رغم أن انسحاب القوات الأمريكية إلى خارج المدن العراقية، والتى استكمل يوم 30 يونيو، لا يُعد انسحابا حقيقيا، لأنه لا يزال يوجد بالعراق نحو 131 ألف جندى أمريكى، حيث سيبدأ الانسحاب الحقيقى بعد الانتخابات العامة فى يناير المقبل، إلا أن هذا التطور قوبل بترحاب أمريكى واسع، رغم بعض القلق مما سيحدث فى المستقبل. وتتوقع وزارة الدفاع الأمريكية زيادة فى أعمال العنف فى العراق بعد استكمال انسحاب القوات الأمريكية إلى خارج المدن فى نهاية شهر يونيو. وكانت الاسابيع الأخيرة شهدت تفجيرات راح ضحيتها مئات العراقيين المدنيين، وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جيف موريل إن الحوادث تظل فى أدنى مستوياتها منذ بدء الحملة العسكرية فى العراق فى عام 2003، وأشار إلى إن القوات الأمريكية المنسحبة ستشكل ما وصفه بسواتر دفاعية فى المناطق الحضرية وستنفذ عمليات حربية مع القوات العراقية خارج المدن. وأضاف أن الهدف هو منع المتطرفين من أن يشكلوا تهديدا استراتيجيا للحكومة العراقية، على حد تعبيره. قلق من «بايدن» يجرى هذا فى الوقت الذى أعلن فيه البيت الأبيض أن الرئيس باراك أوباما كلّف نائبه جو بايدن بالإشراف على جهود المصالحة السياسية فى العراق، مما أثار بعض المخاوف بسبب ما ارتبط به من دعوات إلى تقسيم العراق لثلاثة كيانات تتمتع بحكم ذاتى. وذكر المتحدث روبرت جيبس أن أوباما طلب من بايدن العمل على أن يتخطى العراقيون خلافاتهم وأن يتوصلوا إلى مصالحة. وأضاف أن بايدن سيتعاون لتحقيق ذلك مع سفير الولاياتالمتحدة فى بغداد كريستوفر هيل وقائد القوات الأمريكية الجنرال راى اوديرنو. وخلال رئاسته للجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشيوخ الأمريكى، طرح جو بايدن تصوره لتقسيم العراق، إذ كان يرى أن التدخل الأمريكى أدى إلى خلق واقع ديمجرافى جديد. طبقا للإحصاءات التى نشرتها المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة UNHCR، والتى ذكرت انه حتى يناير 2007 وصل عدد اللاجئين العراقيين للدول المجاورة إلى مليونى لاجئ بينما وصل عدد اللاجئين داخل العراق نزوح داخلى إلى 1.7 مليون لاجئ. وكانت رؤية بايدن تقوم على تقسيم العراق لثلاثة كيانات تتمتع بحكم ذاتى ووجود حكومة مركزية قوية فى بغداد. وتصور بايدن أن التقسيم سيعتمد على: أولا: ألا تؤثر الحدود الجديدة على عملية توزيع الموارد النفطية بل لابد أن يكون جميع العراقيين متساوون فى هذا الأمر. ثانيا: ألا يتم إجبار أى مواطن على الانتقال إلى إقليم آخر على أساس طائفته بل تترك الحرية كاملة للمواطنين فى الاختيار. ثالثا: وضع قواعد صارمة لاحترام الأقليات فى كل إقليم وحمايتهم لتجنب حدوث أى أعمال عنف طائفى. ولم تثر دعوة السيناتور بايدن حينذاك حماس البيت الأبيض، وجاء الرد قاطعا من جورج بوش برفض الفكرة من الأساس. الوضع على الأرض مايكل روبين الباحث المقيم بمعهد أمريكان انتربرايز وكبير المحاضرين بكلية الدراسات العليا البحرية، يرى أن «الأسوأ فى العراق لم يأت بعد»، ويذكر روبين أنه على الرغم من التفاوض حول الاتفاق الإطارى الاستراتيجى فى الأيام الأخيرة من إدارة بوش، إلا أن الرئيس باراك أوباما هو من صاغ الصفقة النهائية، لأنه ركز حملته الانتخابية على أساس سحب القوات من العراق، وكان لكلماته تأثير على المفاوضات. وأظهر روبين تخوفه مما قد تشير إليه عملية الانسحاب، وقال: المسألة هنا ليست فى عدد القوات، بل فيما تبعثه استراتيجية أوباما من علامات ضعف، مما أدى إلى تودد كل من رئيس الوزراء نورى المالكى والرئيس جلال طلبانى وحتى الزعيم الكردى مسعود برزانى إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية فى الأسابيع الأخيرة. من ناحية أخرى، يرى كثير من الخبراء فى واشنطن أنه مع استكمال انسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية، ستواجه الحكومة العراقية عددا من القضايا الشائكة، كالتصدى للهجمات الإرهابية، وإعادة توطين مئات الآلاف من اللاجئين فى الأحياء التى فروا منها أثناء أعمال العنف الطائفية. وتثير هذه التحديات تساؤلا مهما عن قدرات الجيش العراقى، وما إذا كان فعلا جيشا قوميا يمثل كل الجماعات العرقية، أم أنه جيش يسيطر عليه الشيعة. ومازالت قضية الميليشيات الكردية المسلحة المعروفة باسم البشمرجة تطرح تساؤلات فى نفس الاتجاه. إلا أن الجنرال راى اوديرنو، قائد القوات الأمريكية فى العراق رد على المشككين واصفا القوات العراقية، بقوله «أعتقد أنهم أصبحوا على استعداد كبير، وقد جرى العمل على إعدادهم لهذه المهام منذ فترة طويلة، أعتقد أن الوقت أصبح مناسبا إليهم لتولى مسئولية أنفسهم». اتهامات لإيران ووسط حرب الكلمات بين واشنطنوطهران على خلفية قمع المظاهرات فى إيران، اتهم قائد القوات الأمريكية فى العراق الجنرال راى أوديرنو إيران بدعم الميليشيات المسلحة وتدريبها لتنفيذ هجماتها ضد العراقيين. وأكد رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية الأدميرال مايك مولين نفس الرأى، وقال إن إيران رغم انها خفضت إمداداتها من الأسلحة للمتطرفين فى العراق، إلا أن الإيرانيين ما زالوا مؤثرين على أعمال العنف فى كل من العراق وأفغانستان». من الواضح أنهم لم يعودوا يرسلون شحنات بالقدر الكبير الذى درجوا عليه، لكن ذلك لا يعنى أنهم توقفوا. فما زالوا يؤثرون على القتال فى كل من العراق وأفغانستان وإن لم يكن بالقدر الكبير الذى تعودوا عليه خلال أسوأ أيام العراق، لكنهم ما زالوا ضالعين فى تلك الأعمال». فى الوقت نفسه تبدو واشنطن منشغلة بمتابعة التطورات الايرانية الداخلية وتقدير تبعاتها على قوة الدولة وبالتالى على الدور الخارجى لايران. ويرى الخبير فى الشئون الإيرانية عباس ميلانى، رئيس قسم الدراسات الإيرانية بجامعة ستانفورد أن الأزمة التى يمر بها النظام الإيرانى تُعد أخطر الأزمات التى واجهها. ولا يستبعد ميلانى استمرار حركة الإصلاح التى ستفقد النظام الإيرانى تماسكه، ويشير إلى أن المتظاهرين تركوا ديناميكية جديدة خارج توازن القوى التقليدى، رغم التفافهم حول الزعيم المعتدل موسوى بدلا من بدء ثورة جديدة تماما. ويتفق كريم سدجادبور الباحث فى الشئون الإيرانية بمؤسسة كارنيجى بواشنطن مع ما ذهب إليه ميلانى، ويضيف أن ما يحدث فى إيران يعد شيئا تاريخيا. وحسب سدجابور فإن المظاهرات التى عمت طهران ، ومناطق أخرى، تعبر عن معارضة شعبية واسعة. ويقول إن استمرار الاضطرابات فى إيران أدى إلى أزمة قيادة ليس فقط بالنسبة للرئيس محمود أحمدى نجاد، ولكن أيضا للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله خامنئى حيث يواجه الأخير تحديا من جانب مئات الآلاف من المتظاهرين الذين يصفونه علانية بالكاذب والديكتاتور. وفى واشنطن هناك من يعتقد أن خامنئى باعتباره أقوى رجل دين فى إيران، ربما يضحى بنجاد من أجل الحفاظ على موقعه داخل السلطة الإيرانية لتبقى السيطرة فى يد السلطة الحاكمة.