كما للأفلام التى تتناول سير الرؤساء والزعماء مذاقها السينمائى الخاص، هى أيضا دائما ما تحمل عظة ودرسا هو غالبا ما يكون حكمة الحياة لمشاهدها حاكما كان أو محكوما. فالمشاهد العادى ربما يكتب قصته التى تتناسب وفلسفته فى الحياة، والرئيس المسئول أيضا يمكنه أن يستوعب متى وكيف يتخذ قرارات مصيرية فى المواقف العصيبة، ينجو أو لا ينجو، المهم أن يضع هو الآخر طريقا لسياسته التى تعبر بشعبه إلى بر الأمان.
وفى فيلم «لينكولن» للمخرج ستيفن سبيلبيرج دروس كثيرة لأى زعيم أو رئيس يريد أن يدخل التاريخ، ودخول التاريخ يحتاج لمواصفات رجل يملك شجاعة أن يقف بجانب الشعب لا بجانب فئة تحيط به تخيفه وتضعفه وتهز أفكاره وتشتت خطاه.
وفى الفيلم كما فى الحقيقة لو خضع إبراهام لينكولن لهواجس ومخاوف بعض الساسة المستفيدين من حوله لما دافع بشراسة عن تقرير مصير وتحرير السود فى أمريكا ونقلهم من خانة العبيد إلى خانة مواطنين لهم كل حقوق وواجبات أى أمريكى أبيض.
فعبر الفيلم نرى حياة مليئة بالأحداث وفترة رئاسة غيرت حياة شعب وألغت تقاليد بالية، حياة رائعة حتى مع نهايتها المأساوية بعد أن نجح إبراهام لينكولن الرئيس الأمريكى ال16فى توحيد بلاده، والذى كانت فترة رئاسته غير عادية ومليئة بالحروب السياسية وانفصال وانقسام البلد، لكنه استطاع أن ينهى كل هذا قبل أن تنتهى حياته.
أربع سنوات فقط هى فترة رئاسته لكنه خلالها غيّر تاريخ الشعب وحوّل العبيد إلى أحرار وجعل من ذوى البشرة السمراء مواطنين.
فى عام 1860 انتخب رئيسا للولايات المتحدة على أساس برنامج يعارض توسيع العبودية إلى الغرب الأمريكى، وهو الموقف الذى عجل بانفصال الولايات الجنوبية عن الاتحاد، حيث انفصلت 11 ولاية وأعلنت تكوين دولة مستقلة سُمّيت الولايات الكونفيدرالية الأمريكية، رفض لينكولن قبول الانفصال وخاض حربا شرسة ضد الجنوب للحفاظ على الاتحاد وإلغاء الرق فى الولاياتالمتحدة، ولكن تم اغتياله فى عام 1865 بعد وقت قصير من استسلام الجنوب.
سيرة ذاتية غير عادية فى صورة سينمائية تحتاج مزيدا من الصبر والتأمل، وكلما شاهدتها تكتشف أن التمسك بالمبادئ والوعود يشكلان حياة الرئيس وكل من حوله، وأن التأكُد من أنه على حق قادر أن يجعله ينتصر على المصاعب.
ستيفن سبيلبيرج يُظهر لينكولن فى آخر 4 شهور فى حياته فى لحظات حميمية وخاصة جدا للزعيم الأخطر فى تاريخ أمريكا، فى الوقت الذى تعانى البلاد من شبح ظلام وحرب تمزقها، لكنه قدمه نصيرا للعدالة والحرية.. قادرا على التعامل مع الظروف السياسية الاستثنائية التى واجهها فى سير البلاد.
صورة درامية غنية يلعب فيها لينكولن دورا مزدوجا لإنهاء الحرب الأهلية المدمرة ويخوض معركة لتمرير التعديل ال13 الشهير للدستور، والذى يلغى العبودية بشكل نهائى، إنه بالفعل عمل وطنى حقيقى، لإجبار الشعب الأمريكى على تغيير مسار وأهداف حياتهم بما يحقق الخير لجميع البشر.
الفيلم يدعو الجماهير مباشرة إلى قلب وروح إنجازات لينكولن الأخيرة وطرق صنع القرار، وهو يظهر الجانب الإنسانى.. رومانسى فى حياته الشخصية ولعوب وشرس فى السلطة.. قائد داهية ووالد ضعيف بدون الوقوع فى أخطاء الأسطورة والبطولة الشديدة المعتادة فى تناول السيرة الذاتية.
سبيلبيرج يقول: «أردنا التركيز على الأشهر الأربع الأخيرة من حياة لينكولن لأن ما أنجزه حتى هذا الوقت كان ضخما جدا، ومع ذلك، أردنا أن نظهر أنه كان رجلا وليس مجرد نصب تذكارى، أن نشعر بالأمل فى تحقيق العدالة الذى حققها هذا الرجل ذو الشخصية شديدة التعقيد».
فى هذا الفيلم كشف سبيلبيرج والسيناريست تونى كوتشنر اهمية أن يكون الحوار فى المقدمة ثم تأتى الصورة لتظهر التدفق الغزير لأكثر اللحظات الإنسانية التى تتطور أمامنا طوال الوقت وسط إثارة سياسية أيضا، ومن أجل الوصول إلى أحداث الأيام الأخيرة فى حياة لينكولن من معارك سياسية ومخاوف وآمال من أجل الوطن، لرجل قام بأفضل عمل للديمقراطية.
سيناريو كوتشنر اعتمد على فكرة الاعتماد على التوقعات وسط عالم من المفاجآت، وكان على الجمهور أن يعتمد على ذكاء بطله وخاصة فى تمرير التعديل 13 الشهير، وساعده سبيلبيرج فى حكى القصة بشكل يجعله ليس مجرد سيرة ذاتية عن شخصية تاريخية مهمة، فالفيلم يقدم لينكولن كى يلهم الناس إلى الاعتقاد مرة أخرى فى إمكانية القيادة»؛ وبرع المخرج عبر تميز فى الصورة والديكور والموسيقى والمكياج فى خطف وعى المشاهد ويلاحقه بكلمات لينكولن المؤثرة مع نهاية الفيلم.
قدم شخصية لينكولن الفنان دانيال داى لويس الحاصل على جائزتى الأوسكار وجولدن جلوب عن هذا الدور، وقد فهم شخصية لينكولن بكل مواصفاتها الرومانسية والمفعمة بالسياسة وتنقلات أحاسيسه فى نفس المشهد..
تفاعل معها بتلقائية جسده بعمق واستطاع أن يدخلنا إلى حياة الرجل وعقله بحسه الفكاهى وآلامه وهدوئه مع حجم ما يواجهه من تحديات، بينما استطاعت سالى فيلد فى دور السيدة مارى زوجة لينكولن أن تجعل من هذه الشخصية الأسطورية زوجة وأم حقيقية فى خضم فترة صعبة يواجهها زواجها، وتظهر معاناتها ودعمها لزوجها طوال الوقت كسيدة أولى رغم المحن التى تمر بها، وأيضا كان تومى لى جونز مبهرا فى المواقف التى جمعته ودانيل داخل مجلس النواب وخارجه.