الكندية.
وأشارت الصحيفة، إلى أن الوزير بيتر ماكاى فوض «مؤسسة أمن الاتصالات الكندية» عام 2011 باستئناف برنامجها لجمع وتحليل بيانات وصفية وبيانات التتبع الرقمية كعناوين بروتوكول الإنترنت «آى. بى»، وأيضا أرقام هواتف ومدة مرات الاتصالات الهاتفية وعددها للعديد من الأشخاص.
وعن سنودن، فذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أمس، أنه اختفى عن الأنظار فى هونج كونج الصينية قبل حملة محتملة من جانب الحكومة الامريكية لإعادته لبلاده لمواجهة اتهامات.
حيث دفع سنودن (29 عاما) حساب الفندق الذى كان ينزل فيه فى هونج كونج وغادره بعد ساعات من ظهوره فى شريط فيديو بثته صحيفة جارديان البريطانية قبل يومين، قدم خلاله معلومات كشفت عن عملية مراقبة ضخمة تقوم بها وكالة الأمن القومى الأمريكى للاتصالات الهاتفية وبيانات الإنترنت من شركات كبيرة مثل جوجل وفيسبوك.
ونقلت وكالة رويترز عن موظفين فى الفندق بهونج كونج إن سنودن غادر الفندق ظهر أمس الأولن إلى مكان غير معلوم قد يكون اختاره من أجل التوارى عن أنظار الأمريكيين.
وفى سياق متصل، تدفق المؤيدون لمساعدة سنودن على الإنترنت حيث قام أكثر من 25 الف شخص بالتوقيع على إلتماس على الإنترنت يحث الرئيس باراك أوباما على العفو عن سنودن حتى قبل توجيه اتهامات له، فيما تمكنت حملة أخرى على الفيس بوك من جمع أموال للدفاع القانونى عن سنودين وصلت لنحو ثمانية آلاف دولار خلال بضع ساعات فقط.
وكان سنودن قد قال خلال مقابلة مصورة مع جارديان إنه قام بذلك العمل بدافع من ضميره لحماية «الحريات الأساسية للناس فى شتى أنحاء العالم».
وصحفيا، احتفت جميع الصحف بالسبق الصحفى بشأن التجسس الامريكى، فأشارت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أمس إلى أن هناك تحقيقات واسعة الآن فى أروقة أجهزة الأمن الأمريكية لمعرفة كيف حصل سنودن على تلك المعلومات وقام بتسريبها.
ونقلت الصحيفة عن مسئول مخابراتى سابق قوله: «انه ربما تعاون سنودن مع شبكة صغيرة من الموظفين من أجل الحصول على تلك المعلومات (التى هى أعلى من مستواه المهنى)، والتى من الممكن ان تكون مكونة من 30 الى 40 شخصية».
وفى تقرير آخر، أشارت الصحيفة ذاتها إلى المصاعب التى سيواجهها سنودن فى الإختفاء أو اللجوء بعد تزايد الأصوات الرسمية المطالبة بالقبض والتحقيق معه.
وتابع التقرير، أن هونج كونج التى يتخذ منها الآن مقرا له قد لا تكون آمنة الآن. فالإدارة الأمريكية ستصر على معرفة كيفية حصوله على مثل هذه المعلومات.
ومن جانبها، أشارت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية أمس، إلى أن الرئيس أوباما أعطى أوامر للبنتاجون من أجل وضع قائمة لمواجهة خطر الحرب الإلكترونية ضد بلاده حول العالم، وذلك وفقا لوثيقة سرية من 18 صفحة تم تسريبها أمس.
وأشارت الصحيفة، إلى أن البنتاجون تلقى الضوء الأخضر لتحديد ورسم قائمة بالأهداف الإلكترونية التى قد تهدد البنى التحتية الأمريكية كشبكات الكهرباء والقطاع المالى وكذلك معلوماتها السرية لحمايتها والدفاع عنها.
ومن جانبها، رأت مجلة فورين بوليسى الأمريكية واسعة الانتشار، أن لهذه الفضيحة مخاطر على مجلس الأمن الدولى، داعية إياه إلى القلق من عمليات التجسس الأمريكية.
وأضافت المجلة أنه بعد فضيحة التجسس الأمريكية، فإن الكثييرين من الدبلوماسسين العاملين بمجلس الأمن قد لا يكونون بعيدين عن عمليات التجسس سواء على تليفوناتهم الشخصية أو الإيميلات أو وسائل التواصل الاجتماعى الخاصة بهم، والتى قد تكون مراقبة ليس فقط عن طريق المخابرات الأمريكية بل أيضا عن طريق أجهزة مخابرات أخرى من دول شتى كالصين وروسيا وغيرها من الدول.
ونقلت المجلة عن ممثل جمهورية الكونجو الديمقراطية فى مجلس الأمن سابقا، أتوكى ليكا قوله «لم أستبعد مثل هذا الأمر»، مضيفا: «لم يعد هذا الأمر متعلق بالولايات المتحدة او الصين أو فرنسا أو روسيا، بل أصبح شيئا شائعا فى جميع العالم، إذ يتم التجسس عل الدبلوماسيين عبر المواقع الإلكترونية والبريد الشخصى، فهذا أصبح جزءا مما نعيشه الآن».
وقالت الجارديان فى تقرير لها أمس، إن ادارة أوباما تعانى الآن ضغوطا حقيقية بعد هذه الفضيحة المدوية، وخصوصا بعد أن أطلق العديد من أعضاء الكونجرس نداءات من أجل إعادة تهيئة البرامج الامريكية الخاصة بالوثائق السرية مما يجعلها أكثر أمنا وأصعب اختراقا.
وفى سياق آخر، شكر دانيال أليزبرج الكاتب البريطانى الشهير سنودن، قائلا فى مقاله بالجارديان أمس إن سنودن أصبح السبب الآن فى حمايتنا من ألاعيب واشنطن وأساليبها الدنيئة فى تحقيق مصالحها.